ما قاله وزير الخارجية المصري احمد ابو الغيط في تصريح له مؤخرا “ان مصر دولة علمانية، ولن تسمح بوجود احزاب على اسس دينية” هو اوضح تصريح واكثرها قوة في تحديد الموقف من حركات الاسلام السياسي، وهو يعكس بوضوح التمسك بالدولة المدنية وبسيادة القوانين المعاصرة في ادارة شؤون الدولة.
لكن ما اثير في مؤتمر حوار الاديان والثقافات الذي عقد في نيويورك قبل ايام و شارك فيه ممثلون لـ80 دولة، يشير ايضا بوضوح الى اتجاهات جديدة في سياسات الحكومات العربية تجاه جماعات وتيارات واحزاب الاسلام السياسي وقوى التعصب والتزمت في العالمين العربي والاسلامي.
مما يؤذن بفك التحالف الذي مضى عليه سنوات بين بعض الانظمة العربية وخصوصا الخليجية منها وعلى الاخص السعودية مع جماعات الاسلام السياسي التي ما كان لها ان تملك ما امتلكته من قوة وانتشار لولا الاحتضان الرسمي العربي لها وخصوصا الدعم السعودي غير المحدود.
فزعماء العرب الذين شاركوا بالمؤتمر (السعودية والكويت والبحرين والاردن والامارات وقطر ومصر والمغرب ولبنان وجيبوتي) اكدوا بصوت عال وبصراحة غير مسبوقة على نبذ التطرف التعصب والتزمت، والكراهية، وازدراء الاديان ، واكدوا على اهمية تعزيز الحوار والتفاهم والتعاون والتسامح واقامة العلاقات السلمية بين اتباع الديانات، وأهمية وقيمة الحوار بين الأديان والثقافات والحضارات المختلفة باعتباره الوسيلة الوحيدة لدعم ونشر السلام والاستقرار في جميع أنحاء العالم. واكد أهمية تشجيع الحوار والتفاهم والتسامح بين شعوب العالم مع احترام تنوع الأديان والثقافات والمعتقدات.
وهذا ما يتعارض بشدة مع معتقدات وفقه الجماعات الاصولية بكل اطيافها والوانها و مهما بلغت التباينات فيما بينها، والتي صدر عن معظمها بيانات وتصيحات وتعليقات زخرت بها مواقعها على شبكة الانترنت وكلها تؤكد ان المؤتمر وما قيل فيه مناف للشريعة وانها تتمسك بقوة بما تعتبره مباديء الشريعة الاسلامية ومن اهمها “ان الدين عند الله الاسلام” وان اهل الكتب السماوية المسيحية واليهودية حرفوا ما انزله وانهم سبب شقاء البشرية بسبب كفرهم بالاسلام وبايات الله ، وانه لا يتساوى المسلم والمشرك، وان على المسلمين ان يبنوا قوتهم ويحاربوا الكفار حتى يعم الاسلام الدنيا باسرها وتؤمن كل شعوب الارض بالاسلام ونبي الاسلام.
اذن كيف ستكون العلاقة المستقبلية بين النظام السياسي العربي وبين هذه الجماعات؟ طالما ان المسافة الفكرية والفقهية الدينية تباعدت الى هذا الحد، الذي عبر عنه ملوك ورؤساء وامراء وزعماء العرب في كلماتهم اثناء جلسات المؤمر.
وحتى نصل الى تصور للسيناريو المقبل لنحاول تلخيص الموقف الجديد للزعماء العرب بالاضافة الى شيخ الازهر ومفتي مصر، ونقارنه بموقف الجماعات والتيارات الاسلامية وخصوصا موقف جماعة الاخوان المسلمين اكبر الجماعات الاسلامية في البلاد العربية.
فالمؤتمركرس المبادرة السعودية التي أطلقها الملك عبد الله بن عبد العزيز, كمبادرة أممية للحوار بين الشعوب والأمم, على اختلاف دياناتها, في تأكيد على الوزن الدولي الكبير للمملكة في عالم تعصف بهالأزمات الاقتصادية والسياسية والعسكرية. واعتبرها امين عام الامم المتحدة بأنها “مبادرة ملهمة بحق من أجل الوئام العالمي والتفاهم المتبادل”.
وقال الملك عبدالله في كلمته أمام المؤتمر، أن الإرهاب عدوّ كل الأديان ودعا إلى قيام جبهة موحدة لمحاربته وتعزيز التسامح. واضاف “نقول اليوم بصوت واحد إن الأديان التي أراد بها الله عز وجل إسعاد البشر لا ينبغي أن تكون من أسباب شقائهم”. و”إن الإرهاب والإجرام أعداء الله وأعداء كل دين وحضارة وما كانا ليظهرا لولا غياب مبدأ التسامح”.
