حوارات نيويورك حوارات أديان أم ماذا ..؟؟؟
…..من المعروف والبديهي أن من يشارك في حوارات الأديان،هم رجالات الدين والفقهاء وعلماء اللاهوت،ولا أظن أن هناك من يقف ضد هذه اللقاءات والحوارات اذا كان الهدف منها خلق حالة من التسامح والتواصل الثقافي والحضاري،وعلى قاعدة احترام العبادات والأديان لكل بني البشر،ولكن ما هو غريب ومريب في نفس الوقت،أن يتقاطر الى حضور هذا الحوار الذي رعته الأمم المتحدة ودعت اليه السعودية،زعماء أكثر من خمسين دولة وعلى رأسها قادة ما يسمى بمعسكر الاعتدال العربي،بالاضافة الى أقطاب الحكومة والدولة العبرية من “بيرس وتسيفي ليفني” وغيرهم،وهذا يكشف أن هناك أجندة أخرى غير أجندة الدين والتدين ونشر ثقافة المحبة والسلم والتسامح بين بني البشر،فالزعماء والعلماء الدينيين العرب الذين ذهبوا لهذه الحوارات،كان الأجدر بهم أن يقودوا حورات ولقاءات داخل البيت الاسلامي نفسه،حوارات بين السنة والشيعة،بدل أن يقودوا حملات تحريض وتشهير طائفية تؤجج وتشعل بذور الفتنة والطائفية في المجتمعات والدول الاسلامية،خدمة لأجندات وأهداف ومصالح خارجية،أما الزعماء العرب الذين تقاطروا لحضور هذه الحوارات،فهم يعرفون جيداً،أن هذه الحوارات هدفها وطابعها ليس ديني،بل سياسي بامتياز وخصوصاً أن ممثل الأمين العام للأمم المتحدة السيد تيري ريد لارسن،هو الذي أشرف على ترتيب هذه اللقاءات والحوارات،والجميع يعرف مواقفه المنحازة لاسرائيل،وهذا ما لمسناه وخبرناه فلسطينياً، أيام حصار الرئيس الفلسطيني الراحل القائد أبو عمار في المقاطعة برام الله،حيث شن حملة تحريض عليه،وقال أنه ليس رجل سلام بل يشجع ويرعى”الارهاب”، ولبنانياً في العدوان الاسرائيلي على لبنان/ تموز 2006 طالب لبنان وحكومته بالموافقة على شروط اسرائيل المذلة لوقف اطلاق النار.
والزعماء العرب الذين حضروا هناك،استمعوا لمواعظ وترانيم وتراتيل الحاخام”بيرس”،والذي في مواعظه صور اسرائيل على أنها دولة محبة وسلام وواحة ديمقراطية، لا تنتهك فيها حقوق الغير ولا تعتدي عليهم ولا تمارس بحقهم أي شكل من أشكال القتل “والارهاب”،والمشكلة ليست في اسرائيل ،بل في هؤلاء”القتلة والارهابين” من عرب وفلسطينيين والذين يرفضون السلام ويقفون ضد السلم والمصالحة وازدهار المنطقة وشعوبها،وطبعاً الحكام العرب يصغون الى هذه المواعظ،دون أي اعتراض أو حتى رفض لها،وهم يدركون ويعلمون أن هذه المواعظ ليس لها مكان من الصدق والصحة،”فبيرس” هذا يعرف جيداً أنه هو شخصياً وكل قادة حكومته دون استثناء موغلين في الدم العربي والفلسطيني من قمة روؤسهم وحتى أخمص أقدامهم،وهم يحرمون شعباً بأكمله من مستلزمات الحياة الأساسية من كهرباء ودواء ونفط وغذاء،وينتهكون يومياً حقوق الشعب الفلسطيني،عبر سلسلة طويلة ولا منتهية من اجراءات وممارسات قمعية واذلالية ،تطال الحجر والشجر قبل البشر.
