أ.د. كاظم عبد الحسين عباس
أكاديمي عراقي
ليس ننطق عن هوى حين نقر بحقيقة مفادها ان اوباما يمتلك مفاتيح غير تلك التي مزقت جيوب بوش الصغير وصقور الصهيونية الجمهوريين اليمينيين المتطرفين. واهم مفتاح يملكه الرئيس المنتخب لكارثة احتلال العراق يجعل المنطق ان نفترض انه يمكن بل وسوف يتصرف بطريقة مختلفة, من خلال موقفه المبدئي الثابت المتمثل برفض فكرة الغزو والاحتلال اصلا، وباستمراره بموقفه المضاد للغزو وكل وقائعه خلال سنوات الاحتلال البغيض.
لاوباما صلة مميزة بقضية احتلال العراق قبل وقوعها وبعد الاحتلال واثناء الدعاية الانتخابية الشرسة التي تواصلت لاكثر من سنتين تجعلنا نضع, ليس من باب الاحتمال الاستقرائي المجرد، بل من باب اليقين بانه حين دخل حلبة الصراع الرئاسي قد انتقى الموقف والاسلوب والطريق الذي يجعل من الشأن العراقي احد مقومات الفوز. ومقومات الفوز هنا ليست فقط عامل اصوات الناخبين الامريكان، بل ومعه ومضاف له جزء المؤسسة الامريكية المتحكمة بالقرار الواقع فوق صلاحيات وقدرات الرئيس .. تلك الطبقة التي يراها البعض بانها هي المتحكم بالقرار رغم ان البعض يريد ان يقول لنا ان اوباما قد فاز وكأنه معزول عن هذه الطبقة او طارئ عليها وفي هذا على ما نظن مجافاة لبعض مسلمات السياسة الامريكية.
اليقين ان اوباما قد تعكز هو واتباعه من الديمقراطيين ومن معهم في حلقات الكارتل المتحكم والمتمثل بالمؤسسات الامريكية على الشأن العراقي ليس فقط من باب الاحتمالات التي وضعوها لموقفهم الرافض اصلا بل انهم قد اضافوا اليها ثقلا اضخم وأهم هو النتائج الكارثية التي انتهى اليها الغزو والاحتلال واعطتهم مصداقية وحسن رؤى في عيون كل الامريكان بكل طبقاتهم ودرجات تأثيرهم. ويمكننا ان نزعم ان تحرر الرجل وجل اعضاء حزبه من اثم الغزو والاحتلال وتحرره من قيود التورط الغاشم قد اعطته ثقلا استثنائيا اخترق به كل الاستثناءات والتوقعات وكان مداد الحبر الذي كتب اسمه في اضخم فارق انتخابي قد عرفته سجلات الديمقراطية الانتخابية الامريكية.
وقبل ان نذهب ابعد, لابد ان نؤكد بما لا يدنى اليه الشك ان من يراهنون او يحللون اوباما على اساس الاصل العرقي ولون البشرة وربما اصل ديني انحدر من احدى زواياه بمعزل عن كونه اميركيا اولا واخيرا وبكونه جزء لا يتجزأ من آلة القرار, ربما في شقها الثاني المقابل لفريق الصقور الصهاينة, يخطئون أيما خطأ. ان اوباما انتخب لانه امريكي ولانه نموذج للحلم الامريكي ولانه فرصة لخروج اميركا من المحنة الكبرى التي وضعها بها الصقور اليمينيين المتصهينين والتي يتلخص وجهاها الاوضح والاكثر بروزا بالكارثة الاقتصادية التي هزت ولا زالت تهز الامبراطورية الامريكية برمتها وفاجعة اميركا في العراق, من غير ان نغفل ترابطا عضويا من البلادة لأحد ان يدّعي فصل الوجهين عن بعضهما لان مثل هذا الفصل هو اتجاه الي لا يمتلك الوقود الكافي للصمود للحظات حلم خاطف يراد منه استغفالنا او استغفال جهات اخرى سوانا.
