حاورها: بسام الطعان
كاتبة فلسطينية شابة، من مواليد 1986 ، تدرس الصحافة والإعلام كلية غور الأردن – إحدى فروع جامعة بار ايلان ،عملت كمراسلة لشؤؤن عرب 48 لجريدة الأخبار المغربية وأيضا عملت كمذيعة لبرنامج ليلي في إذاعة الشمس الوطنية وكمعدة للتقارير الصحفية الأسبوعية ، في بداية دراستها لهوايتها الطرب الأصيل ،تكتب القصة القصيرة والمقالات الأسبوعية بالعديد من الصحف والمواقع العربية والمحلية وهي بصدد إصدار مجموعتها القصصية الأولى رغم ما يثار حولها من زوابع وأعاصير ، فهي تعتبر كاتبة جميلة ومتمردة على كل الموروثان الثقافية والتقاليد العربية وتعمل على إصدار كاسيتها الغنائي الأول وكتابها أيضا، وبرنامجها التلفزيوني الفريد من نوعه والذي ستبثه على احد المواقع الالكترونية بعد رأس السنة الجديدة، تعرف بالذكاء والعفوية والنضوج الفكري وخفة الدم !
ـ كيف جئت إلى عالم الكتابة وكيف ترينه؟
* بصراحة، لستُ أنا من جاء إلى عالم الكتابة بل الحقيقة هي أن الكتابة هي من جاءت إلى بل واحتلتني أيضا ، ولكن حدث ذلك صدفة حينما كنت اشرد منذ صغري وأتأمل كثيرا فأبدأ الكتابة أثناء الدروس والحصص المدرسية، غير أن الألم الذي استبد بي بعد وفاة جدي الذي رباني ورعاني في صغري ، كان الدافع الأقوى قبل سنوات لأُعمق تجربتي أكثر فأكثر ، أما فكيف أراه..فهو بالنسبة لي حضن دافئ …لحظات تحرير الألم…مسرح جريمتي وملجأي الآمن الوحيد بنفس الوقت ، ولا أرى الكتابة سوى محاولة لجعل العالم أجمل…محاولات للتغيير ، وما الكتابة بنظري سوى استمرارية للإنسانية والحضارة البشرية ، وأخشى على العالم إذا ما فقد إنسانه القدرة على الكتابة أو التخيل حتى !!
ـ من يقرأ كتاباتك يعيش التمرد والحزن ، وبسرعة يتساءل لماذا هذه الكاتبة متمردة وحزينة؟
* هذا جيد ان من يقرأني يستطيع أن يعيش حالة التمرد ، يسعدني ان لدي القدرة على أحياء حالة الهيجان والتمرد بالنص واعتقد ان حالة التمرد التي تتحدث عنها لدي تستمد نبضها من واقع حياتي فأنا بطبعي وبحياتي العادية ارفض ” الموجود والموروث والمسلمات ومعدات الخدر ” ، لا أؤمن بالقيود ،وربما أتعرض دائما للمضايقات والملاحقات وحتى النقد أحيانا بسبب هذا التمرد ، غير أني راضية ولا آبه كثيرا ، فلكل إنسان الحق باختيار نمط حياته ، وكل كاتب يملك حريته المطلقة بفكره ونصه على حد سواء ، أما عن الحزن ، فأنا أحاول دوماً إخفاء ذلك بصراحة ، ولكني أجد أن حساسيتي البالغة ومشاعري تفوقان مشاعر أي إنسان قد صادفته حتى الآن ، لذا فانا احزن حتى لذبول الوردة في الشتاء ، وعلى ما يبدو فاضطهاد بلدي لي بسبب أفكاري المتمردة ومحاولات الإيذاء الكثيرة قد ولدت عندي نوع من الحزن الداخلي العميق ، وطبعا لا استثني بعض التجارب الشخصية الصعبة التي مررت بها رغم صغر سني نسبيا ، ثم كيف تريدني أن افرح يا عزيزي؟ والحزن ينخر حتى برغيف الخبز الفلسطيني وكيف سنفرح وهنالك مئات المظلومين والجرحى والأسرى والقتلى من حولنا ؟
ـ ما الذي يمنحك الحافز لإنجاز نص جديد؟
* هنالك عدة حوافز ، وقد استمد إيحائي أو إلهامي حتى من مجرد لحن عابر ، والغريب بالأمر أن لحظة الكتابة هي كلحظة ولادة الطفل والذي ترافقه الآلام والآمال معا ، فهي لحظة لا نستطيع إيقافها وكأن هنالك بركان شعوري فكري لن يهدأ قبل ان ينفجر فوق الأوراق ، وكل شيء من حولي بمثابة حافز ، ولكن وعلى ما يبدو فان الألم هو أقوى الحوافز والدوافع لانجاز نص ما لدي ، فإذا لم أتعذب أو حتى ابكي فلا اكتب !
