منير مزيد / رومانيا
لقد آلمني جدا رسالة جاءت إلى بريدي الإلكتروني من حركة إبداع والتي تتناول قضية الكاتب تيسير نظمي حول مشاكله مع عصابة الرابطة والعصابات الثقافية الآخرى، ومحاولة تلك العصابات في تهميشه منذ 16 سنة مرت على وجوده في الأردن وما تزال حسب ما جاء في رسالته . لهذا أعلن تضامني معه بالكامل لأنني أعرف تلك العصابة جيدا ..
اما حكايتي مع تيسير نظمي بدأت حين التقينا أول مرة في أحدى الصالونات الأدبية في عمان ، و في تلك الفترة كنت مقيم في الولايات المتحدة الامريكية وفي زياره للأهل وتم دعوتي للصالون من قبل مبدع فلسطيني كبير وهو كاتب قصة وطلب مني مساعدته في ترجمة قصصه إلى اللغة الإنجليزية ونشرها في امريكا وقد تعرفت عليه عن طريق الشاعر والمبدع الأردني الكبير نائل جرابعة .
لقد خانتني الذاكرة أسم هذا الكاتب إلا أنني ما زلت أتذكر أسم عائلته ” البوريني “. كُلّ ما أَعْرفُ
عنه، يحمل شهادة دكتورة في الهندسة من أحدى جامعات الإتحاد السوفيتي السابق وقاص من الطراز الأول . هذا الأديب المبدع تم تهميشه وأقصائه من قبل تلك العصابات .
وحين عدت إلى امريكا حاولت الاتصال معه من أجل مشروع الترجمة فلم أجده ، وفي زيارة ثانية لي التقيت مع صديقي نائل جرابعة وأول شيء سألته عن أخبار ” البوريني “. وقال لي كلاما أحزنني كثيرا و آلمني جدا بأن الأستاذ البوريني قد أصيب بمرض الإكتئاب النفسي وهاجر من الأردن إلى الأمارات ولا نعرف أي شيء عنه أو حتى إذا كان في الأمارات أو لا . حاولت جاهدا تلك الأيام في البحث عنه ولكن دون جدوى .
في الوكر الأدبي ،الصالون الأدبي، اجتمعت العصابة الثقافية الأردنية ، بدات السهرة
” الأدبية ” بحديث قائد تلك العصابة والذي أصبح وزيرا فيما بعد واقيل لاحقا بقضية فساد ، مرحبا بشاعر عربي مقيم في أمريكا ويكتب بالانجليزية ، وكان طبعا يقصد ني، ومن ثم بدأ يتحدث عن الأدب والنقد وكأننا في مد رسة ولم أصدق بأننا ما زلنا نعيش هذه المرحلة ، عندها هَمسَ البوريني في أذنِي قائلا : اتَسْمعُ هذا الهراء ، هذا الرجل يعتقد انه أستاذا كبيرا في النقد ، فإبتسمتُ وقُلتُ ، نعم ، هذا كلام اكاديمي محنط ، غطاه الغبار.
بعدما انتهى من استعراض غباءه المقزز ، قال : الآن ايها السادة الأفاضل سيقوم القاص والمفكر والفيلسوف عميد القصة العربية ” ح ن ” ليتحفنا ويمطرعلينا بلآلئِه ، عندها سقط قلبي
من هول ما سمعت من هو هذا العبقري الذي لم أسمع عنه إلا هنا. وقبل أن يقرأ الأحمق قصته ، رحب بدكتور عراقي والذي كان ضيفا على الصالون ، وهذا الدكتور الفاضل قرأت كل كتبه في النقد ، إلا إن قائد العصابة قاطع ” ح . ن ” قائلا : على فكرة يا دكتور لقد اجريت اتصالاتي لأجل عمل لك في أحدى الجامعات الأردنية وخاصة جامعة فيلادلفيا والآن نعطي الكلمة لعميد القصة العربية ، طبعا قرأ الاحمق العميد قصته. ما أن انتهى إلا وبدأ زئير قائد العصابة : الله الله إبداع ما بعده إبداع والأهم وتجديد في التراث مع الاحتفاظ بالأصالة ومن ثم نظر إلى الدكتور العراقي ، يطلب رأيه ، شعرت بمأزق وحرج الدكتور وقال : نعم إبداع حقيقي وتجديد في التراث مع الاحتفاظ بالأصالة ، الأصالة التي نفتقدها بسبب الأفكار والرؤى الغربية التي يلهث وارءها الكتاب تحت شعار الحداثة .