ان مسالة الربط بين الكارثة الاقتصادية, التي يرى البعض انها مؤامرة دبرها بوش والصقور ونحن نرى انها كارثة حقيقية بكل معاني الكارثة حتى لو اريد الايحاء بكونها مؤامرة لانقاذ شيئا من ماء وجه المجرمين, لا يمكن النظر اليها وتحليلها في الوول ستريت المجرد لوحده، بل ان المنطق وواقع الاحداث يقتضي ان تزج بغداد واجنحة العراق المقاتلة في اتونها. وهنا تكمن خصوصية قوة الاجراءات والقرارات التي ستتخذها ادارة الرئيس الجديد اوباما .. تحت لافتة اصيلة تقرأ بان الرجل مجبر غير مخيّر. واميركا كلها مجبرة غير مخيّره. وان بقاء غيتس على رأس البنتاغون لن يكون عائقا كبيرا امام تنفيذ برامج اوباما وادارته في البحث الجدي عن قنوات انفراج في فاجعة اميركا بالعراق، تعاون اميركا على معالجة الكارثة الاقتصادية التي كان الغزو للعراق احد اهم اركان حصولها.
ان العقدة الاساسية التي بوسعنا ان نزعم انها ستكون جوهر التصرف القادم هي ان الغزو لم يحقق الاستثمار المناسب والذي كان يتوقعه من احتلال العراق. والمعادلة تشير الى ان الوارد من خطة الاستثمار هذه لا زالت اقل بكثير من اموال الناخب الامريكي التي ادخلت كاستثمار في ماكنة الغزو والاحتلال. ان هزالة مخرجات الغزو مقارنة مع مدخلاته المادية والاقتصادية اضافة الى الخسائر البشرية الضخمة الواقعة تماما خارج افق التقديرات المعلنة سلفا وانكشاف وفضح زيف المسوغات التي ساقتها الادارة الامريك
ية المجرمة وخدعت بها من استطاعت من دول العالم اضافة الى من خدعتهم من الامريكان كلها عوامل تضع الادارة الجديدة ومن منطلق العمل لانقاذ اميركا الى جانب القدر المتوقع من مصداقية اوباما في التزاماته الانتخابية امام خيار التصرف في العراق بطريقة مغايرة بهذا الاسلوب او ذاك.
ية المجرمة وخدعت بها من استطاعت من دول العالم اضافة الى من خدعتهم من الامريكان كلها عوامل تضع الادارة الجديدة ومن منطلق العمل لانقاذ اميركا الى جانب القدر المتوقع من مصداقية اوباما في التزاماته الانتخابية امام خيار التصرف في العراق بطريقة مغايرة بهذا الاسلوب او ذاك.
هل سيتصرف اوباما بمعزل عن صنّاع القرار المعلنين او القابعين خلف ستار المشهد ممن يطلق عليهم لوبيات القرار؟؟ هل سيتخذ اوباما قرارات وفق ما نتمنى نحن خارج مصلحة اميركا؟؟ هل سينسحب اوباما من العراق بطريقة تسقط ماء وجه اميركا؟؟
الجواب قطعا لا … لان اوباما هو رئيس امريكا ولانه يمثل ارادة الشعب الامريكي ولانه يريد ان ينجح شخصيا وكممثل لحزب … ومن البلادة ان يدّعي احد ان اوباما سيتصرف وفقا لما نتمناه نحن.
لكن …. هل يستطيع اوباما ومن معه ان يسقطوا من حساباتهم ان الارض العراقية تبتلع الحلم الامريكي وتضع الفيل الاقتصادي الامريكي في نفق التحول الى فأرة؟ الجواب ايضا لا .
اذن .. احتمالية تنفيذ موقف امريكي جديد في العراق مختلف ليس خيالا ولا محض امنيات .. انها احتمالية واقعية بكل مقومات الواقعية وامر مفروغ منه. ولن يكون التصرف الامريكي الجديد المتوقع لا غريبا ولا شاذا، وليس خارج ارادة ورؤى اللوبيات السياسية والاقتصادية التي يرى الكثيرون انها قد تقيّد ارادة الرئيس والادارة الجديدة وتجبره على البقاء ضمن اطرها وتوجهاتها العامة والخاصة.
والسؤال الآن .. ما هو المتوقع من اوباما؟ ما هو القرار الارجح المتوقع من توجه سياسي امريكي جديد يخدم اميركا ومصالحها في العراق والمنطقة .. وضمن اية موازنات سيصاغ؟
الجواب بيد المقاومة العراقية الباسلة لوحدها.
