لم تشكل الأرقام التي صدرت عن تقرير التنمية الإنسانية العربية للعام 2003، فيما يتعلق بضعف حركة الترجمة عربيا، صدمة في أوساط المترجمين الأردنيين والأكاديميين المعنيين.
وكان التقرير أشار حينها في إحدى فقراته إلى أن ما ترجمه العرب منذ عهد المأمون حتى اليوم لا يعادل ما تترجمه إسبانيا في عام واحد، والبرازيل في أربعة أعوام وإسرائيل في أقل من خمسة وعشرين عاما.
“حركة الترجمة العربية والمحلية تقف في الصفوف الخلفية قياسا مع الدول المدركة قيمتها”، يقول رئيس الرابطة الأردنية للمترجمين واللغويين التطبيقيين الدكتور سليمان العباس.
ويربط العباس بين “ضعف حركة الترجمة عربيا ومحليا”، مبرهنا على ذلك بالرقم الذي كان نائب عميد البحث العلمي في الجامعة الأردنية الدكتور أحمد المومني طرحه في الملتقى الدولي للترجمة العام المنصرم، عندما قال “عدد الكتب المترجمة في مختلف كليات الجامعة الأردنية منذ العام 1982 حتى 2005 بلغ أربعة وعشرين كتابا”.
وفي تبرير لما وصفه العباس بمؤتمرات الترجمة، التي لا تعدو توصياتها “حبرا على ورق”، تقول المترجمة وصاحبة دار المنى للنشر منى زريقات “يعد عامل غياب الدعم المادي رئيسيا في هذا القصور”.
توضح زريقات “تدعم الدول المقتدرة حركة الترجمة، كما تؤمّن للمترجمين دخلا كريما يضمن استمراريتهم”.
الأمر ذاته، يشير إليه مترجم العربي- إنجليزي- فرنسي الدكتور سامي الشريف، قائلا “ليست هنالك مخصصات مالية للترجمة، كما أن كثيرا من دور النشر لا تدفع للمترجم إلا بعد أن يُطبع الكتاب ويُوزّع”.
المترجم وصاحب دار أزمنة للنشر إلياس فركوح يتساءل “لماذا تُهدر الملايين على الظواهر الاحتفالية، فيما الترجمة تعاني غيابا في الدعم المالي؟”.
ويذهب فركوح إلى أنه “لا بد من وضع أولويات واستراتيجيات في الترجمة بناء على الإمكانيات المادية”، إذ يرصد أنه حتى في ضوء الإمكانيات الشحيحة “لا يوجد من يريد استغلالها من الأساس”.
العباس يرى أن “انعدام ثقافة القراءة هي السبب في ضعف حركة الترجمة”، ويوضح “إذ كيف لمن لا يحتفي بالقراءة من الأساس أن يحتفي بالكتاب المترجم؟”.
“للقراء أولويات حياتية أهم من قراءة الكتب المترجمة ومتابعتها”، يقول الشريف، فيما يفسر فركوح ذلك بـ”غياب الشأن الثقافي والتلاقح مع العالم”.
هذا العامل الجماهيري، بحسب زريقات، أثّر بشكل أو بآخر على نوعية الكتب المترجمة. تقول “منذ القدم، توارثنا إهمالا في ترجمة الكتب الأدبية مقابل الاهتمام نوعا ما بالكتب العلمية”. وتتساءل زريقات في هذا السياق “لماذا لم يترجم أسلافنا الإلياذة على سبيل المثال، في وقت ترجموا فيه كتبا عن الطب والفلك والجبر وغيرها؟”.
فيما يلحظ العباس أن المعيار المهيمن على نوعية الكتب المترجمة هو “التجاري البحت”، مردفا “السؤال الذي يتم طرحه عند انتقاء الكتاب الذي سيترجم هو: هل سيكون هنالك إقبال جماهيري عليه؟”.
بيد أن العباس يربط الترجمة بقضايا أخرى مهمة منها التعريب وضعف استخدام اللغة العربية أكاديميا، قائلا “برغم أن دساتير الدول العربية تنص جميعها على أن اللغة العربية هي الرسمية، إلا أن أحدا منها لا يعمل على اعتمادها أكاديميا”.
هذا الحال يقود إلى “عدم تعريب المصطلحات الطبية على سبيل المثال أو حتى ترجمة الكتب الطبية، التي ستكون تكلفة شرائها موازية إن لم تتعدّ تكلفة ترجمتها”، بحسب العباس.
ويقول العباس إنه لو تم اعتماد العربية لغة للتعليم والتعامل، فسينعكس ذلك على حركة الترجمة التي “ستحصد دخلا جيدا، إلى جانب إثراء حركة الترجمة ككل وإعادة ربط الجيل الناشئ من جديد باللغة العربية”.
تضيف زريقات إلى جانب العوامل الآنفة “غياب النقد والصحافة المعنية بالحديث عن الأعمال المترجمة”، والتي يتساءل العباس عنها، قائلا “من يدقق الترجمة وينقدها ويتأكد من صحتها؟”. يسوق مثالا على ذلك “تحفل ترجمة الأفلام على التلفاز بالأخطاء ليس فقط على صعيد المصطلحات بل وحتى الإملاء والنحو، كذلك يافطات المحال التي تختار ترجمة اسمها عن لغات أخرى”، ما يؤدي إلى “رسوخها في عقل المتلقي من غير تحري صحتها”.
