عبد النبي حجازي
عُرِضت على شاشات السينما في دمشق خلال الستينات أفلام سينمائية أمريكية (ميلودرامية) مرحة كفيلم (حديث الوسادة) لروك هدسون ودوريس داي ، و(نزهة) (picnic) لوليم هولدن وكيم نوفاك ، و(البعض يفضلونها ساخنة) لمارلين مونرو وتوني كورتيس وجاك ليمون . موضوع هذا الفيلم أن (توني) و(جاك) موسيقيان لم يجدا عملاً إلا في فرقة موسيقية نسائية فاضطرا أن يرتديا ثياباً نسائية , ملخص الفيلم أن (توني) علم من (مارلين) ـ على أنه امرأة ـ أنها تحلم بضابط بحرية ، وفي إحدى الاستراحات ارتدى ثياب الضابط وأخذ يتقرب منها ، أما (جاك) وكان جالساً منفرداً فجاءه ضابط عجوز متقاعد جلس إلى جانبه وأخذ يغازله ، حاول (جاك) أن يفهمه بالتلميح أنه رجل مخافة أن يُفتضح أمره ويطرد من الفرقة فكشف له أولاً عن ساقه النحيلة الملأى بالشعر الكثيف فلم يتراجع الضابط …أخيراً ضاق به فأزاح جانباً من الشعر المستعار عن رأسه وقال له “أنا رجل” فأجابه الضابط بثقة دون أن يتراجع “الكمال لله وحده”
تذكرتُ هذا الفيلم وأنا أقرأ بعض الردود والتعليقات التي وردتني عبر البريد الإلكتروني حول مقالتيّ الأولى “هل كان نجاح باراك أوباما مفاجأة؟” والثانية “المحاولة الخامسة لتعديل القرآن” ومن كان يوافقني الرأي فإنه يعبر عن اليأس من الوضع العربي ويندد به ويتبرم .. لكن مالفت نظري هو رسالة ترى أنني أخطأت خطأ شنيعاً فإن (حسين) هو اسم الرئيس الأمريكي المنتخب وليس اسم أبيه ، ولستُ أدري من أين جاءته هذه الهداية رغم أن مقالتي موثقة ، أَوَتُراه ينتظر من أوباما أن يرفع حيف دبليوبوش عن المسلمين ، ويحرر فلسطين؟
وكان الآخر تعقيباً حاداً من أحد (المعتدلين) على موضوع (حوار الأديان) الذي بيّنتُ أن انعقاده ليس سوى هدية تقدم إلى (دبليوبوش) لإنقاذ سمعته في أخريات أيامه ، وفحوى التعقيب أن الصلح سيد الأحكام , وذكرني بآيات تدعو إلى التسامح ولكن مع من؟ مع إسرائيل وماتفعله الآن في غزة وما ارتكبته من مذابح جماعية في فلسطين ولبنان!؟ ومع بوش الذي دمر العراق وأفغانستان ، ويرى المعقب جازماً أن ما يطالب به بوش الغاية منه هي الدعوة إلى (السلام!) ومحاربة الإرهاب بكل الوسائل ويرى أنها دعوة حقة صادقة وكلنا يعرف أن ماطلبه بوش والمحافظون الجدد على الملأ منذ سنوات من الدول العربية (المعتدلة) هو حذف كل ما يدلّ على عداوة اليهود وكل مايدعو إلى الجهاد في سبيل الله , أَوَليس هذا طعنة خطيرة تصوّب إلى دستور المسلمين؟ وهل يعدّ مثل هذا الموضوع خلافاً في الرأي كوجوب النية قبل الغسل بين الشافعية والأحناف ؟
بعد أحداث الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) 2001 الوحشية المؤلمة بدل أن يفكر (دبليوبوش) في أسبابها فَقَدَ رشده وقرر الانتقام بمنتهى الوحشية وعبأ الكثير من دول العالم لتلتفّ حوله ، وألقى على العراق من قنابل اليورانيوم المخصب الممنوعة بالأسلحة المتطورة أضعاف القنبلة الذرية التي ألقيت على اليابان ، أضف إلى ذلك التلوث البيئي وآثاره الخطيرة على الإنسان والحيوان والنبات في العراق والمناطق المجاورة .
ورغم أنه بتصرفاته الحمقاء كان السبب الرئيس في إيقاع العالم بالأزمات المالية فإنه لم يكن الخازوق الأمريكي الوحيد فقبله هاري ترومان (1945ـ 1953) أمر بإلقاء القنبلتين الذريتين على هيروشيما وناغازاكي في اليابان يومي (7ـ9) آب (أوغسطس) عام 1945, وليندن جونسون (1963ـ 1969) دمّر فييتنام فوصمه مفكرو العالم بلقب (مجرم حرب) وجورج بوش (الأب) شن عاصفة الصحراء على العراق عام 1991, ثم أحكم عليه الحصار لمدة عشر سنوات فمات الآلاف مرضاً وجوعاً . والآن تعقد الآمال على الرئيس المنتخب باراك أوباما عسى أن يصلح ما أفسده الدهر فهل تصحّ النبوءات ؟
أنا لا أماري في أن أمريكا بعد سقوط الاتحاد السوفياتي أصبحت قمة القمم في (الحضارة) و(الثراء) و(القوة العسكرية التقليدية والنووية) و(الديموقراطية الدستورية) و(الأنانية) وتحكم (الشركات الكبرى) بالأمن والسياسة والإعلام ، والسيطرة على هيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن , وأن دستورها يمنح الرئيس صلاحيات واسعة فهو القائد الأعلى للجيش والقوات المسلحة ، وهو المسؤول عن العلاقات الخارجية . ولا أماري في أن محاربتها جنون لكن العار على من يرتمي في أحضانها ليكون عوناً لها على أبناء قومه ودينه .