د. فايز أبو شمالة
كما أن المقاومة الفلسطينية ليست غاية في حد ذاتها، وإنما وسيلة لاسترداد الحقوق المغتصبة، فإن التهدئة مع الدولة العبرية لم تكن غاية الفلسطينيين، وإلا صار منطقياً في العرف السياسي الفلسطيني تغليب الخطوات التكتيكية على الخطوط الإستراتيجية، وبالتالي تصير المفاوضات العبثية غاية في حد ذاتها حتى لو استمرت عشرات السنين، ما دامت تؤمن الرواتب، ومصروف الجيب، والنثريات حتى آخر الشهر.
كانت التهدئة غير الموقعة بين حماس، وأخواتها في المقاومة من جهة، وبين الدولة العبرية من جهة أخرى، قد تمت تحت رعاية مصرية، وكان الهدف منها التبادلية، وعلى رأسها توقف المقاومة عن استهداف البلدات الإسرائيلية في محيط قطاع غزة، وأن توقف إسرائيل عدوانها، والحصار على غزة جزء من العدوان، أي أن تفك إسرائيل الحصار عن غزة كجزء من التهدئة، وعلى هذا أعطت الفصائل الفلسطينية الفاعلة ـ وعلى مضض ـ موافقتها، وغنت إسرائيل، ورقصت بلدة “أسدوروت” ثلاثة أيام بلياليها.
لقد أخلت إسرائيل بشروط التهدئة من اليوم الأول، فلم تفتح المعابر، ولم تفك الحصار عن قطاع غزة إلا بعد عدة أيام من لجم القذائف العملي على الدولة العبرية، التي أقرنت عدد الشاحنات العابرة لقطاع غزة، بمقدار نجاح حماس في ضبط التهدئة، وبدلاً من التبادلية، صارت التهدئة قيداً في معصم المقاومين، يكبلهم عن الفعل، وصارت قفلاً ومفتاحاً في يد الجيش الإسرائيلي.
منذ أسبوعين قامت إسرائيل بتصفية عشرة مقاتلين فلسطينيين بدم بارد، وأغلقت بالكامل المعابر التي كانت تزود غزة ببعض المؤمن والحاجات الضرورية، وما زالت تضيق الحصار على قطاع غزة، الذي طال مجمل مناحي حياة الناس، ولم يستثن مريضاً، أو رضيعاً، في حين اكتفت المقاومة الفلسطينية بإطلاق عشرات القذائف على البلدات الإسرائيلية، ولكنها لم تقتل إسرائيلي واحد، ولم تشل الحياة في جنوب الدولة العبرية بنفس القدر الذي يفعله الحصار في سكان قطاع غزة، أما في الضفة الغربية فإن يد الاحتلال، وأذنابه منفلتة في ملاحقة رجال المقاومة، وقد مهدت التهدئة، وهيئت الأرض للتنسيق بهدف خنق المقاومة.
فإلى متى هذه التهدئة؟ وأين الربح والخسارة؟ ولماذا هذا الصمت الفلسطيني على الحصار؟ فإذا كانت إسرائيل قد ضربت عرض الحائط بمناشدة أمين عام الأمم المتحدة، وكل المنظمات الإنسانية، لماذا لا تنطلق المقاومة الفلسطينية في هذه المرحلة تحت شعار فك الحصار عن قطاع غزة، أي أن القذائف رد على الحصار، وليس كما يشترط “أهود براك”، ويكرر في كل حديث: الحصار رد على القذائف. وهذا خداع يجب مواجهته بدوي المقاومة، والقذائف في البلدات الإسرائيلية كردة فعل على الحصار، ولتنطلق المقاومة في هذه المرحلة تحت مسمى فك الحصار عن قطاع غزة، فقط، وهذا شعار صار مقبولاً دولياً في هذه المرحلة، ومحرجاً لكل الأطراف الممعنة في الحصار.
غزة قادرة على تحمل ضربات الجيش الإسرائيلي، ولاسيما بعد أن جار عليها الجار، وتخلى عنها الصديق، وتركها المجتمع الدولي وحيدة، وبعد أن تخلى عنها الرئيس الفلسطيني محمود عباس وهو يقدم لرئيس الوزراء “أهود أولمرت” في آخر لقاء بينهما، فوطة بيضاء كي ينظف الدم عن خنجره الذي طعن فيه عشرة شباب فلسطينيين من غزة، لقد تقبل الرئيس الفلسطيني التعازي من “أولمرت” وغفر له ما تقدم من ذنب، وبرأه من دم الفلسطينيين، وهذا عار على جبين دعاة التهدئة التي كان يجب أن تتفجر للحيلولة دون لقاء مذل كهذا، فالتهدئة في حد ذاتها لم تكن غاية الشعب الفلسطيني، كما لم تكن المقاومة في يوم من الأيام إلا باب فرج، وخير، ودرء لشر يتحفز على بوابات فلسطين، فما أضعف فلسطين في ظل التهدئة!!، وما أقوى فلسطين في المواجهة، وما غزة إلا بعض فلسطين، فيها رجال المقاومة من كافة التنظيمات المقاتلة، وفيها كتائب “القسام”، وإنها لقادرة على إيلام الجيش الذي يحاصرها، ولاسيما أن فيها فائض رجال، وفائض كرامة، وفائض حقد، وفائض غضب، وفائض وقت، وفائض إرادة، وفي غزة ضيق حال، ونقص في المال، وعجز في أبسط مقومات الحياة، فإلى متى الصمت، وإلى متى تقبل الموت البطيء الذي نهى عنه الشهيد عز الدين القسام عندما قال: موتوا شهداء.
لتكن رسالة المقاومة واضحة: فك الحصار عن غزة، وفتح المعابر الدولية بالكامل مقابل التهدئة، ولن تموت غزة
في المواجهة، وستخرج فلسطين أقوى، وعزم رجالها أشد.
في المواجهة، وستخرج فلسطين أقوى، وعزم رجالها أشد.