آخر استطلاعات الرأي تقول إن العرب الأميركيين انتخبوا أوباما بفارق ٢١ نقطة عن منافسه جون ماكين، وأن معظمهم أراد تسجيل اعتراض على سياسات الحزب الجمهوري الداخلية والخارجية. ويقول رئيس المعهد العربي الأميركي جيمس الزغبي إن التحوّل العربي من الحزب الجمهوري الى الحزب الديمقراطي يتواصل. والسؤال الذي كان مطروحاً، قبل إعلان النتائج النهائية للمعركة هو: كيف يبدو مستقبل العلاقات العربية ـ الأميركية في مرحلة ما بعد جورج بوش؟
> نبدأ من البداية. والبداية تقول إن العلاقات العربية ـ الإسلامية الأميركية هذه الأيام تتّسم بأعلى درجات السوء، الى درجة أن الباكستانيين الذين تماهوا مع السياسة الأميركية يصفون علاقات بلادهم مع واشنطن بالمتقلّبة، وأن أميركا صديق لا يعتمد عليه.
الأمر ذاته ينطبق على الدول العربية وتحديداً المتماهية مع السياسة الأميركية، والتي وجدت نفسها بعد احتلال العراق في ربيع ٢٠٠٣ في مرمى الهدف الأميركي.
كما هو معروف، فإن العرب لم يرفضوا بيع نفطهم لأميركا أو رفضوا السماح لها بالمرور من فضائهم ومياههم والعسكرة في أراضيهم ولم يبخلوا عليها بثرواتهم، بل كانت أميركا ولا تزال هي السيّد المطاع، ولكن المشكلة تكمن في الدعم الأميركي المطلق لإسرائيل، الى درجة أن أميركا غامرت بسمعتها وخاضت حرباً على العراق لضمان أمن إسرائيل.
كل هذه الملفّات وما تراكم فوقها من تداعيات، هي مسار بحث لدى الباحثين والدارسين الذين يجمعون على أنه لن يحدث أي تحسّن في العلاقات العربية ـ الأميركية ما لم تقم أميركا بتغيير سياستها تجاه العرب.
وبحسب استطلاع أميركي مستقل شمل كلاً من مصر والسعودية ولبنان والإمارات والأردن والمغرب، أجرته مؤسّسة زغبي الدولية وجامعة ميريلاند الأميركية، فإن ٨٠% من العرب يحدّدون مشاعرهم إزاء أميركا بناء على سياستها في المنطقة، وأن ٧٠% يرون أن إسرائيل هي الخطر الأول تليها أميركا، وأن بوش وشارون احتلا المرتبتين الأولى والثانية بين أكثر الزعماء الأجانب المكروهين من قبل العرب. وأظهر الاستطلاع الذي شمل ٣٩٠٠ شخص أن غزو أميركا العراق يشكّل محور كراهية الشعوب العربية لأميركا، كما أن ٦٩% من هؤلاء أكّدوا أن نشر الديمقراطية في المنطقة ليس هدفاً أميركا حقيقياً. وقال ٦٨% من المستطلعين أن الهدف الأسمى لأميركا هو حماية إسرائيل.
ورغم محاولات الادارة الأميركية تحسين صورة أميركا في المنطقة من خلال برامج خصّصت لهذه الغاية، وتأسيس قناة الحرّة الأميركية، إلا أن أي تقدّم يذكر لم يتحقّق، بمعنى أن الشعوب العربية قد طفح بها الكيل ولم تعد فرحة الدقيق والقمح الأميركيين اللذين تقدّمهما «هدية» للشعوب العربية ملحوظة، ومع هذا فإن المراكز البحثية الأميركية تعمل، والباحثين الأميركيين يصلون الليل بالنهار للخروج بنتيجة تغيّر المسار الى ما هو أفضل من ذلك، لأن عزلة بلادهم باتت واضحة كالشمس في عزّ النهار.
