الكاتب //زياد اللهاليه
ان التاريخ سيسجل بحروف من ذهب وصول أول رئيس للولايات المتحدة الأمريكية من جذور افريقية وملامح سوداء إلى سدة الحكم والرئاسة وهذا دليل على الديمقراطية الأمريكية خاصة والاروبيه عامة , ودليل على الحقوق المدنية التي يتمتع بها المواطنين بغض النظر عن اللون والأصول والجذور والأعراق التي جاءوا منها وهذا كان في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي بل قبل عشرون عام ضربا من الخيال والجنون وقد دفع مارتن لوثر حياته ثمنا لهذا الخيال في سبعينيات القرن الماضي , وتربع السيد اوباما على كرسي الرئاسة يعتبر نصرا للديمقراطية الأمريكية وتطور ثقافة القبول بالغير والمساواة في المواطنة والحقوق والواجبات بغض النظر عن تحفظاتنا اتجاه السياسة الخارجية للولايات المتحدة وبعض القضايا الداخلية كالموقف من المسلمين وتقييد بعض الحريات العامة والخاصة والمراقبة وغير ذلك ولكن لا يعني هذا ان المجتمع الأمريكي والديمقراطية الأمريكية أصبحت مثالية وخالية من كل الشوائب .
ولكن ماهي العوامل المؤثرة في اختيار اوباما ؟
يعتبر العامل المؤثر في الناخب الأمريكي هو الوضع الداخلي الاقتصادي والاجتماعي والصحي والتعليم والعمل ورفاهية المواطن اما السياسة الخارجية فتعتبر من اخر أولويات الناخب الأمريكي ولهذا يستند الناخب دائما إلى البرنامج الانتخابي للمرشح على عكس المواطن العربي الذي يستند اذا ما توفر لة حق الانتخاب إلى ثقافة الولاء للقبلية او الحزب او الدين وأخر شئ يستند الية ثقافة البرامج الانتخابية , ولهذا حينما جاء اوباما طرح قضية التغيير والناخب الأمريكي كان في حاجة ماسة إلى التغيير بعد ثمن 8 سنوات عجاف من حكم الجمهوريين وانهيار الاقتصاد الأمريكي واعتبر اوباما المخلص والمنقذ بعد خسارة المواطن لكل مدخراته وانهيار كبرى المؤسسات الاقتصادية والمالية كما ان المواطن بحاجة إلى تخفيف عبئ الضرائب ومجانية التعليم والعلاج الصحي وهذه وعود قطعها اوباما على نفسه النقطة الثانية والمهمة ان السيد اوباما يمثل جيل الشباب الجيل الحيوي الطموح المثابر المجتهد الذي يطمح الى التغيير نحو الأفضل , واباما يتمتع بكاريزما قيادية وسرعة بديهة وحنكة لم تتوفر في احد من المرشحين خاصة اذا كانت ممزوجة ببساطة الأسلوب والحوار كبساطة المجتمع الأمريكي , وبناءا على ذالك لم ينظروا إلى اللون او العرق بل إلى من ينقذهم ويلبي طموحاتهم ويمثلهم والنقطة الأخرى السياسة الخارجية الأمريكية حيث يعتبر الوضع الأمريكي الخارجي المتردي من الظروف التي ساعدت اوباما في الوصول إلى السلطة فعندما تم تدمير برجي التجارة العالمي كان المجتمع الأمريكي تحت وطأة الصدمة ويبحث عن الانتقام ورد الاعتبار وإعادة هيبة الولايات المتحدة المفقودة فاختار بوش كرجل حرب ولكن بعد ثماني سنوات والنتائج الوخيمة التي توخمت عنها أدرك المجتمع خطأ الاختيار فلم تصل شعبية رئيس أمريكي في التاريخ إلى نسبة 20% واقل , فالانتشار الواسع للجيش الأمريكي والحروب التي شنتها ادارة الرئيس بوش على العراق وأفغانستان والحرب على الإرهاب والأخطاء الكبيرة التي وقعت فيها كقتل المدنيين والممارسات اللا أخلاقية من صور ابو غريب