جهاد نصره
من جديد.. وبعد مؤتمر مدريد الذي رعاه وموّله الملك السعودي دامت خيراته..! والذي انتهى بزلزبيطة إسلامية يهودية عكَّرت زمزم الرعاة والمتحاورين..!؟ يبدأ مؤتمر آخر في نيويورك تحت نفس العنوان الجذاب ( حوار الأديان ) وذلك بدعوة وتمويل من نفس الملك المؤمن.! وبهذا الإصرار على حكاية الحوار القديم الجديد، فإن بعض المشايخ من فقهاء، ودعاة، وأمراء، وملوك، وعلى رأسهم خادم الحرمين يستمرون في اختلاق الأعذار والمبررات لتغطية أهدافهم السياسية، والمالية، والمخفية..!؟ ومن ثمَّ كسب رضا الأخر المختلف دفعاً لما قد تسببه قوته المعولمة من أذى في القادم من الأيام وبخاصة أن الحرب المستعرة على الإرهاب قد تستمر طويلاً..!؟
لكن، عبثاً.. فإن هذا الحوار كان، وسيظل، مجرَّد نفخٍ في بالون دينيٍ مثقوب سماوياً ذلك لأن واقع حال أصحاب الأديان الثلاثة يقول: إنهم مرتهنين لمنظومات لاهوتية مغلقة.! وصرامة هذه المنظومات تجلَّت تاريخياً بانعدام المرونة في التعاطي المتبادل بحيث اقتصر على الصراع بكافة أشكاله وهذه الحقيقة يتجاهلها المتحاورون عادةً إلى حين تنتهي الجلسة الحوارية الأخيرة…!؟ إن عشاق الحوارات هذه لم يفلحوا ـ لو كانوا أرادوا في الأصل ـ في إصلاح ذات البين في بيوتاتهم الدينية الخاصة التي كانت على الدوام مشحونة بالصراعات والانشقاقات المذهبية فكيف لعاقل أن ينتظر منهم أن يفلحوا بإصلاح ما يعتري حال علاقاتهم من تنافر مستحكم وعداء مديد…!؟
المسكوت عنه في الجانب الإسلامي وهو ما لم يقله المفكر المعروف ـ محمد عمارة ـ المنسحب من مسلسل حوارات التكاذب هذه أن الأمر كان حسم إسلامياً منذ لحظة انتهاء تملية القرآن قال تعالى: (( إن الدين عند الله الإسلام )) و ( ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين)..!؟ وقد أضاف مبعوثه ـ محمد ـ مخاطباً أتباعه: (( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا )) الآية 3 من سورة المائدة.! يعني بصريح العبارة أنه كان مطلوباً حينها أن ينصاع أتباع الديانتين الأخريين فيلتحقوا بالركب الجديد..؟ فهل بعد هذا الحسم الواضح وقد ترَّسخ في العقول خلال عشرات العقود وترجم على الأرض في شكل ومحتوى التعاطي مع أتباع الديانات الأخرى من أهل البلد نفسه هل يمكن بعد ذلك انتظار أي انجاز ناهيك عن خرافة القواسم الدينية المشتركة التي يدعي المتحاورون أنهم يسعون لإعادة إنتاجها وبخاصة أن ممثلي الجانب الإسلامي ينطلقون إلى المؤتمرات الحوارية هذه من مستنقعات وطنية حافلة بكل أشكال الاضطهاد الأقلوي مذهبياً وعرقياً ومناطقياً…!؟
كيف يمكن أن يحاور هؤلاء ( الصالحين ) أقواماً ( ضالّة )على الضفاف الأخرى وهم مقتنعون بإيمانية لا محلَّ فيها لأيِّ شكلٍ من المراجعات العقلانية أنهم أهل الله في أرضه وهم وارثوها الحصريين إلى أبد الآبدين…!؟ ورد في القرآن: (( وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض )) و (( ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحين )).
التعايش الإنساني إشكالية حياتية حقيقية يجدر أن يستمر العمل من أجل مقاربتها لكن بما يتلاءم مع العصر وأدواته المدنية أما عن رعاة الحوار بين الأديان هذه الأيام فإنهم ليسوا أكثر من نسخة عن أسلافهم الذين قال عنهم الرسول ـ محمد ـ ص بحسب رواية حذيفة بن اليمان: ( هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا..) من كتاب المناقب للبخاري.