وفي ندوة خصّصها مركز الحوار العربي في واشنطن لمناقشة آفاق العلاقات الأميركية ـ العربية ومستقبلها، تحدث الدكتور مايكل هدسون رئيس مركز الدراسات العربية المعاصرة في جامعة جورج تاون، فقال إن المركز أنشىء قبل ثلاثين عاماً كمحاولة لتحسين معرفة الأميركيين بالعالم العربي، في أجواء اتّسمت بسوء العلاقات العربية ـ الأميركية في أعقاب حرب العام ١٩٦٧، والآن وبعد ثلاثة عقود لا تزال العلاقات العربية ـ الأميركية تسير من سيّىء الى أسوأ، ولا تبشّر الأوضاع الراهنة بفرص تحسّن تلك العلاقات في المستقبل القريب، خصوصاً مع استمرار المساندة الأميركية لإسرائيل في صراعها مع الفلسطينيين، والحرب التي شنّتها الولايات المتحدة على العراق في إطار ما روّج له الرئيس بوش من أنها قلب الحرب الأميركية على الارهاب، والتي يراها الكثيرون في العالم العربي حرباً أميركية تستهدف الإسلام.
واستشهد الدكتور هدسون بأحدث استطلاعات الرأي التي أجرتها مؤسّسة زغبي أنترناشونال ومؤسّسة بيو لأبحاث الرأي العام، والتي أظهرت أن نسبة من يثقون في الولايات المتحدة بين العرب لا تتعدّى عدد أصابع اليد الواحدة، رغم ارتفاع نسبة من يحبّذون ويقدّرون القيم الأميركية الأصيلة مثل ا
لحرّيّة والديمقراطية واحترام الحقوق المدنية وحقوق الإنسان، لذلك يرى الدكتور هدسون اتساعاً للهوّة التي تفصل بين نظرة العرب الى الولايات المتحدة وسياساتها الخارجية من جهة، وبين نظرتهم الى قيمها التقليدية ولشعبها.
لحرّيّة والديمقراطية واحترام الحقوق المدنية وحقوق الإنسان، لذلك يرى الدكتور هدسون اتساعاً للهوّة التي تفصل بين نظرة العرب الى الولايات المتحدة وسياساتها الخارجية من جهة، وبين نظرتهم الى قيمها التقليدية ولشعبها.
وأوضح الدكتور مايكل هدسون في ندوته في مركز الحوار، أن هناك مؤشّرات تدلّ على أن مبدأ بوش الداعي الى استخدام القوّة الأميركية في توجيه ضربات استباقية، يذكّر شعوب العالم، خصوصاً في العالم العربي، بوصف السيناتور الراحل وليام فولبرايت للنهج الأميركي أثناء حرب فيتنام بـ«غطرسة القوّة».
وإزاء هذه الصورة، يرى الدكتور هدسون أن هناك نوعين من سيناريوات المستقبل بالنسبة الى العلاقات العربية ـ الأميركية:
أولاً، سيناريو الأنباء الطيّبة: وهو ما يحاول الرئيس بوش تقديمه للعالم العربي، وينطوي على فكرة أن هناك التزاماً أخلاقياً على الولايات المتحدة كقوّة عظمى وحيدة بأن تصلح أحوال العالم، وأنه مع انفراد الولايات المتحدة بزعامة العالم، تقع على عاتقها مسؤوليات جسيمة تقتضي إعادة تشكيل الواقع. وفي ما يتعلّق في الشرق الأوسط يكون الالتزام الأخلاقي الأميركي بالاصلاح مركّزاً في شكل نشر الديمقراطية والحرّيّة في منطقة استعصت على رياح التغيير لعقود طويلة. ووجد بوش ارتباطاً بين ذلك الهدف وبين الأمن القومي الأميركي، حيث يعتقد بأن الهجمات الارهابية التي تعرّضت لها الولايات المتحدة الأميركية في العام ٢٠٠١، جاءت انعكاساً للاحباط من القمع ونقص الحرّيّات في المنطقة، وهو ما وفّر مناخاً مواتياً لتجنيد ما وصفه بالارهابيين الإسلاميين.
ثانياً، سيناريو الأنباء السيّئة: روّجت إدارة بوش لبعد ثان لازم وضروري لتغيير الواقع في الشرق الأوسط الكبير، وهو إمكانية استخدام القوّة لتغيير بعض أنظمة الحكم في المنطقة، إذا رأت واشنطن أنها أنظمة تسمح بازدهار النشاط الارهابي، ولا تتعاون مع حرّيّة التحوّل نحو الديمقراطية، على أن تعقب إطاحة تلك النظم عملية تنصيب أنظمة حكم موالية للولايات المتحدة.