وفي هذا الصدد يدعو العباس إلى تدخل وزارة الثقافة على صعيدين، أحدهما “التدقيق على الصحة اللغوية لليافطات التي لا تعنى وزارة التجارة إلا بضمان عدم تكرارها”، فيما الجانب الثاني يتمثل في “التدقيق على مكاتب الترجمة من حيث التأكد من وجود مترجم معتمد ومحلف للتدقيق على التراجم التي تصدر عن الآخرين”.
ويقترح العباس في هذا الصدد تدرجا معينا، قائلا “لا بد لوزارة الثقافة والعدل من التدخل في ضبط عملية الترجمة، من خلال اختيار مترجمين أكفاء وإخضاعهم لامتحانات عالية المستوى لغربلتهم والتأكد من كفاءتهم”.
ويضيف “ومن ثم إسباغ لقب مترجم معتمد على هؤلاء الصفوة، وتمكينهم من حلف اليمين في المحكمة مرة واحدة ليكونوا مترجمين محلفين، وليس كما هو حاصل حاليا من إلزام المترجم بالذهاب إلى المحكمة للحلف في كل مرة يريد ترجمة وثيقة مهمة”.
الشريف يقول أيضا في هذا الصدد “لا غرابة في تراجع مستوى الترجمة والمترجمين إن أقررنا بأن دخلاء كثر باتوا يغزون المهنة لمجرد أنهم دارسو أدب عربي أو إنجليزي على سبيل المثال بدلا من أن تكون المهنة حكرا على الأكفاء في الترجمة”.
النقطة ذاتها يشير إليها العباس، قائلا “كيف لنا أن نتوقع وجود مترجمين محترفين، بينما متوسط المعدل المطلوب لتخصص الترجمة هو 55% في الجامعات الأردنية؟”.
ويضيف “إلى جانب أن قسما كبيرا من الطلبة الذين يفشلون في تخصص الأدب الإنجليزي يهاجرون نحو تخصص الترجمة ظنا منهم أنه يتطلب قدرات أقل”، فتكون النتيجة “تجميع للطلبة الضغفاء بدلا من اصطفاء الأفضل”، بحسبه.
كما يدعو العباس إلى إعادة مهارات الترجمة إلى المناهج المدرسية كما في السابق، وهو ما يصفه بأنه كان “يضمن على الأقل وجود الحس الترجمي لدى الطلبة وليس كما يحدث الآن، إذ يبدأ الطلبة بهذه المهارات من الصفر عند دخولهم الجامعة”.
وتضيف زريقات إلى ما سبق “ضرورة تهيئة المترجم والمجتمع بأنه قد يكون مبدعا وليس ناقلا للنص فقط، إلى جانب ضرورة إحاطته علما بقوانين وقواعد الملكية الفكرية قبل أن يهم بترجمة أي كتاب”.
كما يدرج العباس المترجم الفوري ضمن أصناف المترجمين الواجب تأهيلهم، موضحا “في وقت يمارس فيه أي منا الترجمة الفورية أستذكر ما قاله مدير قسم الترجمة الفورية في مدرسة الترجمة في جنيف لي ذات مرة من أنهم يختارون ما نسبته عشرة بالألف فقط للترجمة الفورية”.
ويضع العباس عاملا آخر إلى جانب ما سبق وهو “عدم التماشي مع التكنولوجيا الحديثة بالنسبة للترجمة، فتكون النتيجة بقاءنا على نفس أدوات الترجمة القديمة بدلا من تطويرها كما في باقي العالم، بحجة محافظتنا على أصالة المنهج”.
ويدعو العباس وزريقات وفركوح والشريف إلى ضرورة دعم الترجمة والنهوض بها من خلال “منظومة أكاديمية ومهنية متكاملة”، ما قد يتطلب سنوات عدة من العمل الدؤوب للحاق بركبها عالميا.
ووفقا لتقرير التنمية الإنسانية العربية للعام 2003، فإنه خلال الفترة المتراوحة بين 1970 و2003 تمت ترجمة ما قرابته مليون ونصف كتاب كان نصيب العرب منها حوالي 8000 عنوان. كما يترجم العالم العربي كله سنويا حوالي 330 كتابا، أي بمعدل كتاب واحد لكل مليون عربي مقابل 519 كتابا في المجر و920 كتابا في إسبانيا لكل مليون، بحسب التقرير الآنف.
هذا ولم يتطرق قانون المطبوعات الأردني إلى الترجمة إلا بسطر ونصف عرّف فيها دار الترجمة بأنها التي تتولى أعمال الترجمة من لغة إلى أخرى بما في ذلك الترجمة الفورية. فيما لم يتطرق التقرير العربي للتنمية الثقافية الأول إلى الترجمة بأي شكل من الأشكال، مكتفيا باستعراض جوانب ثقافية أخرى كالإبداع الأدبي والمدونات والنشر.