في رسالة التهنئة التي أرسلها الرئيس الفرنسي، نيكولا ساركوزي، إلى الرئيس الأمريكي المنتخب، باراك أوباما، كتب يقول “إن انتخابكم يثير في فرنسا وأوروبا والعالم أجمع آمالاً عريضة.” والجملة نفسها، وإن كانت بطرق مختلفة، وردت في معظم رسائل التهنئة التي وصلت إلى أوباما عقب إعلان فوزه بالانتخابات الرئاسية الأمريكية، وكذلك تم التعبير عنها في الصور التي وردت من مختلف أنحاء العالم، للتعبير عن فرحة شعوب الدول بانتخاب أوباما، أو ربما بانتهاء حقبة الرئيس جورج بوش.
وفي نهاية المطاف فإن هذه الفرحة وتلك الجمل مفادها أنه بانتظار أوباما نوايا عالمية حسنة عندما يتولى منصبه رسمياً في العشرين من يناير/ كانون الثاني المقبل.
كذلك فإن انتخابه رئيساً للولايات المتحدة يقدم فرصة لتغيير وجه أمريكا على الصعيد الدولي، فالكثيرون يرونه مثالاً على “الحلم الأمريكي.”
وهذا الاهتمام الدولي لا يعود لكونه أسود البشرة، أو أن اسمه الأوسط “حسين”، وأن أصول والده من كينيا، أو أنه عاش بعضاً من طفولته في إندونيسيا.. ولكن الواقع هو أن معظم هذا الاهتمام والترحيب يعود إلى أنه ليس الرئيس جورج بوش.
وفي ليلة فوزه بالانتخابات، قال أوباما: “إلى كل أولئك الذين يراقبون من بعيد.. من وراء شواطئنا.. قصصنا واحدة، ولكن مصيرنا مشترك.. وها هو فجر جديد من القيادة بات في متناول اليد.”
كانت هذه الكلمات.. كلمات ترحيب لأولئك الذين كانوا ينظرون إلى السنوات الثماني الماضية باعتبارها سياسات بوش “الأحادية.”
وأثارت كلماته الأمل بأن إدارة أوباما سوف تساهم في إصلاح العلاقات الأمريكية مع بقية دول العالم.
ولكن مع ارتفاع مستوى هذه الآمال، فإن تطلعات العالم تبلغ عنان السماء.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، هل تكون إدارة أوباما على مستوى هذه الآمال والتطلعات؟
من الصعب التفكير في رئيس أمريكي وصل إلى سدة الحكم في ظل وجود شبكة طويلة وكبيرة من الضغوط والتعقيدات الناجمة عن الأعباء المحلية والدولية، كتلك التي ورثها أوباما عن الإدارة السابقة وعن ثماني سنوات من حكم جورج بوش، بما فيها الأزمة الاقتصادية المالية، وحربا العراق وأفغانستان، والإرهاب الدولي وغيرها.
كذلك يأتي أوباما في ظل وقت يمكن وصفه بأنه موجة عداء عالمية لأمريكا، وخصوصاً مع بروز فضائح معتقل “أبو غريب”، ومعتقل “غوانتانامو”، أضف إلى ذلك مأساة الإعصار كاترينا.
لقد بدأت القوة الأمريكية بالأفول، كما أن مفهوم “القوة العظمى الوحيدة” في العالم لم يعد مناسباً مع الحال، فهناك دول نامية مثل الصين والبرازيل والهند، إلى جانب دول الاتحاد الأوروبي، أصبحت تنتمي إلى عالم جديد، ومفهوم العولمة يحتاج إلى تعاون أكبر مع مزيد من الدول والمنظمات.
وما قاله أوباما أثناء جولته في أوروبا عن “الحاجة إلى المصالحة”، إنما يدل على أنه يريد تقوية العلاقات مع أوروبا التي تعرضت لأضرار كبيرة إبان إدارة بوش، وخصوصاً بشأن العراق.
إن دعوته إلى الانسحاب من العراق ووعده بتنفيذ إجراءات بشأن التغير المناخي أسعدت الدول الأوروبية الحليفة، غير أن قضايا مثل التجارة وزيادة عدد القوات في أفغانستان، قد تخلق اختلافات وفوارق جديدة مع أوروبا.
وفي الشرق الأوسط، تعهد أوباما بجعل السلام في المنطقة من أولوياته منذ اليوم الأول له في منصبه، والدول العربية دعت من أجل منهج أكثر عدلاً، في حين تتوقع إسرائيل من أوباما أن يبقى صادقاً مع الموقف المؤيد لإسرائيل والذي كشف عنه خلال الحملة الانتخابية.
وهناك تعقيدات أخرى، مثل السياسة على أرض الواقع، فالان
تخابات الإسرائيلية المبكرة قد تؤدي إلى تولي الصقور، مثل رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نيتانياهو، السلطة، أضف إلى ذلك عدم تمكن رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس من الفوز بتأييد حماس لتمديد ولايته، كما أن إعادة انتخابه قد تبدو مستحيلة.
تخابات الإسرائيلية المبكرة قد تؤدي إلى تولي الصقور، مثل رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نيتانياهو، السلطة، أضف إلى ذلك عدم تمكن رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس من الفوز بتأييد حماس لتمديد ولايته، كما أن إعادة انتخابه قد تبدو مستحيلة.
وفي القضايا العالمية الأخرى، تعهد أوباما بالتحاور مع قادة إيران في العديد من القضايا، وهذا يعتمد على قبول إيران وقف تخصيب اليورانيوم وعدم تطوير برنامج نووي.
هذا غيض من فيض، إذ القائمة التي تنتظر أوباما طويلة جداً، لكن ما سيأخذه أوباما من إدارة بوش هو مطاردة المتشددين في باكستان، أما في أفريقيا، التي ينتمي إليها الرئيس الأمريكي المقبل، فهناك قضايا دارفور بالسودان، والصراعات في الصومال والكونغو.
وستتنافس الدول من أجل أن تحظى باهتمام أوباما، وأفريقيا على وجه التحديد تتطلع إلى ذلك بالنظر إلى أن أوباما من أصول أفريقية، بالإضافة إلى ذلك فالمسلمون يتطلعون إليه باعتبار أن والده مسلم، وأن اسمه الأوسط حسين، وبالتالي فهم يعتقدون أنه سيكون أكثر تفهماً لهم ولاحتياجاتهم، ولكن هل ينأى بنفسه عنهم أم يستجيب لهم ليثبت أنه ليس منحازاً؟
على أوباما أن يتوغل في حقل الألغام هذا، وإذا لم تتحقق مطالب دول العالم فإنها ستكتشف أن أوباما ليس رئيساً للعالم، وربما هو رئيس للولايات المتحدة الأمريكية فقط.