وعلّق الدكتور هدسون على التوجّهين، فقال إن السيناريو الأول اعترضته تحفّظات الأنظمة العربية الصديقة للولايات المتحدة، بحجّة أن الاصلاح يجب أن ينبع من الداخل، وأن لكل دولة خصوصياتها وإيقاعها الخاص بها، كما أن المصالح الأميركية الأخرى في عدد من الدول العربية التي كان يفترض أن يقود التغيير والتحوّل نحو الديمقراطية، حالت دون ممارسة الولايات المتحدة ضغوطاً عليها لنشر الديمقراطية، مما قوّض صدقيّة هذا السيناريو.
أما بالنسبة الى سيناريو تغيير الأنظمة بالقوّة الأميركية فلم يفلح هو الآخر، حيث وجدت الولايات المتحدة نفسها تحارب في ثلاث جبهات في وقت واحد، بدأتها في أفغانستان وانزلقت منها الى المأزق الحالي في العراق، بالاضافة الى حربها الكونية ضد الارهاب، من دون أن تحقّق نجاحاً ملحوظاً في أي منها.
وقال الدكتور هدسون إن الهدف الأميركي في العراق بتنصيب نظام حكم موالٍ لأميركا وصديق لإسرائيل لم يتحقّق، حيث أن الحكومة العراقية الحالية تسيطر عليها فئات تنتمي الى أحزاب إسلامية موالية لإيران، أو عناصر كرديّة تفضّل تقسيم العراق لمجرّد الحصول على استقلال لكردستان، وأصبح الغزو الأميركي للعراق من أهم أسباب الصدع في العلاقات العربية ـ الأميركية والمشاعر المعادية للولايات المتحدة في العالم العربي. كما تحوّل العراق الى أرض خصبة للمجاهدين أو المتمرّدين أو الارهابيين بحسب من يطلق الأوصاف، وتهاوت مزاعم أن الولايات المتحدة ستجعل من العراق نموذجاً للديمقراطية في العالم العربي. وبالنسبة الى الحرب الكونية على الارهاب تحوّل تنظيم القاعدة الى خلايا مستقلّة تتمتّع بالقيادة الذاتية في أنحاء مختلفة من العالم، وبذلك أخفقت تلك الحرب في توفير المزيد من الأمن للأميركيين.
وعلّق الدكتور مايكل هدسون في ندوة مركز الحوار العربي في واشنطن على استطلاعات الرأي العام التي تظهر تصاعد المشاعر المناهضة للولايات المتحدة في العالم العربي، فقال إنه يمكن بسهولة تخيّل بن لادن وأعوانه وهم يضحكون عندما يتابعون إصرار المسؤولين الأميركيين على أنه لا يمكن تفسير تلك المشاعر بكراهية العرب للسياسة الأميركية، وأنه ليس في سياسة أميركا الخارجية ما يستوجب مثل ذلك العداء، وكل المسؤولين الأميركيين سيعدّون ذلك تسليماً وتنازلاً للارهابيين، ولذلك يجب الاستمرار في انتهاج السياسات نفسها.
وأقرّ الدكتور هدسون بأن المسؤولين الأميركيين يواصلون التخبّط في تفسير المشاعر المعادية لأميركا في المنطقة، ويروّجون لفكرة أن ذلك العداء يرجع الى تيار الإسلام السياسي المعادي للغرب، أو بسبب نقص الفرص الاقتصادية وتفشّي البطالة، ومساندة الادارة الأميركية لحكّام مستبدّين في العالم العربي.
ويقترح الدكتور مايكل هدسون خطوات عدّة يتعيّـن على الولايات المتحدة اتخاذها إذا كانت راغبة حقّاً في تحسين علاقاتها مع العرب:
< البحث بجدّيّة عن السبب في تنامي المشاعر المعادية للولايات المتحدة وأسباب اللجوء الى العنف والارهاب.