ـ ما هي أمنياتك وأهدافك وما أهم قناعاتك التي تدافعين وتكتبين عنها ؟
* هنالك العديد من الأهداف والأماني التي أحاول أن أحققها من خلال الكتابة ، فانا اطرح كل ما أؤمن به خاصة على الصعيد الشبابي فقد بتنا نرى وللأسف ان شبابنا رغم اعلمه ودخوله الجامعات لهو شباب لاهٍ ، ضائع وتهمه الصورة والقشور ، فنجده يولي مبتعداً عن الثقافة وكأنها شيء هامشي ، أنا أحاول زرع روح النهضة والتحرر وردم العديد من عاداتنا وتقاليدنا البائسة خاصة تلك التي تخص المرأة ..
أحاول أن أنادي بأعلى صوتي بالابتعاد عن الطائفية خاصة أن أعداءنا يتلذذون بشوينا باللحظة التي نختلف بها ، وبصراحة يهمني جدا نشر أسس الأممية والابتعاد عن الأطر الدينية التي تقيد حريتنا كبشر ، وهذا كله بالإضافة إلى إلقاء الضوء على العديد من مشاكلنا الاجتماعية ، الفكرية والسياسية التي لا بد ان نفكر بها جدياً اكثر من أي وقت مضى …
ـ هل تستطيع الكتابة ان تفعل شيئاً في ظل الظلم والحصار والقتال المجاني ، أم أن هذا ليس دورها؟
* انه دور ها بعينه ، فباستطاعة الأدب حمل القضية
على أكتافه سنينا دون أن يتعب ، فالكتابة قادرة على فضح جرائم وأحداث لم تفضحها الصورة بعد ، وصحيح أن هنالك سلسلة من المشاكل التي قد ترافق الكتابة ، إلا إننا لا نستطيع تجاهل أن التطور التكنولوجي والإنترنت…قد سهل الأمر على الأدباء ، للكتابة دور كبير في توثيق الأحداث والجرائم على مدى الأيام ولكن دورها الأكبر يكمن بزرع الأمل في النفوس وإيصال الصوت المظلوم لكل من لم يسمع بهمه بعد !
على أكتافه سنينا دون أن يتعب ، فالكتابة قادرة على فضح جرائم وأحداث لم تفضحها الصورة بعد ، وصحيح أن هنالك سلسلة من المشاكل التي قد ترافق الكتابة ، إلا إننا لا نستطيع تجاهل أن التطور التكنولوجي والإنترنت…قد سهل الأمر على الأدباء ، للكتابة دور كبير في توثيق الأحداث والجرائم على مدى الأيام ولكن دورها الأكبر يكمن بزرع الأمل في النفوس وإيصال الصوت المظلوم لكل من لم يسمع بهمه بعد !
ـ الأديب هو حنجرة الحقيقة والعصر ، وأية عزلة عن مصادر إلهامه تؤدي بموهبته إلى العقم ، لهذا لا يمكن للكاتب إلا يعي مشاكل مجتمعه الاجتماعية والسياسية ، ماذا تقولين في ذلك؟
* هذا صحيح فالأدب هو مرآة عصره ، والصعوبة لدى الأدباء تكمن بمواكبة كل ما هو جديد على الساحة ، والأصعب من ذلك هو ان يكون له خط وأسلوب يميزه وحده ، لذا فالقراءة والمواكبة مهمة جدا ، ولكن الأهم أيضا هو ان يستطيع الأديب دوما المحافظة على إشباع حياته الروحية ، وان يكون حر بحياته وكتاباته على حد سواء ، فالموهبة وحدها لا تكفي لبلوغ الهدف وإيصال الفكرة ، فالموهبة بحاجة إلى صقل ومتابعة !
