تعلمنا كيف نواجه الكوارث فهل نتعلم كيف نتفق!؟
بقلم : زياد ابوشاويش
كنا نتوقع ومعنا الكثير من أبناء اليمن أن تغير كوارث البلد وسيول حضرموت والمهرة وما أحدثته من مآسي إنسانية لكثير من الناس وما أوقعته من خسائر جسيمة في الأرواح والممتلكات الشخصية كما في الاقتصاد اليمني المتعب أساساً، كنا نتوقع أن ينعكس ذلك تقارباً وطنياً بين الحكومة والمعارضة من أجل حمل أعباء ما وقع وسجلنا رأينا الصريح في ذلك وطلبنا أن نستر عوراتنا التي انكشفت جراء هذه الأمطار والسيول بالوحدة والتضامن، كما طالبنا بتشكيل لجنة تقصي للحقائق تقوم بعمل الدراسات التخصصية لفهم أسباب الانعكاس السلبي غير المنطقي لهذه السيول على البنية التحتية وبعض المباني والمؤسسات الحكومية ومن الذي يتحمل مسئولية ذلك والاستعداد بشكل جدي لما هو قادم حيث أننا لا زلنا في بداية فصل الشتاء.
توقعاتنا لم تكن في محلها وها نحن نعترف بخيبة أملنا في طرفي الخصومة السياسية ويزيد من ذلك أن الجميع لم يعبأ كثيراً بالكارثة قدر اهتمامه بتسجيل النقاط على خصمه السياسي في حفلة من المزايدات الكلامية طالت كل عناوين الخلاف، وعلى رأسها الموقف من مبادرة السيد الرئيس على عبد الله صالح بإشراك المعارضة في التحضير للانتخابات البرلمانية والموافقة على التعديلات التي أصرت عليها المعارضة بعد رفض التصويت من جانب الحزب الحاكم عليها في جلسة 18 / 8 / 2008 ، والتي عاد رئيس البلاد لطرحها مجدداً عبر السيد عبد الكريم الارياني مستشاره السياسي الذي كلفه بإدارة حوار مع أحزاب اللقاء المشترك حول الأمر قبل أسبوعين.
دعونا نكون صرحاء في قضية ما جرى بخصوص المبادرة من السيد الرئيس وخاصة البند المتعلق بتعديل قانون الانتخابات واستطراداً الخلاف حول تشكيل اللجنة العليا لها. الحزب الحاكم تلكأ في الموافقة على التعديلات التي وافقت عليها المعارضة في حينه وأضاع فرصة الاتفاق لإخراج البلاد من المأزق السياسي الراهن، ثم عاد لقبول الأمر عبر مبادرة الرئيس وهذا يعني أن الحزب الحاكم يقر بأن مطلب المعارضة كان محقاً من حيث المبدأ، وإلى هنا مسئولية الرئيس وحزبه. والآن نتساءل بذات الوضوح والصراحة لماذا رفض اللقاء المشترك مبادرة الرئيس وهي مطلبه الذي ناضل طويلاً من أجله؟؟ وهل موافقة الرئيس وحزبه على مطالب المعارضة فيما يخص التعديلات وإن جاءت متأخرة لا تلبي شروط المعارضة؟ ولماذا لا يتم الفصل بين المسائل فيما يخص التحضير للانتخابات؟ بمعنى فكفكة الأزمة وتبويبها ليسهل علاجها.
إن رفض المعارضة للحوار مع المستشار السياسي للرئيس هو رفض غير مفهوم ولا مبرر له، ذلك أن العرض هو نفس ما طلبته المعارضة. ماذا نستنتج ويستنتج المواطن اليمني المغلوب على أمره والذي يعاني شظف العيش وقلة الموارد من هذا الصراع وهذا التجاذب غير المحمود؟
لقد أتت السيول لتجرف الأرض الزراعية وتأخذ في طريقها بعض أبنائنا ومواردنا، وكنا نتمنى أن تجرف في طريقها عدم الثقة والريبة التي ينظر بها فرقاء القوى السياسية اليمنية لبعضهم البعض، لكن الذي جرى هو عكس ذلك تماماً فزادت أوجاع الناس ومصائبها ودخلنا دوامة جديدة من المماحكات الحزبية المضرة باليمن على غير صعيد.