< فتح باب الحوار العام في أميركا حول شؤون الشرق الأوسط وكسر احتكار مراكز الفكر ووسائل الاعلام، وكذلك المسؤولين السياسيين الأميركيين الذين ينظر معظمهم الى شؤون المنطقة من خلال ما وصفه بعدسات إسرائيلية أو منظور إسرائيلي، مع ضرورة الاستغناء عن النصح والمشورة من المحافظين الجدد أو من أنصار إسرائيل في واشنطن.
< إعادة النظر في السياسة الأميركية المساندة لإسرائيل على طول الخط، باعتبار أن ذلك التأييد يشكّل أبرز أسباب الشعور بالعداء لأميركا في العالمين العربي والإسلامي، ضرورة عمل الولايات المتحدة بشكل جدّي على إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية وهدم جدار الفصل العنصري.
< ضرورة التركيز في الحرب على الارهاب على تنفيذ القانون بدلاً من شنّ حرب تقليدية شاملة.
< ضرورة التفكير في عواقب الاقدام على تغيير أنظمة الحكم بالقوّة.
< في ما يتعلّق بالديبلوماسية العامة، يجب التركيز على الاستماع الى ما تقوله الشعوب العربية بدلاً من توجيه الرسائل إليها، والتوقّف عن إملاء ما يجب أن يكون عليه الآخرون.
< في ما يتعلّق بالاصلاح السياسي، يجب أن تتخلّى الولايات المتحدة الغموض الذي يكتنف توصيف موقفها من الإسلاميين ومنظّماتهم السياسية، وتوضيح رؤيتها إزاء حق جماعات مثل «حماس» و«حزب الله» وجماعة الإخوان المسلمين في المشاركة في العملية السياسية.
وقال: «إن العلاقات الوثيقة التي تربط بين الولايات المتحدة والنظامين المصري والسعودي لها جوانب أمنيّة ودفاعية وعسكرية بالغة الأهميّة، وإذا سمحت واشنطن بتغيير النظام الحاكم في مصر، فإنها لا تعرف من الذي سيملأ الفراغ بعد ربع قرن من قبضة مبارك على الحكم ولا من هو البديل، ولهذا ستلجأ الولايات المتحدة الى قبول فكرة التحوّل التدريجي والبطيء نحو الديمقراطية في العالم العربي، خصوصاً وأن مجرّد تعاون الاصلاحيين العرب مع برامج الادارة الأميركية مثل مبادرة الشراكة مع شعوب وحكومات الشرق الأوسط يجرّد هؤلاء الاصلاحيين من صدقيّتهم، لذلك فليس في وسع الأحزاب السياسية العربية الاعتماد على مساندة واشنطن للسبب نفسه».
ومن أهم التساؤلات المطروحة اليوم: هل يصل الأمر بالعلاقات العربية ـ الأميركية الى مستوى «الصراع بين الحضارات» الذي روّج له بعضهم في الثمانينيات؟
تغذّي سلسلة من التطوّرات تمرّ بها العلاقات العربية ـ الأميركية، فكرة اتّساع الهوّة بين مواقف الأطراف العربية وبين مواقف القوّة العظمى الوحيدة في العالم اليوم:
أولاً: اقتراب الموقف الأميركي الى ما يصل الى حد التماثل مع موقف إسرائيل إزاء كيفية التعامل مع الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، عرقلة خارطة الطريق وبناء الجدار واقتطاع المزيد من الأراضي الفلسطينية.
ثانياً: التخلّي عن سياسات أميركية تقليدية لمجرّد إظهار المساندة لإسرائيل مثل موقف بوش من المستوطنات وحق العودة للاجئين الفلسطينيين.
ثالثاً: عملية غزو العراق واحتلال الولايات المتحدة لدولة عربية، وهي سابقة تاريخية تجعل العرب ينظرون الى الولايات المتحدة كامتداد لمرحلة الاستعمار البريطاني والفرنسي لأراضيهم.
رابعاً: تصاعد التهديدات الأميركية لسورية وإيران يعمّق الشعور بأن الولايات المتحدة تسعى الى الهيمنة الإقليمية وتنفيذ خطّة القرن الأميركي الجديد التي رسمها المحافظون الجدد.