وإذا لم يكن الأديب قادرا على فهم مشاكل مجتمعه بحذافيرها وقادرا أيضا على عرضها وإيصاله للناس فكيف سيصدقه القارئ ويشعر بمرارة حبره؟
ـ كيف ترين واقع القصة القصيرة في فلسطين؟ افقها؟ ومدى ملائمتها لحركة الحياة العاصفة؟
* القصة القصيرة في فلسطين مرت بالعديد من التغييرات ، فقصة سميرة عزام تختلف عن نجاتي صدقي والأسلوب يختلف عن غسان كنفاني لكن واقع الحال واحد ، فكلنا يعلم أن فلسطين تأثرت دوما بالمشاكل السياسية عامة والاقتصادية خاصة ، وواقع حالها جيد نسبة إلى وضع القصة في باقي البلاد العربية ، فرغم كل شيء استطاعت القصة لدينا بالخروج بعض الشيء من عباءة الحاكم ، وشتمت المحتل في عقر داره ، لكن بالمقابل تحتاج القصة الفلسطينية اليوم لنوع من الإثارة والتحرير والخصوصية.
ـ كيف تفهمين القصة القصيرة وما هي شروطها لتكون ناجحة؟
* أنا أجد أن القصة القصيرة عبارة عن موقف حياتي قد يكون متخيلاً وقد يكون واقعيا اثر بنفس الكاتب فصاغه على شكل قصة كثيفة المعاني ومقتصدة اللفظ ، لكن أهم شروط نجاحها حسب رأيي هو صدق اللغة والوصف الدقيق للإيحاء والحدث مما يعطي انسيابية المعاني والسرد .
ـ ما المطلوب من المرأة الفلسطينية كمبدعة وسط ما يجري ، وهل من ظلم يلحقها كمبدعة؟
* المرأة الفلسطينية المبدعة مناضلة من الدرجة الأولى ، فهي الأم والزوجة والأخت والحبيبة معاً ، والمبدعة مطالبة باستيعاب الجرائم اليومية ، مطالبة بالاتحاد مع ضميرها ومع أبناء شعبها مطالبة بنقل الصورة كما هي ، أي أن مصاعبها تكمن بفهم العام وشرحه ثم التطرق إلى الخصوصيات وهذا ليس بالأمر السهل ، فالظلم الذي يلحق بها أنها مضطرة بالتضامن مع الألم قبل أن تفكر بالكتابة عن ذاتها وأفكارها وأحلامها !
ـ فلسطين كوطن بزمانه ومكانه ، ما حجمه بكتاباتك الإبداعية؟
* أولا فلسطين حاضرة في دمي وقلبي دوماً ، وهي تنبض في أرواحنا ، لكني ابنة الجليل ووضعنا كعرب 48 ..عرب الداخل هو وضع معقد وصعب للغاية فبه نتنازع على الولاء لشعبنا من جهة وعلى هويتنا العربية من جهة أخرى بالإضافة إلى دفاعنا عن حقوقنا كأقلية في ظل دولة يهودية وأحاول أن اشمل كل هذه الأمور من خلال كتاباتي خاصة بقصصي ومقالاتي الأسبوعية في جريدة ” كل العرب ” ومواقع الصحف المختلفة ، فقد كتبت عن المخيم والطفل الفلسطيني ومشاكل الفتاة الفلسطينية المعاصرة ، واعتبر نفسي لم اكتب شيئا بعد ، فانا بصدد طباعة اول مجموعة قصصية خلال هذه السنة.
ـ كامرأة مبدعة ، هل مسموح لك الاقتراب من الثالوث المحرم ، ام ان الرقيب والمجتمع لا يسمحان بذلك ؟
* أولا من أهم معاني الإبداع هو حرية الفكر ، فإذا لم يكن الكاتب شجاعا ومتمردا خصوصا الفتاة فلا حاجة لان تكتب فإما أن تعبر وأما لا ، أما عن ثالوثك المحرم دين- جنس- سياسة فللأسف نحن شعب نثلث ونربع ونسدس أيضا لكن سؤالي بسيط ، من هذا الذي حرم الكتابة بهذه الأطر؟ وما مصلحته؟ أنا اكتب كل ما يهمني ويشغل فكري أن كان في الدين أو الجنس أو غيره وللقارئ حرية القبول أو النقد ، لكن السلطة الوحيدة التي أفكر بها عندما اكتب هي ضميري ولا شيء سوى ذلك !
ـ كلمة أخيرة :
* أشكرك كثيرا على هذا الحوار وأتمنى أن نبقى على تواصل دائم مع كل أخوتنا في العالم العربي ولا أتمنى من الله سوى إحلال السلام على كل أنحاء وطننا العربي وخاصة الفلسطيني.