ان بوسع المقاومة التي انتجت وانجزت وخططت ونفذت كل حيثيات اسقاط اميركا ومخططاتها بالعراق ان تمد حبل الانقاذ الى اوباما ومنه الى اميركا المختنقة بواقع لم تتخيله للحظة واحدة، بسبب حساباتها القاصرة واستلاب الغرور والعنجهية لعقول الصقور المجرمين انها ستعايشه او تقع في فخه المهلك. ان الاستعداد المبدئي للتفاوض مع اوباما وفق البرنامج المعلن للمقاومة هو السبيل الوحيد لخروج امريكي بقدر معقول من الحفاظ على ماء الوجه من اغوار المستنقع العراقي. وانه لكرم وحلم من مقاومتنا البطلة ان تمد يد الانقاذ منطلقة من سماحة انسانية معهودة برجال العراق العرب الاجاويد الشجعان وباحساس متفرد بمسؤولية دولة العراق الوطنية التي تمثل الركيزة الاساس للمقاومة الباسلة وافواج الحق المتجحفلة معها من رجال الفصائل الاسلامية والقومية والوطنيين العراقيين عموما تجاه الشعب الامريكي الذي يفقد ابناءه وامواله ومعداته في اتون نار ثوار العراق الاشاوس فضلا عن مسؤوليتها المدرجة في برامجها المعلنة العسكرية منها والسياسية والتي تمثل حقوق الوطن والمواطنين العراقيين حجرها الاساس.
وبالمقابل فان الخيارين المطروحين امام الرئيس الامريكي وادارته الجديدة لا يصعب قطعا على أي عاقل ومتعقل ان يخفق في المفاضلة بينهما .. فاما الترتيب الناتج عن مفاوضات مباشرة مع الممثل الشرعي للعراق وللشعب العراقي وهو المقاومة الباسلة والذي يضمن انسحابا متفقا عليه وترتيبا لاعادة هياكل ومؤسسات الدولة العراقية يضمن عدم ترك أي فراغ امني او سياسي ويمنع أي احتمال حتى ولو كان ضئيلا من اطلاق يد ميليشيات ايران المتمثلة ببدر والمجلس والدعوة وعصابات مقتدى وحزب الله في وسط وجنوب العراق وميليشيا البيشمركة في شمال العراق من العبث في ما تبقى من دوائر الدولة وممتلكاتها العامة قبل ان تهرب صوب الحدود التي دخلت منها مع قوات الغزو او بعدها بقليل وهو الامر الطبيعي والمنطقي الذي يبقي هيبة اميركا ويقلل ولو قليلا من جبال الاثم والمنكر التي مارستها ضد العراق واهله ويفتح بابا واسعا للتفاهم على اقامة علاقات طبيعية ومتكافئة تضمن لاميركا اهتماماتها ضمن اطار المشروعية الدولية مثلما تضمن للعراق وشعبه حقوقه كاملة غير منقوصة والتي نصت عليها برامج التحرير.
اما الخيار الثاني وهو المماطلة والتسويف ومحاولة الاستمرار في البغي والتهور والاستهتار بمقدرات العراق وشعبه وادامة روح المكابرة الممزوجة باستعلائية وعنجهية لا تستوي مع واقع حال الفاج
عة الامريكية فانه لن يجلب لأوباما وطاقمه ولأمريكا الاّ المزيد من الدمار والتدمير والخسائر … بل انه سيكون دونما ادنى شك طريق السقوط الحتمي لاميركا الذي بدأ مشواره من يوم اعتدت على بغداد السلام .. ويقينا اننا سائرون في الاجهاز عليها بمعونة الله.
عة الامريكية فانه لن يجلب لأوباما وطاقمه ولأمريكا الاّ المزيد من الدمار والتدمير والخسائر … بل انه سيكون دونما ادنى شك طريق السقوط الحتمي لاميركا الذي بدأ مشواره من يوم اعتدت على بغداد السلام .. ويقينا اننا سائرون في الاجهاز عليها بمعونة الله.
ما لم يجد اوباما منفذا لانقاذ البلد والشعب الذي ادخله التاريخ.