خامساً: التصعيد ضد السودان حول أزمة دارفور، حتى بعد أن رضخت حكومته للضغوط وقبلت بتقاسم السلطة والثروة مع الجنوبيين.
سادساً: تردّي العلاقات الأميركية مع الدول العربية الصديقة خصوصاً السعودية ومصر، وانحسار علاقات التعاون الاستراتيجي معها.
سابعاً: نزوع الولايات المتحدة الى تجاهل التشاور مع الأطراف العربية حول خطط الاصلاح قبل طرح مبادرتها المسمّاة «الشرق الأوسط الكبير» على مجموعة الدول الصناعية الكبرى، مما زاد الشكوك العربية حول رغبة واشنطن في فرض التغيير على العالم العربي.
ثامناً: استخدام الاعلام في شيطنة كل طرف للطرف الآخر. فبينما سعت قناة فوكس الأميركية الى تأليب الرأي العام الأميركي على العرب والمسلمين، نشطت بعض القنوات الفضائية العربية في شيطنة الطرف الأميركي، مما أدّى في النهاية الى تزايد المشاعر المناهضة للولايات المتحدة في العالم العربي، وفي المقابل الى تقلّص عدد الدول العربية المفضّلة لدى الشعب الأميركي.
ويرى الدكتور عبد المنعم سعيد رئيس مركز الدراسات الاستراتيجية في القاهرة والباحث الزائر في معهد بروكنجز في واشنطن، أن هناك منظومة من التغييرات الهيكلية تعتري العلاقات العربية ـ الأميركية من بينها:
< نزوع الولايات المتحدة الى استخدام تعبير الشرق الأوسط عند الحديث عن المنطقة العربية والكف عن استخدام «العالم العربي».
< محاولات خلق نوع من التطابق بين ما هو عربي وما هو مسلم كمفاهيم استراتيجية في ما يتعلّق بالمصالح والتهديدات وإمكانيات العمل ودمج الدول العربية والإسلامية في شرق أوسط كبير يمتد من المغرب وحتى أندونيسيا.
< اختراق الحدود بالتأثير الأميركي في مجريات الأمور من داخل العالم العربي وليس من خارجه.
< تبدّل آليات التغيير الأميركي المطلوب، بحيث لم تعد الولايات المتحدة تستبعد اللجوء الى استخدام القوّة لتغيير النظم السياسية في العالم العربي.
ونبّه الدكتور عبد المنعم سعيد الى أن توريط عدد من العرب المسلمين في هجمات أيلول (سبتمبر) ٢٠٠١، أحدث صدعاً في العلاقات العربية مع النظام العالمي، ووفّر الفرصة للحديث عمّا يسمّى بصراع الحضارات، على الأقل في الخطاب السياسي المطروح من الطرفين العربي والأميركي واتّخذ ذلك أشكالاً عدّة:
١ ـ التأثير السلبي على القضية الفلسطينية التي كانت جزءاً هامّاً من منظومة العلاقات العربية ـ الأميركية، بحيث انهار التركيز الأميركي على خلق نظام ينطوي على السلام والتعاون في المنطقة، ليحلّ محلّه تحوّل رئيسي في الموقف الأميركي من المستوطنات وحق العودة، من خلال خطاب الضمانات الذي سلّمه بوش لشارون، والسماح له بتجزئة المرحلة الأولى من خارطة الطريق الى مراحل عدّة أدّت الى تأجيل احتمالات تنفيذها من المستقبل المتوسط الى المستقبل البعيد.
٢ ـ تآكل العلاقات التقليدية بين الولايات المتحدة ومن يسمّون بالمعتدلين العرب كالسعودية ومصر، من خلال تعاون دام ربع قرن لتحقيق أهداف استراتيجية مشتركة هي تحقيق السلام، وحماية أمن الخليج والحفاظ على استقرار المنطقة.