وقال الملك السعودي إنه على مر التاريخ أدت الصراعات على القضايا الدينية والثقافية إلى حالة من عدم التسامح “وبسبب ذلك قامت حروب مدمرة سالت فيها دماء كثيرة”. وأضاف أن الإنسان نظير الإنسان وشريكه على هذا الكوكب “فإما أن يعيشا معا في سلام وصفاء وإما أن ينتهيا بنيران سوء الفهم والحقد والكراهية”.
الاردن
ومن جانبه, شدد العاهل الاردني الملك عبد الله الثاني على الأهمية التي توليهاالمملكة للتفاهم بين الأديان, وقال “في الأردن جعلنا الحوار والتفاهم بين الأديانأولوية, ورسالة عمان هي شرح لطبيعة الإسلام الحقيقية ودعوة للتعايش السلمي بين كلبني البشر“. واضاف “إنه من المستحيل الحديث عن الوئام بين الأديان من دون حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. ودعا إلى “إنهاء هذا الصراع الذي يزرع بذور الفرقة والانقسام من خلال إيجاد سلام مبني على قيمنا العميقة المشتركة التي تشمل قيم العدالة واحترام القانون الدولي وحق الشعوب في العيش بكرامة
وقال امير الكويت الشيخ صباح الاحمد ان العالم مطالب بتحويل ثقافة الكره والتعصب الى حوار وتعايش مشيرا الى ان “سبيلنا لذلك هو الايجابية في التعامل وتفاعل بعضنا مع بعض من دون عقد او خوف ، منطلقين من حقيقة اننا جميعا مؤتمنون على مقدرات البشرية وتنميتها لمصلحة الانسان.
الامارات
وبدوره اكد رئيس الوفد الاماراتي حاكمالفجيرة الشيخ حمد بن محمد الشرقي أن الاختلافبين الأمم والشعوب وتمايزهم في معتقداتهم وثقافاتهم وحضاراتهم يشكل إرثا بشرياقيما, ينبغي الحفاظ عليه من خلال إرساء قيمه الأخلاقية والإنسانية والتعاضد علىمكافحة الظلم والاستبداد، وشدد على “مناصرة الحق والخير والسلام وهو ما يتطلبالعمل سويا على إشاعة ثقافة التسامح والحوار ودعم مؤسساته وتطوير آفاقه, واعتمادهوسيلة لتوطيد ركائز السلم العالمي
وأضاف “اننا نؤمنأن الدعوة إلى ثقافة السلام واللاعنف والتعايش السلمي, تشكل إحدى أولوياتستراتيجيتنا العالمية في إطار منظومة الأمم المتحدة, ويأتي ذلك من أجل حمايةمجتمعاتنا ومناطقنا من مظاهر العنف والتطرف والإرهاب, وتخفيف حدة التوترات ومنعوقوع الصراعات والحروب المحتملة وحل المنازعات عبر الحوار والتفاوض والتحكيم الدوليونشر مبادىء التسامح“..
قطر
اما رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية القطري حمدبن جاسم فقد اكد أن قطر تعتبر الحوار بين الأديان والثقافاتخيارا ستراتيجيا يشكل ضرورة لتأسيس فضاء منفتح يضمن التعايش من أجلالسلم وتحقيقالاستقرار للشعوب, داعيا الى تكريس القواسم المشتركة في ما بينها. وشجع علىالحوار بصفته “أضحى ركنا أساسيا من أركان السياسات على المستوى الوطني والإقليميوالدولي, الرامية إلى تحقيق السلام والتنمية المستدامة
اما رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية القطري حمدبن جاسم فقد اكد أن قطر تعتبر الحوار بين الأديان والثقافاتخيارا ستراتيجيا يشكل ضرورة لتأسيس فضاء منفتح يضمن التعايش من أجلالسلم وتحقيقالاستقرار للشعوب, داعيا الى تكريس القواسم المشتركة في ما بينها. وشجع علىالحوار بصفته “أضحى ركنا أساسيا من أركان السياسات على المستوى الوطني والإقليميوالدولي, الرامية إلى تحقيق السلام والتنمية المستدامة
شيخ الأزهر
وفي كلمته, أكد شيخ الأزهر محمد سيد طنطاوي, أنالاختلاف في العقائد وفي الأفكار من طبيعة البشر, وأنه لا يتعين الإكراه على تبنيالعقائد, مشيرا إلى أن هذا الاختلاف لا يمنع من تعاونهم وتبادلهم للمنافعوالمصالح.