ما أن سمعت كلام الدكتور صعقت ، ورفعت يدي وكأننا في صف مدرسة ، أطلب السماح لي بالكلام ، فأذن لي القائد قائلا: فلنسمع رأي الامريكاني ، قلت أنا لن أتحدث عن القصة لعدم وجود شيء يستحق الحديث عنه ولكن لي تعليق على كلام الدكتور ، فأنا لم التقي معه شخصيا الا أني اعرفه من خلال كتابته النقدية واعلم جيدا انه خريج أفضل جامعات الأدب ” جامعة السوربون الفرنسية” وعلى علمي ان كل كتباته النقدية تنطلق من رؤى المدارس الفرنسية في الأدب ، سرعان ما قاطعني القائد ، قائلا : هذا ليس موضوعنا ، اما رأيك فيما يتعلق بقصة ” ح. ن ” انت امريكاني والامريكان لا يعرفون معنى الأصالة .
عندها ضحكت وقلت : أنا لست أمريكيا ، أنا أريد أن تعطيني جوابا لمعنى الأصالة بصفتك استاذ جامعي تدرس الأدب في الجامعة الأردنية ، والتي هلكتني بها .
رد منفعلا بغباء فاحش : شعراء المعلقات ، المتنبي ، أحمد شوقي ، جرير والاخطل هؤلاء يمثلون الأصالة.
قلت : هذا ليس بتعريف لمعنى الأصالة وأحب أن أقول لك شيئا، حتما سيغضبك ويغضب كل العرب ، المتنبي كان خياطا أكثر من كونه كان شاعرا.
وفعلا جاء كلامي كصاعقة على كل الموجودين حتى أنني شعرت في لحظة ما بانني لن أخرج حيا من هذا الوكر. الغريب والمضحك في الأمر انني استخدمت كلمة ” خياط ” كمجاز أما هم فقد ظنوا فعلا أنني أقصدها حرفيا وحاولوا اقناعي انه ، اي المتنبي، لم يمتهن مهنة الخياطة وأن مصادري هذه مغلوطة من قبل كتاب مستشرقين حاقدين على تاريخنا الحضاري ، طبعا ، قلت في نفسي ، انتم خراب وجهل هذه الأمة ..
تدخل القائد لفض الجدل طالبا رأي الناقد ” ز . ل” في قصة الكاتب الأحمق ” ح. ن ” وكان رده أكثر غباءاً فقال : أنا كما تعرفون متخصص في أدب نجيب محفوظ ، والأستاذ ” ح . ن ” يكتب القصة بأسلوب نجيب محفوظ والفرق ، نجيب محفوظ يصور الواقع المصري بلغة المواطن المصري الساذج اما ” ح . ن ” يصور الواقع الأردني بعمق أكثر من نجيب محفوظ ، عندها شعرت بحالة من الاسهال ، والغثيان بأن يقارن الاديب نجيب محفوظ بكاتب ما زال يعتقد ان هناك عناصر أساسية في كتابة القصة ” خياط ” بمقايس دون فكر وإبداع وأن يتهم المواطن المصري بالسذاحه ، واغلبية أعلام الفكر والأدب العربي من مصر ، والأكثر من ذلك، وهذا رأي الشخصي ، لم تنجب الأمة العربية في القرن العشرين أعظم من عبد الحليم حافظ في مجال الإبداع ، وهو مصري .
أردت الحديث إلا أن البوريني منعني . في تلك اللحظة دخل الكاتب تيسير نظمي، لمحت في وجوههم عدم رضاء من دخوله و تواجده ، طبعا ، لا أدري أسباب تجهمهم ،ومن ثم طلب منهم بأن يقرأ قصته وفعلا قرأ الكاتب تيسير نظمي قصته .