لابد أن يعود الإخوة في المعارضة لسلوك طريق الايجابية والتفاعل البناء مع حزب المؤتمر لتجنيب البلاد والعباد المزيد من الصعوبات، وكما أقرت الحكومة بأنها كانت على خطأ في رفض التعديلات وتراجعت عن خطئها عبر مبادرة الرئيس فعلى المعارضة وتحديداً أحزاب اللقاء المشترك الإقرار بأنهم قد تسرعوا برفضها ولتعود الأمور إلى نصابها الصحيح ونتوصل لاتفاق حول باقي القضايا كلجنة الانتخابات العليا ونتوقف عن التهديد بالانسحاب من المشاركة في انتخابات برلمانية تمثل وجه اليمن الديمقراطي وتقدم لليمن فرصة لاختيار ممثلي الشعب بطريقة شفافة ونزيهة.
يقول البعض في الشارع اليمني ومن خلال رصد ردود الفعل الشعبة على موقف المعارضة أنها تمارس نوع من الابتزاز السياسي فهل هذا يليق بالحزب الا
شتراكي أو حزب الإصلاح أو غيره من الأحزاب وخاصة الناصريين وهم أصحاب قيم الوطنية العالية ومفاهيم القومية العربية الموحدة للناس وليس التي تشق الصف وتخلق ارباكات نحن في غنى عنها.
ما بين أن يكون أعضاء اللجنة العليا المشرفة من القضاة أو من سياسيين ونواب تختارهم هذه الأحزاب المتصارعة يوجد رابط مشترك أو هدف لكلا الطرحين وهو ضمان نزاهة الإشراف على الانتخابات أليس كذلك؟ إذن كيف نوفق بين من يقول أن القضاة موظفون حكوميون ولا يصح الأمر على هذا النحو لأنهم في المحصلة سيكونوا مع من يعطيهم رواتبهم، وبين من يقول أن ممثلي الأحزاب والكتل البرلمانية في تشكيل اللجنة سيكونوا مشدودين لمصالح أحزابهم وسيخلقوا إرباكاً لعملها. بين هذا وذاك يكمن الحل والهدف نزاهة الإشراف كما أسلفنا وبالمحصلة فإن القضاة ليسوا بحكم وظيفتهم السامية أدوات للفساد وليسوا في حاجة لمن يشرف على محاسبتهم بل من داخلهم وضمائرهم، وفي نفس الوقت فإن الاتفاق على آلية عمل اللجنة وتحديد صلاحياتها بدقة سيمنع ذلك التجاذب وتغليب المصلحة الحزبية لانتفاء مبررها ووجودها، وبالتالي فإن الأمر يعود بنا للمربع الأول وهو فقدان الثقة بين هذه الأحزاب مما يدفعها لعمل كمائن لبعضها ويضيع عليها فرصة الاتفاق المنشود شعبياً ومن الجميع حرصاً على مصلحة اليمن، وإن كان لابد من إرضاء الطرفين فيمكن دمج المسألة وعمل مستويين للإشراف أو دمج هذا وذاك في صيغة لن يعدم القانونيون اليمنيون إمكانية توليفها بطريقة دستورية صحيحة.
لابد أن تنتهي الخلافات ويلتفت الجميع الآن لكل ما يحتاجه اليمن من الإصلاح على مستويات سيكون من نتيجة الاتفاق وضع أولوياتها بشكل صحيح وتتضافر جهود الكل في متابعة تنفيذ المهمات وفي مقدمها معالجة آثار الكارثة التي حلت باليمن جراء السيول فهل نجد آذان صاغية؟
زياد ابوشاويش