د/ نصار عبدالله
قليلون جدا هم الصحفيون الذين عرفتهم والذين أستطيع ـ وأنا مطمئن الضمير ـ أن أصف الواحد منهم بأنه محترم بكل معانى الكلمة !، لا أبالغ إذا قلت إنهم لا يتجاوزون أصابع اليدين وربما اليد الواحدة !! …صلاح الدين حافظ هو واحد من هؤلاء، بل هو بالقطع فى مقدمة هؤلاء ،…. أعتبر نفسى محظوظا إذ أتاح لى قدرى أن أعرفه وأن أعرف أن فى مصر رجالا مثله ، وأعتبر نفسى محظوظا أكثر أن انعقدت بيننا مودة ساعدت على تعميقها أسباب كثيرة أولها (وهو ما لا يعرفه عنه الكثيرون) أنه كان أديبا موهوبا وكاتبا متميزا للقصة القصيرة !!، ومن خلال هذا الجانب بالذات كانت بداية تعرفى بصلاح الدين حافظ حينما التقيت به أكثر من مرة فى ندوات الجمعية الأدبية المصرية التى كانت تنعقد فى ستينات القرن الماضى فى بدروم أحد المنازل بشارع قولة بعابدين ثم انتقلنا بعد ذلك إلى مكان أفضل فى شارع عرابى بالتوفيقية ، ….كان يغلب على أعضاء الجمعية بوجه عام إيمان قوى بأن مصر جزء لا يتجزأ من محيطها العربى ، واقتناع راسخ بأن قيام إطار وحدوى ما بين مكونات هذه الأمة هو حلم لا ينبغى لأى مصرى أو عربى أن يتنازل عنه باعتباره السبيل الوحيد لبقاء هذه الأمة إذا كنا نريدها أن تبقى ..وقد كانت هذه القناعة المشتركة عاملا آخر من العوامل التى قاربت ما بينى وما بين صلاح الدين حافظ ، غير أن هذا التوجه القومى العروبى كان واحدا من الأسباب التى جعلت الجمعية الأدبية المصرية تواجه أزمة طاحنة مع النظام السياسى الذى أعقب رحيل عبدالناصر والذى بدأت تتعاظم فيه التيارات التى تؤمن بأنه من الأجدى أن ينشغل كل قطر بمشاكله الخاصة وأن يحل تلك المشاكل منفردا كلما أمكن له ذلك !!، وقد وقف النظام السياسى إذ ذاك موقف التضييق الشديد على الجمعية ، فمنعت عنها إعانات وزارة الثقافة التى كانت تمنح لها بين الحين والحين!!، وقلصت فى الوقت ذاته إعانة وزارة الشئون الإجتماعية مما أعجز الجمعية عن سداد إيجار المقر على مدى شهور طويلة متوالية..وأصبحت بذلك عرضة للطرد لولا أن تدخل الفنان محمد الطوخى ، وعرض على صاحب العمارة وعلى مجلس إدارة الجمعية حلا وديا مؤداه أن يقوم هو بسداد قيمة الإيجار المتجمد فى مقابل أن يحرر له صاحب العمارة عقد إيجار جديد عن الشقة تمهيدا لضمها إلى ستوديو التسجيلات الصوتية الذى يملكه، كما عرض علينا أن تستمر الجمعية فى عقد ندواتها فى نفس مقرها على سبيل الضيافة من جانبه إلى أن تتمكن من تدبير مقر جديد لها!!، ..بعدها انتقلنا جميعا ومعنا صلاح الدين حافظ لكى نعقد ندواتنا فى مكتب صديقنا فاروق خورشيد بباب اللوق … كان صلاح الدين حافظ قد بدأ يطرق مجال التحليل السياسى مبرهنا من خلاله أن موهبته فى هذا المجال لا تقل بحال عن كبار المحللين السياسيين وأن اسمه يمكن أن يوضع جنبا إلى جنب مع أسماء مثل هيكل وأحمد بهاء الدين ومكرم محمد أحمد وسلامة أحمد سلامة وغيرهم من أصحاب الأقلام التى استطاعت أن تفرض نفسها على عقول نخبة القراء وعلى عامتهم أيضا … وفى نهاية السبعينات سافر صلاح الدين حافظ إلى قطر لكى يعمل مديرا لتحرير جريدة الراية … وقد استطاع أن يقنعنى يومها بأن أقوم بأول وآخر عمل صحفى قمت به فى حياتى ( بالمناسبة ..لا أعتبر كتابة المقال عملا صحفيا بالدرجة الأولى حتى وإن كان منشورا فى صحيفة ) …استطاع صلاح أن يقنعنى بأن أحاول إجراء عدد من الحوارات الصحفية مع عدد من رموز المعارضة المصرية وأقطابها ، وقد حدد لى أسماء معينة من بينها: فتحى رضوان، ممتاز نصار، حلمى مراد، إبراهيم شكرى ، محمود القاضى ..وغيرهم ، واستئذننى فى أن تنشر الراية الحوارات بدون وضع اسمى عليها ، وحينما سألته مندهشا ومستنكرا عن السبب ، أجابنى بأنه يستشعر شيئا ما يلوح فى الأفق، وأن نشر اسمى قد يسبب لى ضررا بليغا فى مجال عملى بالجامعة !! …وقد وافقته على رأيه وقمت بإجراء حوارين نشرا بالفعل ، كان أحدهما مع فتحى رضوان والآخر مع ممتاز نصار، ثم وقعت كارثة سبتمبر، أيلول الأسود 1981 وتم اعتقال عدد كبير من رموز المعارضة ، وفى نفس الوقت تم إقصاء عدد كبير من أساتذة الجامعة من مجال عملهم الجامعى …يالله ..كأنه بنظرته الثاقبة كان يقرأ المستقبل!!.. إنه لفضل من الله لا يؤتاه إلا القليلون، وقد كان رحمه الله واحدا من أولئك القليلين.