ان حضورالسياسي الكثيف لهذه الحورات المغلفة بالطابع الديني، يجري استكمالاً لحوارات سابقة جرت في بريطانيا، والتي غلفت بغلاف أكاديمي حضرتها السعودية وأطراف فلسطينية وعربية،ولقاءات مماثلة عقدت في دبي ومدريد،وهذه اللقاءات والحوارات يجري فيها نقاش حول المبادرة العربية التي طرحتها السعودية،وتبنتها القمة العربية التي عقدت في بيروت عام/ 2002،والمعلومات التي يجري تسريبها عبر الصحافة ووسائل الاعلام أن البحث يجري في امكانية ايجاد حلول لقضايا حق العودة بعيداً عن القرار الدولي رقم 194،وبما يمكن من موافقة اسرائيل على هذه المبادرة،وليس هذا فقط،بل والعودة لمقترحات الرئيس الأمريكي السابق”بيل كلينتون” والخاصة بالقدس،الأحياء العربية من القدس الشرقية تحت السيادة الفلسطينية،والأحياء اليهودية تحت السيادة الاسرائيلية.
اذاً الهدف من هذه اللقاءات والحوارات عدا أنه سياسي بامتياز،فهو يهدف الى تطبيع العلاقات بين اسرائيل والدول العربية،أي التطبيع واقامة العلاقات مع اسرائيل سابق لموافقتها على المبادرة العربية وبالتعديلات التي تطلبها وتوافق عليها.
ومن المؤسف بل والمخجل حقاً أن يتداعى شيوخ وعلماء هذه الأمة لحضور هذه الحوارات واللقاءات،وماكنة القتل والة الدمار الاسرائيلية يفعلان فعلهما اليومي،من قتل ودمار وحصار بحق الشعب الفلسطيني،ويخرون سجداً وركوعاً لسماع “مواعيظ” أكاذيب وافتراءات”بيرس” عن المحبة والسلام والتسامح ،ودم
اء أطفال قانا اللبنانية وغيرها ما زالت يديه ملطخة بها.
ان مثل هذه اللقاءات توظفها اسرائيل وأمريكا لخدمة أهدافهما ومصالحهما،وهي تشكل غطاء وتفويضاً لاسرائيل للإستمرار في سياساتها العدوانية واحتلالها للأراضي العربية.
وهؤلاء القادة نفسهم وعلى رأسهم الملك السعودي صاحب المبادرة العربية،يعرفون جيداً ماذا كان الرد الاسرائيلي على هذه المبادرة،ففي الوقت الذي كانت فيه القيادات والزعامات العربية ،تقر المبادرة العربية في قمة بيروت/ 2002،كانت الدبابات الاسرائيلية وآلياتها وجرافاتها تهدم المقاطعة على رأس الرئيس الفلسطيني الراحل أبو عمار،ولم يحركوا ساكناً بل سكتوا سكوت اهل القبور،ونفس الشيء تكرر عندما أعادوا طرح تفعيل المبادرة في القمم العربية اللاحقة،كان الرد الاسرائيلي عليها،عدواناً على لبنان وحصاراً ظالماً مستمراً حتى اللحظة الراهنة على الشعب الفلسطيني،ورغم سلسلة التنازلات المستمرة والمتواصلة والتي تقدمها القيادات والزعامات العربية والفلسطينية،فاسرائيل لا على الصعيد الحكومي ولا على الصعيد المجتمعي جاهزة لتلبية استحقاقات العملية السلمية،حتى في الاستجابة للحدود الدنيا من الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني،وأي زعيم اسرائيلي سيوافق على اشتراطات ومتطلبات السلام،يدرك أنه ذاهب نحو الانتحار السياسي هو وما يمثل سياسياً وحزبياً،وفي اسرائيل لا يوجد من ينتحر سياسياً لصالح ومصلحة السلام،فها هو “باراك” يصادق على اقامة مشاريع استيطانية،حتى خلف جدار الفصل العنصري،والعقلية الاسرائيلية تحمل نفس الأهداف وان اختلفت في التفاصيل والتكتيكات،”وبيرس” نفسه ومن قبله”شامير وشارون ونتينياهو” قالوا بمفاوضة الفلسطينيين شريطة عدم اعطائهم شيئاً.
ومن هنا نرى أن هذه الحوارات واللقاءات المغلفة سواءاً دينيا أو أكاديمياً،لن تقربنا من تحقيق أهدافنا،بل ستكون هدفاً للتطبيع مع الاسرائيليين وغطاءً وتشجيعا لهم للاستمرار في عدوانهم واحتلالهم للأرض العربية.
راسم عبيدات
القدس- فلسطين
16/11/2008