أجمل الكلمات واكثرها قرباً نحو الحقيقة هي التي تقال على لسان شفاه لايعلم صاحبها ان هنالك رقيب يرصد حركاته ويحسب كلماته الا ضميره الانساني وميثاقه الاخلاقي التي شكل معياراً عملياً لسلوكياته في سياق موقف معين … حينها تكون الكلمات صادقة اولاً ومعبرة ثانياً ومجسدة لواقع صاحبها الداخلي وواقعه الخارجي الذي يعيشه ثالثاً، هذا مع افتراض ان صاحب هذا الكلمات يمتلك القابلية والملكة التي تمكنه من قراءه واقعه قراءه صحيحة مثمرة جادة ليست طوباوية ولا حالمة ولاعبثية .
هكذا كانت حصيلة النتيجة التي خرجت بها من جلسة جمعتني بوزير الثقافة العراقي ماهر الحديثي حيث دخل وزير الثقافة الى جلستنا غير الرسمية مع مجموعة من الشخصيات السياسية العراقية التي ضمت اكثر من وزير ، وبدأ يتحدث وزير الثقافة عن الواقع الحالي ومايشهده البلد من حراك على مختلف المجالات وهو لايعرفني ولا يعلم بترصدي لخطابه الذي استفزني ودعاني للكتابة والتعرض لما قاله .
يبدو علينا اولا وقبل الأشارة الى ماقلة السيد ماهر ان نشير الى حقيقة مفادها ان الثقافة في العراق لم تحظَ باهتمام تستحقه من قبل الأطراف السياسية التي شكلت الحكومة والبرلمان وذلك بسبب الظروف التي عاشها العراق وحكومته التي جعلته يوجه جل اهتمامه لملفها الامني على حساب بقية الملفات الاخرى التي ربما لاتقل اهمية عن اي ملف اخر في بلد ينعم بالاستقرار ويحاول بناء حضارة وصنع مدنية يلحق بالقطار الحضاري الغربي المنطلق بسرعة قد تقترب من سرعة الصوت .
وقد بدأ السيد ماهر الحديث وتناول محاور مهمة الخصها بالنقاط التالية :
1.لا أحد يستطيع ان يحتكر الهوية الثقافية للعراق لصالح فئة معينة ، فالثقافة ليست ماركة مسجلة يمكن لها تتصادر لصالح جهة معينة سياسية او غير سياسية .
2.ضرورة نسيان الماضي القريب والبعيد وما ترسبت عنه من مشكلات بين ابناء الشعب العراقي وفتح صفحة جديدة لحاضر العراق ومستقبله .
3. الثقافة بشكل عام صناعة قائمة بذاتها ولاينبغي النظر لها من منظار او اطار ضيق .
4.حتمية التعايش السلمي والاهلي بين ابناء الشعب العراقي بمختلف طوائفه فليس للجميع الا بعضهم البعض ولايمكن لاحد الانفراد بحكم العراق او السيطرة عليه .
5. ضرورة الابتعاد عن الشحن الطائفي والخطاب الانفعالي الدوماغوجي الذي يعزف على اوتاره البالية البعض من السياسيين العراقيين.
بهذا المنطق تحدث ماهر الحديثي وزير الثقافة العراقي ..
وقد شعرت بان السيد الوزير ينوء بحملين :
الاول : وضعية البلد عموماً الذي خرج من رحم الطائفية المؤقتة التي عصفت به لمدة ليس بالقليلة وهو حمل يتشارك معه كل وزير ومسؤول عراقي ينطبق عليه وصف مسؤول !!
الثاني : وضعية وزارة الثقافة العراقية المزرية خصوصاً، حيث يعرف الجميع قصتها وماحدث فيها من تجاذبات طائفية وماسي واغتيالات بحيث اصبحت هذه الوزارة نموذج سيء لوزارت الحكومة العراقية كنموذج وزارة الصحة حينما كان تسيطر عليها المليشيات
الطائفية .
الطائفية .
ويبدو ان السيد ماهر لا يميل الى تعريف ماكس فيبر للثقافة باعتبارها مجرد عامل مساعد لتحريك المجتمع باتجاه غاية معينة ولا يقبل بتعريف ماركس الذي اختزل الثقافة واختصرها إلى ناتج فرعي لنمط معين من الإنتاج السائد ، كما انه يرفض ان تصبح الثقافة مؤسسة ضمن مؤسسات اجتماعية أخرى كما في نموذج إميل دوركايم .
انه يرى في الثقافة الان _ وهذا ما فهمته منه _ وسيلة للتعايش والتقريب بين ابناء العراق وهذه الرؤية اقرب الى واقعنا الحالي ومتناسبة ومنسجمة مع الاحوال والظروف التي يعيش فيها العراق حتى تتبدل وتتغير الاحوال وتُغلق ملفات الامن وتتجه الحكومة بكليتها نحو ملفات اخرى …فنحن لسنا في مرحلة تمثل الثقافة فيها رهاناً يُساهم في تشكيل جوانب الدولة السياسية والأقتصادية والأجتماعية ، فهذه المرحلة مازالت بعيدة عنا ولايمكننا ممارسة عملية حرق المراحل للوصول اليها .
اكررها أخيرا من جديد …ان السيد ماهر لم يكن يعرفني ولهذا لم يكن يتحدث من اجل النشر ولا الاعلان ولا استعراض العضلات ….ولكنني كتبتها _ أو هكذا أزعم _ للحقيقة والتاريخ والعراق ان كان هنالك من يؤمن بان هنالك كتابة من اجل الحقيقة والتاريخ والعراق .
مهند حبيب السماوي