د. أحمد ثابت
استاذ العلوم السياسية – جامعة القاهرة
حسنا فعلت المنظمة العربية لحقوق الإنسان عندما ذكرت في بيانها الصحفي في يوم السبت 15 نوفمبر 2008 أنها تدرس إمكانية ملاحقة المسئولين المصريين والإسرائيليين عن حصار غزة قضائيا، ورغم أن هذا التحرك جاء متأخرا كثيرا فقد سبقه الكثير من المطالب والتحركات الشعبية العربية وقوافل الإغاثة الإنسانية لكسر الحصار الهمجي غير الإنساني وغير الأخلاقي الذي يفرضه الجانب المصري في تواطؤ واضح مع الجانب الإسرائيلي. وإذا كانت مسئولية الجانب الإسرائيلي والاحتلال الإسرائيلي المسيطر علي مختلف مداخل غزة ومعابرها بين غزة والبحر الأحمر والضفة الغربية الفلسطينية واضحة وصارخة في ارتكاب جرائم ضد الإنسانية والعقاب الجماعي.
فمسئولية النظام المصري عن استمرار كارثة حصار غزة تحتاج لتوضيح، فالنظام المصري يكاد يكون أغلق الحدود تماما بين مصر وغزة ولم يلتفت أبدا لمناشدات ومطالب شعبية وغير حكومية له بفك الحصار المفروض من جانبه علي غزة ولم يسمح مطلقا بدخول قوافل الشحنات الغذائية ومن الأدوية والمستلزمات الطبية إلي غزة تذرعا بأن فتح معبر رفح سوف يكرر من جديد دخول أعداد كبيرة من فلسطينيي غزة إلي سيناء وبقية محافظات مصر، وإلي اندساس عناصر مسلحة و”إرهابية” لا تريد الاستقرار لمصر وتنتهك سيادة مصر علي أراضيها إلي آخر هذه الاسطوانة المشروخة التي تنكسر بسرعة ويتضح كذبها وخيبة منطقها مع مقارنة استئساد النظام المصري تجاه مدنيين عزل يحيون حياة بشعة غير آدمية بسبب الحصار الصهيوني.
بالطبع هناك اعتبارات مهمة خاصة بحق السلطات المصرية في مراقبة حدودها مع غزة وفحص بيانات الداخلين إليها من أهلينا في غزة، لكن الكارثة هي في إقدام النظام المصري علي بناء سور مكهرب ومن الأسلاك الشائكة بطول الحدود وبمراقبة وإشراف وزيارة كل من السفيرين الأمريكي والإسرائيلي بالقاهرة لمواقع تشييد السور. والكارثة أيضا في عجز الرئيس الأخ مبارك عن تنفيذ ما سبق أن وعد به عندما رفض سحب السفير المصري في تل أبيب لأجل غير محدد أو عقاب إسرائيل في ظل شارون الإرهابي علي مجازره ووحشيته ضد الشعب الفلسطيني في غزة. حيث وعد بأن استمرر العلاقات والاتصالات مع إسرائيل يمكنه من إقناع إسرائيل بتحقيق بعض مطالب الفلسطينيين. بل لم يبادر هذا النظام ورئيسه حتى من منطلق دور مصر الإقليمي الثقيل جدا جدا كما يزعم مسئولو هذا النظام ووزنها التاريخي والمعاصر فوق الثقيل جدا جدا!! وليس دورها العربي والقومي الرائد – إلي ربط غزة مع شبكة الكهرباء المصرية أو إمداد غزة بجزء يسير من الغاز المصري الذي يصدر لإسرائيل علنا وبصفاقة منقطعة النظير أو إدخال شاحنات وقود مصرية متبرع بها من جهات شعبية وحركات جماهيرية.
من هنا تأتي أهمية خطوة المنظمة العربية لحقوق الإنسان في ملاحقة مسئولين مصريين وإسرائيليين عن جرائم حصار غزة قضائيا، وربما وحتى لا تتعرض المنظمة لضغوط مصرية رسمية أو دولية أو حتى لا تتأثر بهذه الضغوط يكون من المهم أن تبادر المنظمة العربية بالاتصال باتحاد الجمعيات الأهلية المصرية الذي تشكل أخيرا وبمنظمة العفو الدولية ومنظمات الإغاثة الإنسانية ونشطاء حقوق الإنسان ممن كسروا الحصار رمزيا بالذهاب لغزة مرتين. بحيث يتشكل ائتلاف حقوق إنسان يلاحق هؤلاء المسئولين أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة أو المحكمة الجنائية الدولية.
كما تتضح مسئولية الحكم المصري والحكومة الإسرائيلية عن تعجيز وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) عن مواصلة مهامها الإنسانية مما جعلها تضطر لقطع المساعدات الغذائية عن نصف سكان غزة البالغ عددهم مليون نصف المليون، بسبب نفاد المواد الغذائية من مخازنها في القطاع المحاصر، ومن هنا ضرورة التدخل الحاسم شعبيا بتلك الخطوة حتى لا تتحول المأساة إلي كارثة إنسانية مستمرة.