ما أن انتهى قامت القيامة مجددا ، وجاء أول رد من ” ح.ن ” حيث قال هذه ليست بقصة وتفتقر إلى العناصر الأربعة الأساسية، لهذا لا نناقش شيئا يخلو من الأصالة ، لم أفهم حكاية ” الأصالة ” وعقدة الأصالة ، والآن وبعد مرور اكثر من 18 عام على هذه الحادثة لا زلت اجهل قصة
” الأصالة ” ومفهومها عند أسياد الأدب هؤلاء والذين تحولوا فيما بعد من ” الأصالة ” إلى
” حارسة الشعر ” ، إلا أنهم اجمعوا على أنها ليست بقصة وتفتقر للأصالة .
تدخلت لصالح تيسر نظمي لـ القى الضوء على قصته ، فبدأت حديثي قائلا : بعيدا عن الأصالة و وجع الأصالة وعقدتها ومرضها، هذه القصة ذكرتني بالكاتب التشيكي فرانز كافكا رائد الكتابة الكابوسية ، فورا تدخل القائد قبل أن أكمل كلامي متسائلا : من هو هذا كافكا ؟
فرد عليه الناقد ” ز . ل” كاتب يهودي، وإذا بالقائد بدأ يهلوس ويزأر ، الله الله واحد امريكاني وآخر يهودي ، ارأيتم الغزو الفكري والثقافي يريدون هدم الأصالة.
عندها ادركت انني في مواجهة مجموعة دراويش ولا داعي لوجودي ، لهذا وقفت وقلت مستهزاءا ، اسمحوا لي يا سادة الأصالة لانني لا أريد أن يكتب التاريخ : منير مزيد هد بيت الأصالة ، لانني لم اعرف ان بيت الأصالة بهذه الهشاشة، والسلام عليكم وتصبحون على
أصالة .
عدت بعد أحداث سبتمر إلى عمان لأجل تنفيذ حلمي بإقامة مهرجان ثقافي وبالتنسيق مع شعراء من الولايات المتحدة و اوروبا للعمل سويا على تأسيس نواة لـ اولمبياد ثقافي عالمي وان يقام المهرجان كل سنتين في دولة على أن نبدأ في عمان أولا وتحت شعار ” الشعر أولا ” وخاصة وان المهرجانات العربية لم تعد تهتم بالشعر ، إلا انني لم اوفق في ذلك ولم تسمح لي وزارة الثقافة الأردنية في إقامة هذا المهرجان ، عندها قررت السفر إلى قبرص لهذا الغرض .
تم تجهيز الأمر على ان تكون قبرص المحطة الأولى ، وبعد ذلك عدت إلى الأردن لأجل اتمام بعض الارتباطات ، وهناك قابلت شخصا مهما وصديقا للعائلة . حزن حين عرف بقصتي وعرض علي المساعدة باستخدام علاقاته للحصول على رخصة لإقامة المشروع في الأردن بشرط أن ألغي فكرة الهجرة والبقاء بين الأهل . طبعا قبلت مساعدته وفعلا حصل لي على رخصة وتصريح من الوزارة الداخلية ومن عطوفة المحافظ .
بدأت بتأسيس المكتب وفور الإنتهاء من ذلك ، اتصلت مع صديقي الشاعر الأردني نائل جرابعة ، وتفاجئ بفكرتي ، وأذكر أنني قلت له ، سانهي تاريخ هؤلاء الذين يحاربون الإبداع وأريد منك فورا في البحث عن الشاعر المتألق احمد مزيد أبو ردن وكل المبدعين من أبناء الأردن الشرفاء، أصحاب الأيادي البيضاء ، وعلى رأسهم المخرج الأردني الكبير نبيل الشوملي.
