بقلم د. رفعت سيد أحمد
مازالت السلطات السعودية تصر علي موقفها بشأن جلد وسجن الطبيبين المصريين (د. رؤوف العربي و د. سعيد عبد ربه) بسبب تهم ظالمة ساقها ضدهما أمير مدمن وزوجته التى لم ولن يقم عليها الحد أبداً لا فى هذة الجريمة باعتبارهما مدمنين ومثلما لم يطبق اى حد اوعقوبة اسلامية على اى امير من العائلة المالكة منذ تأسيس المملكة1932وحتى اليوم لا في السرقة ولا في الزنا ولا في تهديد أمن المسلمين ومقدساتهم من خلال صفقات وعلاقات التبعية مع واشنطن وتل أبيب ولا تزال 160 قطعة أثرية فرعونية نادرة مسروقة مع سيدة من نفس نوعية هذا الامير منذ 30 عاماً وتعيش في الرياض لم تقدر السلطات المصرية علي استردادها حتى اليوم.
* وما بين سرقة الآثار والجلد ضاعت كرامة المصريين بسبب ضعف وهوان الحكومة المصرية وبخاصة وزارة الخارجية التي لا تهتم بالمصريين في الخارج أبداً.
* في الأيام السابقة، وإثر بداية تنفيذ الحكم علي الطبيبين المصريين، قام بعض المشبوهين (وعفواً في استخدام هذا اللفظ) من الإعلاميين والعلماء وممن ينتسبون إلي الجماعات الإسلامية التي كانت متطرفة ثم أعلنت التوبة، بتأييد العقوبة الظالمة ضد الطبيبين بل وازداد البعض وقاحة بأن ادعى بأنها تستند إلي الإسلام (طبعاً يقصد هؤلاء الإسلام المتطرف وهو في الواقع إسلام آخر غير إسلام عموم المسلمين)، وتبجح البعض من هؤلاء المرتزقة وطالبوا بالمزيد من العقوبات، ولأن الأمر شمله الزيف والزيغ وبه إهانة واضحة للشريعة الإسلامية فإننا هنا نقدم لهم رأي الشرع الصحيح، وبخاصة ذلك الذي قدمه لنا علماء الأزهر ذلك الصرح الإسلامي التاريخي الذي يقدم الوسطية الإسلامية السمحاء والجميلة التي شوهتها الممارسات الوهابية المتطرفة، وفي هذه القضية يقول د. عبد الفتاح إدريس رئيس قسم الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون جامعة الأزهر: أن الإسلام يفرق بين نوعين من العقاب يشملهما الجلد، الأول: العقاب في الجرائم الحدية، والتي بلغ أقصى عدد لها (مائة جلدة) في جريمة الزنا ـ لغير المتزوج ـ، وهذا ثابت بنص القرآن الكريم: “الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة”، في حين حددها القرآن الكريم بثمانين جلدة فيما يعرف بحد القذف (أي اتهام حد بالزنا): “والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة”، أما أدنى هذه العقوبة (أربعين جلدة) فقد جاء في حد شرب الخمر والمسكرات، وهذا ثبت مما روي عن عبد الرحمن بن أزهر: (أتي النبي صلي الله عليه وسلم بشارب فأمرهم فضربوه بما في أيديهم، فمنهم من يضرب بالسوط، ومنهم من يضرب بالعصا وحثا عليه النبي صلي الله عليه وسلم التراب، ثم أتي أبو بكر بسكران فتوخى الذي كان من ضربهم يومئذ فضرب أربعين).
والنوع الثاني من العقاب بالجلد ـ يكمل الدكتور عبد الفتاح إدريس ـ هو العقاب التعزيري الذي ترك تحديد مقداره لمن يقضي ربه، ومع ذلك فنصوص الشرع تدل علي أنه لا يجوز أن يزداد عدد جلدات التعزير علي عشر جلدات لقوله صلي الله عليه وسلم: (لا يجلد فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود الله)، كما نهانا الرسول صلي الله عليه وسلم أن يزداد في عدد ضربات التعزير، بحيث تصل إلي أدنى المقرر في العقوبات الحدية: “من بلغ حداً في غير حد فهو من المعتدين”، إلا أن هناك من العلماء من يرى أن الجلد في التعزير يمكن أن يتم بدون حد أقصى، لكن ذلك ليس له دليل يعتد به شرعاً، ومصدره أقوال صحابة وأفعالهم وقد جاءت متضاربة فيما بينها، ومن المقرر فقهاً أن أقوال الصحابة وأفعالهم إذا تعارضت سقطت، فلا يحتج بها في الأحكام الشرعية، لأنه لا مزية في قول أحدهم أو فعله دون الباقين، ويتبقى أن الذي تدعمه السنة النبوية الثابتة ويرجحه الفقهاء هو عدم الزيادة علي عشر جلدات في العقوبات التعزيرية، ويجب مراعاة أن عقوبة (الجلد) سواء في الحد أو التعزير هدفها إيلام الجاني وردعه، وليس القضاء عليه أو إزهاق روحه، أو إحداث عاهة له، أو تشوه، أو قطع جلده.
تلك هي ضوابط تلك العقوبة وحدودها، والتي للأسف قام أصحاب الفهم المتطرف للدين من الامراء الاجلاف والقضاة الموظفين لديهم وأتباعهم من العلماء والساسة والكتبة بتشويهها مما جعل الحكم بالشريعة الإسلامية مرعب ومخيف أمام أنظار المسلمين البسطاء و العالم، وأخرج الإسلام من عدله ورحمته، والغريب أن يأتي بعد ذلك دعاة هذا الفهم المتطرف ليدعوا من فوق منبر الأمم المتحدة (للحوار بين الأديان) وللتسامح بين البشر، وللرحمة بين أتباع الرسالات، فأي تناقض هذا؟ وأية إهانة تلك للإسلام السمح وقيمه النبيلة؟ أسئلة برسم العلماء والمثقفين الشرفاء، علهم يجيبوننا!.