للشاعر: محمد محمد السنباطي
1-عندما تكون وحدها
وعندما تكون وحدها يعودها كَسَل
يحط فوق صدرها ذبابُهُ ليوقظ العسل
أهكذا كما الأمطارُ يسقط الخدَر؟
أهكذا كما الأشجارُ تورق الصُوَر؟
ما كل هذه التهيؤات يا شقيقة القمر؟
مجموعة من الشفاه تحتفي بها وترسل القُبل
قنينة من الكلام العذب كالينبوع تنفجر
حتى تجيئكِ النجوم من أعماقها السحيقة ، ارقصي!
حتى تحيطكِ الغيوم بالرذاذ الدافئ ، ارقصي!
حتى يلفكِ السنا والبرق والمحار والقناديل التي في القاع
واللآلئ الثمينة ، ارقصي!
حتى يحرك المصباح جفن النور صاعداً وهابطاً
وضاحكاً وباسماً مقهقهاً بأغلى نبضهِ ، ارقصي!
وهكذا هَــَّبتْ ، تضوعتْ ضجتْ كموسيقا الغجر
مدت يديها ثم ماجت، والتثني ناعمٌ ومنهمر
أهذه يدٌ؟ بل النبيذ في أعراقها انتحر
أهذه عينٌ؟ بل الخلود في ألحاظها شد الوتر
أهذه ضحكتها؟ من أفهم البلور رغم كل حيطة أن ينكسر؟
أهذه رجفتها؟ بل هكذا الأغصان تنتشي بنهضة السَّحر
أهذه انثناءة؟وعطفة وآهة؟ والفجر يصحو باسطاً ضياءه؟
توقفَتْ وعاتبته فاعتذر
أهذه عودتها إلى هدوئها المطعون بالنسيان والخجل
إلى سريرها تلقي جميل قدها
تلقي ورود الصحو عن ربيع خدها
تروح في تثاؤب تحصي نجوم السقف
كل ما في الهيكل النشوان قد غفل
وبعد غفلتين قد يأتي الصباح مثلما رحل
2-وكان يحبكِ
وكان يحبك حب العبادة
إن شئتِ قاد ظلالَ المجرات حتى يرفرفن حول الوسادة
إن شئتِ رقرقن مجرى الحليب إلى قمر في سماء السعادة
إن شئتِ يجمعٌ برق ينايرَ يمزجه بائتلاق القلادة
كان إذا ما خطرتِ يرى الأرض ضاحكة، والأماكن تياهة بكِ
تلقي إليكِ عبير الإشادة
ماذا تغير فيكَ وكحل بالملح تلك العذوبة؟
ماذا تبدل في الكون، قيَّد خطو النسيمات؟ شتت شمل الفراشات؟
كبل نبض الخصوبة؟
أصبح ردكِ ” لا” بعد أن كان مسترسلا
وصارت عيونك تبخل بالضحكات وتحجب وعياً ومستقبلا
كأن الغيوم تحوم وتملأ كل الفضاءات، ينقبض الصدر
تغمره العتماتُ ويلهث منقبضاً مثقلا
لقد… كان يهواكِ هذا الهوى
وكنتِ له الهدف الأمثلا
3- عندما تنام الجياد
حتى وإن نام الجواد يــنام وهو قائمُ
كي لا يدنس الرماد جنبيه وهو نائمُ
يا خيمة من الشممْ أوتادها القوائمُ
المجد ليس من عدمْ فتطمع السوائمُ
لو كان تلا لانهدمْ لكنها العزائـــمُ
يا قـــوةً جمــــيلةً
تصهل في انسيابها
قرأت في كــــــتابها قصائد الفتح الكبير
وألف ألف غــــزوة وهـــجمة بلا نظير
حتى إذا ما النور غاب حيث يشـــــرنق الظلامْ
جوادنا تحت الضباب والأرض ملأى بالرغامْ
ينام وهــــــــــو قائمُ
كي لا يدنس التراب
جنــبــــيه وهو نائمُ
4- استئذان
هل تسمحين يا سيدتي؟
أنا موظفٌ من هيئة الإحصاء
جئت لكي أعد الموج في عينيكِ
موج بلا ابتداء
موج بلا انتهاء
تبارك الذي يلخص الجمال فيهما
ويجزل العطاء
أنا موظف صغير
لا تقطعي عيشي
لا تنهري طيشي
إن قلتُ: هذا الموج في بحر السماء
أو قلت: إنه الضحك وإنه البكاء
لا تغلقي عينيكِ إن إنا ألقيت نفسي
كيف أعد هذا الموج كله بنفسي؟
موج له طعم المساء
موج له نداوة الندى
وصورة النجوم في لآلئ البكاء
دفء الحنين ها هنا أراه
سحر الفصول تاه في مداه
هل تسمحين لي برشفة من ذلك الصفاء؟
أنا يتيم ليس لي أهل ولا بلاد
أنا موظف صغير من موظفي التعداد
جئت لكي أعد الموج والزبَـد
ولا أحد
غيري مكلف بذلك الشقاء!
أنا الضعيف الواهن الأداء
أنا الغريق فوق الشط بالغ الإعياء
هل تسمحين لي؟