بقلم ميساء البشيتي
لوحت له بيدها راحلة ، منذ اليوم سنفترق يا مركبي ، سأتحرر منك ، سأتخلص منك ، لم أعد أسيرتك الآن ، لم أعد عروس البحر على هودجك المائي هذا ، سأبدد كل الخوف الذي استوطن في أعماقي وسألقي بنفسي في عرض البحر، سأعانق هذا الموج المتدفق بهاتين الذراعين الصغيرتين وستقبع أنت هنا ، وحدك في هذا الركن الجميل من الشاطئ .
اندفعت بكل انسيابية نحو البحر وأخذت تداعب أمواجه المتلاطمة برفق ، تضمها إلى صدرها تارة وتفرُّ من بين أحضانها تارة أخرى ، كانت الفرحة تدغدغ قلبها اليافع ، وكانت النشوة تملأ رئتيها حبورا ً وسعادة ، تقفز في الماء ، تتلوى بغنج عذري ، تغطس حتى تكاد تختفي ثم تظهر كأشعة الشمس وهي تنشر دفئها عبر تلك الخيوط الأرجوانية ، وتلوح لمركبها في زهو وخيلاء ولسان حالها يقول له : أنظر كم أصبحت جميلة بعد أن تحررت منك ومن قيودك الماسية ومن نظرات عينيك التي كانت لا تبرحني ، أنا الآن حرّة ، طليقة .. وتخفي ضحكتها التي تضيء وجهها السابح في قطرات الماء المالحة .
لم تعد تفارق البحر ، سكنت به وأصبحت تصول وتجول في عرضه لا يستوقفها موج هادر ولا تثنيها رياح مزمجرة ، إلى أن كان يوم ثار فيه البحر معلنا ً عصيانه وغضبه ، ثار على كل من فيه وقذف بموجه إلى كبد السماء وقذف بجسدها الغض الطري إلى طرف قصي من الشاطئ .
أخذت تنادي على مركبها ، على هودجها ، تلوح له بيدها ، تتوسله أن يهُبَّ لنجدتها ، للعودة بها ، لكنَّ محاولاتها ذهبت أدراج الريح فهو على طرف آخر من الشاطيء ولن يتمكن حتى من رؤيتها .
واستسلمت من جديد لخوف اخترق أعماقها وتغلغل في روحها إلى أن رأت مركبها يوما ً يمخض عباب البحر فهرولت إليه مسرعة وأخذت تلوح له بيدها وعندما اقترب منها وجدت على هودجه عروس بحر أخرى .
ميساء البشيتي
البحرين