٣ ـ احتدام المجابهة بين منظومة القيم لطرفي العلاقات العربية ـ الأميركية، وخلق صور نمطية سلبية لدى كل طرف عن الطرف الآخر، بحيث أصبحت نظرة الطرف الأميركي الى العرب متمثّلة في أن العرب بدو يتّسمون بالشراسة ولا أمان لهم، وفي وسعهم الانحدار الى مستويات وحشية كقطع الرقاب، كما أن عقلية البازار تسيطر عليهم فيغرقون في المساومة على أشياء لا تستحق التفاوض، كما أنهم منافقون يدّعون الفضيلة، ولكنهم يقبلون على رقص البطون العارية، وهم أثرياء بترول ولك
نهم لا يستخدمون ثرواتهم في تنمية بلادهم، ولدى العرب مبرّر لنسف الآخرين ولا يجدون غضاضة في اللجوء الى الارهاب، كما أنهم رجعيون يعيشون على أمجاد الماضي.
نهم لا يستخدمون ثرواتهم في تنمية بلادهم، ولدى العرب مبرّر لنسف الآخرين ولا يجدون غضاضة في اللجوء الى الارهاب، كما أنهم رجعيون يعيشون على أمجاد الماضي.
وعلى الطرف الآخر، حدث تشويه لصورة أميركا عند العرب الذين ينظرون الآن الى الطرف الأميركي على أنه يتعامل مع العالم بعقلية راعي البقر الذي لا يعبأ بالقانون، ويسرف في استخدام القوّة من دون مبرّر، وأنه محكوم بنزعة استعمارية تجعل منه امتداداً لتاريخ طويل من النظام الاستعماري العالمي. كما ينظر العرب الى الطرف الأميركي على أنه رأسمالي مستغلّ يمتص دماء الفقراء والعمالة الرخيصة، وأن اليهود الأميركيين مسيطرون على الاقتصاد والاعلام بل والقرار السياسي، وبالتالي لا يفسّر الطرف العربي أي إجراء أميركي إلا من خلال نظرية التآمر واستهداف العرب والمسلمين، وأن الطرف الأميركي يقوم بدور الصليبيين الجدد، ولكنهم جبناء يهربون من الالتحام المباشر كما حدث في بيرون والصومال.
٤ ـ تناقص الاعتماد المتبادل بين الطرفين العربي والأميركي في مجالات التجارة والسياحة وأشكال التعاون الأخرى كافة.
٥ ـ انحسار التفكير الاستراتيجي المشترك بين الجانبين، وتحوّله الى مجالات محدودة تختلف بحسب سخونة الموقف من فلسطين الى الاصلاح ثم مكافحة الارهاب، بحيث لم يعد هناك تصوّر استراتيجي مشترك يجمع بين الولايات المتحدة وأصدقائها التقليديين في العالم العربي.
ويقترح الدكتور جون ديوك آنتوني مدير مجلس العلاقات العربية ـ الأميركية في واشنطن سبلاً عدة يمكن من خلالها تجاوز صراع الحضارات وتحسين العلاقات العربية ـ الأميركية:
ـ أن يظهر قادة الولايات المتحدة القناعة والشجاعة المطلوبة لاتخاذ كل ما من شأنه تحقيق المصالح القومية الأميركية، وعلى رأسها اتخاذ موقف نزيه من الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، ينطوي على دور الشريك الكامل القادر على اتخاذ مواقف حاسمة من الاحتلال الإسرائيلي غير المشروع للأراضي الفلسطينية.
ـ أن يظهر الكونغرس والحكومة الأميركية استعدادهما للقيام بدور متوازن ونزيه في التعامل مع الدول العربية استناداً الى المعرفة والتفاهم.
ـ الكف عن التصرّف بمعزل عن خبرات وتجارب أصدقاء الولايات المتحدة في المنطقة العربية، والبدء في التشاور معهم والاستماع الى وجهات نظرهم.
ـ أن تبذل كل من الحكومة الأميركية والكونغرس قصارى جهودهما للتأكد أن القرارات والاجراءات التي يقدمان عليها تدعم مصلحة الولايات المتحدة وليس مصلحة دولة أخرى.
ـ مع التسليم بأن القانون الأميركي يسمح لجماعات الضغط بممارسة التأثير في صناعة القرار، فإنه ينبغي ألا يؤدّي مثل ذلك القرار الى إلحاق الضرر بمصالح الولايات المتحدة في العالم العربي لمجرّد إرضاء طرف خارجي >
عن (المشاهد السياسي)