مفتي مصر
وبدوره قال الدكتور علي جمعة مفتي مصر إن الحوار الثقافي والحوار بين الأديان أداتان أساسيتان ولا غنى عنهما في تعزيز السلام العالمي والاقليمي, مشيرا الى ان البشرية الآن في حاجة ماسة لتعزيز قيم الوسطية ومحاربة التطرف والتشدد والعنف. مؤكدا على أن الحوار من أهم ضرورات الحياة ومن أفضل وسائل التعارف وتبادل المصالح بين البشر.
امين الجامعة العربية
اما امين عام جامعة الدول العربية عمرو موسى فقال ان المؤتمر هو السبيل السوي للرد على خصوم الاستقرار والتعايش والسلام الذين ينادون بصدام الحضارات ويبذروا التوتر بين الغرب والاسلام.
وبعد هذا العرض السريع لابرز ما قاله زعماء العرب في المؤتمر يضح ان هناك اتفاقا شاملا على نبذ الكراهية والتطرف، وتعزيز الحوار والتفاهم والتعاون، وهذه الرسالة كما يبدو موجهة بكل مباشر الى طرفين الاول حكومات العالم وشعوبها من اتباع الديانات غير الاسلامية، وفيها نوع من الطمأنة والالتزام بان الحكومات العربية سوف تحول دون تفاقم ظواهر التطرف في بلادها.
اما الطرف الثاني الذ توجهت اليه كلمات الزعماء العرب فهو كافة الجماعات والتيارات واحزاب الاسلام السياسي التي تبث الكراهية والحقد والتكفير ضد اتباع الديانات الاخرى. وخصوصا الذين يستخدمون الارهاب والقتل والتدمير وتفجير المؤسسات المدنية وتجار الشهادة وباعة صكوك الغفران وتذاكر الدخول الى الجنة، فالعبارة التي قالها الملك عبدالله ذات مغزى عميق ” أن الإرهاب عدوّ كل الأديان”.
فكيف يمكن للحكومات العربية ان تواجه هؤلاء المتطرفين؟ وكيف لها ان تجفف ينابيعهم ، وان تمنع عنهم التمويل؟ ، وان تمنعهم من استغلال بيوت الله لبث الكراهية؟ وان تحول دون ارهابهم الفكري لبسطاء المسلمين؟ وتفكك خلاياها النائمة والنشطة؟. واقناعها باتباع ثقافة التعايش المشترك والحوار والتفاهم، واحترام الغيروثقافتهم ومعتقداتهم؟ وعشرات الاسئلة الاخرى التي تفرض نفسها في سياق البحث عن سبل تحقيق ما دعا اليه الزعماء العرب.
ولاني استبعد جدا ان يتم ذلك من خلال الحوار والتفاهم وباساليب عقلانية وذلك بسبب التحجر والتصحر العقائدي لتيارات التطرف والتزمت، سواء اصحاب فتاوي تحريم الزلابية وارضاع الكبير ودفن المراة في جلبابها الا عين واحدة، وعدم الجلوس على الكراسي وتحريم الكيمياء، وتحريم السلام على اتباع الديانات الاخرى، بالاضافة الى الحركات السياسية التي لديها اعتقاد راسخ بضرورة اقامة دولة الاسلام العالمية يراسها خليفة يحكم بشرع الاسلام، او تلك التي ترى اصلا ان الحكومات العربية خائنة وعميلة وماجورة يجب القضاء عليها وتحطيم عروشها والاسيلاء على الحكم في بلاد العرب والمسلمين لاقامة دولة الخلافة.
هل يمكن ان يتم التعامل مع هذه التيارات بشكل سلمي وودي وعبر الحوار والاقناع ؟ ام من خلال صدام متعدد الاشكال ومتنوع الوسائل، لن يكون العنف مستثنى منها؟. واذا ما حدث هذا التوقع فهل ستقف احزاب الاسلام السياسي مكتوفة اليدين او ستتحرك جيوش الانتحاريين ليفجروا انفسهم في الاسواق والمساجد ومؤسسات الدولة ووسائل المواصلات.
في كل الاحوال ان ما قاله الزعماء العرب في مؤتمر الامم المتحدة يشكل بادرة ايجابية كبرى، واعتقد ان دول العالم ستطالب هؤلاء الزعماء تنفيذ التزاماتهم ، مما يعني ان العلاقة الوثيقة التي ربطت بعض الانظمة بحركات الاسلام السياسي تدخل منعطفا جديدا سيؤدي الى تراجع نفوذ وتاثير هذه الحركات لتبدا مرحلة تراجع وانكفاء ، الامر الذي يبشر بان تسود بلادنا حالة من السلم الاهلي، والسلم العالمي.
ابراهيم علاء الدين