أجتمعنا في بيت أوديسا لنحقق حلم الثقافة العربية ونخرج من تم تهميشهم إلى المسرح العالمي أخبرني بعض الأصدقاء بالحذر ، لانني في نظر تلك العصابات قد اعلنت الحرب عليهم وعلى مصالحهم وخاصة وأن هناك اشاعة تقول بأن وزارة الثقافة الاردنية قد سرقت فكرتي وتلقوا مبلغ ثلاثة ملايين وثمانمئة ألف دولار أمريكي من أجل تنظيم هذا المهرجان وانني افسدت عليهم المخطط بعودتي إلى الأردن ، وتفاجؤا بوجودي في تنظيم تلك المهرجان بنفس زمن المهرجان وبالتالي لن يتركوني أنفذ مشروعي فكان ردي بسيط ، رابطة الكتاب امرها محلول ساقدم دعوة لمشاركة 5 شعراء ، اما فيما يخص وزارة الثقافة انا لا أسير وراء الاشاعات اما البقية سنبحث عن شعراء تم اقصائهم ومن غير هؤلاء علينا الاخذ بالحيطة والحذر ، الجامعة الاردنية سوف اطلب منهم طلاب ونقاد ، اما امانة عمان سارسل لهم خطابا باستضافة احدى الفعاليات على مسرح الامانة وبنفس الوقت ساشرك بيت الشعر الأردني ، بهذه الطريقة اعطينا كل واحد جزء من الكعكة الا ان أحد الأصدقاء قال : هؤلاء يريدون كل شيء ولن يقبلوا بجزء مهما كان كما تتخيل هؤلاء اعتادوا سرقة افكار وعمل الآخرين ليبقوا تحت الأضواء وبأن لهم دوما الافضل الاكبر في اي عمل..
شاءت الأقدار أن التقي بالكاتب تيسير نظمي وقد كنت مسرورا بزيارته لمكتبي لأجل اجراء حوار معي وكان سؤاله الأول : لقد ورد في صحيفة عرب اليوم مهرجان دافوس الثقافي سيقام في البحر الميت تم إلغاؤه وإن القائمين على هذا المهرجان قد تلقوا مبلغ ثلاثة ملايين وثمانمئة ألف دولار أمريكي من أجل تنظيم هذا المهرجان ، ما هو ردي على هذا الخبر.؟
قلت له ما علاقتنا بهذا الخبر؟ فقال: إن من قام بنشر هذا الخبر زميل له وأخبروه بأن المعنيين بهذا الخبر ” مهرجان أوديسا ” .
وللاسف اجرى حوارا مطولا معي دون أن ينشره إلا انه وجه انتقاداته لفكرة المهرجان ، فلم أغضب من ذلك على اعتبار إن هذه رؤيته وله الحق وبقيت على اتصال معه حتى انني ذهبت شخصيا إلى عمله وتحدثنا عن المهرجان ولم اشعره بأنني قد تأثرت أو غضبت لما كتبه ، لانني وجدته محقا في بعض النقاط التي طرحها بخصوص غياب شعراء من الصين واليابان وكوريا
لكن ما اغضبني بعد ذلك ، سروره بجريمة تلك العصابات وما فعلوا وانهم قد حققوا انتصارا ساحقا ضد أوديسا ، انا اقول الآن للأخ تيسير نظمي سامحك الله
انت الآن تدفع ثمن جهلك بهؤلاء وغيرك من كل أبناء الأردن الشرفاء ، لكني أوعدك يا اخ
تيسير بأنني سأدمر وكر ” الإصالة “، وكر العنصريين والمتطرفين والسماسرة ، على رؤوسهم، هم يعتقدون بانهم قد نجوا بجريمتهم إلا أن دعوات وصلوات أمي تطلب القصاص من هؤلاء الأشرار وعقابهم سيكون عسيرا ، اوعدك لن يفلتوا بجريمتهم ، ساطاردهم إلى يوم القيامة حتى انتزع من حبات عيناهم حقي كاملا غير منقوص وحق الشاعر الكبير الراحل تشيزار افينسكو الذي اوصاني قبل رحيله ، بأن لا أترك حقي يضيع ، وحق كل كبار شعراء العالم الذين حلوا ضيوفا على الأردن فلم يجدوا سوى مجموعة أوباش لا تعرف معنى واصول الضيافة العربية ، وحق نائل وابو ردن والبوريني وغيرهم …