واغوانتنمو واهتزاز الصورة الأخلاقية للولايات المتحدة في العالم وارتفاع نسبة العداء لها , والثمن الباهظ الذي تدفعه الولايات المتحدة من خسائر بشرية فادحة في العراق وأفغانستان وتكلفة الحرب الباهظة التي رفعت من مديونية الخزينة إلى أكثر من 16 تريليون ,والسياسات الخارجية الخاطئة كقضية الشرق الأوسط والقوقاز وأفريقيا , حيث أظهرت استطلاعات الرأي ان 90% من الأمريكيين يرون بلادهم تتجه في الاتجاه الخاطئ هذه التربة الخصبة التي هيأت المجتمع الأمريكي إلى التغيير
هذا التغيير يعتمد على السياسة المستقبلية للإدارة الجديدة للبيت الأبيض ويعتمد على الطواقم والمستشارين والخبراء والتشكيلة الحكومية القادمة وكيفية اعادة معالجة الملفات الداخلية والخارجية ونحن لا نريد ان نستبق الأمور ونحكم على الإدارة القادمة قبل استلام السلطة وتشكيل الحكومة
ولكن اعتقد ان الرئيس اوباما سوف يتجه نحو معالجة الملفات الداخلية كإعادة الرقابة وتدخل الدولة بشكل ولو جزئي في البنوك والعقارات والبورصات والمضاربات المالية والملفات الأخرى كالتعليم والصحة والتخفيف من لاعتماد على المديونيات الخارجية ومساواة الإنفاق الحكومي مع الناتج القومي , اما ملف الطاقة فاعتقد ان اوباما سوف يلجأ إلى الطاقة البديلة في الصناعة والبحث عن مصادر للطاقة أكثر أمنا من الشرق الأوسط وسيكرس الكثير من الوقت والجهد لذلك
اما السياسة الخارجية الأمريكية فاعتقد ان السياسات الإستراتيجية الأمريكية لا تتغير بتغير نظام الحكم وتداول السلطة مابين الحزبين الديمقراطي والجمهوري وهي علاقة مصالح بالدرجة الأولى وان كان هناك اختلاف في التعاطي مع تلك الاستراتجيات والسياسات فهو بالأسلوب والطريقة كالقضية الفلسطينية والموقف من محور الشر كما يطلق علية كوبا وكوريا الشمالية وإيران والمنظمات الإرهابية او الداعمة للإرهاب وملف الحرب على الإرهاب والكثير من القضايا العالقة
من هذا المنطلق يجب على النظام السياسي العربي الرسمي تحديدا والشعب الفلسطيني وقيادته السياسية خاصة ان لاتعقد الكثير من الآمال على ادارة اوباما الجديدة ,لان العرب لم يعيدوا صياغة نظامهم السياسي وامنهم القومي ومصالحهم الاقتصادية وفق مصالحهم القومية بدل التشتت والشرذمة وبناء نظام عربي سياسي واقتصادي قوى يستطيع ان يؤثر في السياسة الخارجية وان يضع له موطئ قدم في النظام الدولي الجديد بدل التبعية الاقتصادية والسياسية المطلقة للغرب والامبريالية والعالم العربي يمتلك كل المقومات الاقتصادية والمالية والاجتماعية والثقافية والبشرية والكفاءات العلمية وما ينقصه سوي الإرادة السياسية الصادقة (( والله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم )) اذا التغير يجب ان يكون عربيا قبل ان يكون امريكيا , ولكن اعتقد ان اوباما سوف يسلك الى حد ما أسلوب بيل كلتون في التعاطي مع القضية الفلسطينية دون ان يفرض أي ضغط على إسرائيل وهذا الحل والتفاوض سيدخل ضمن مستجدات جديدة وهي قبول إسرائيل مبدئيا بالمبادرة العربية والهدف من هذا القبول عقد اتفاقيات ثنائية مع دول عربية مثل لبنان كاتفاقية عدم اعتداء لتخرج لبنان وحزب الله من الصراع كم أخرجت مصر والأردن ومحاولة عزل إيران عربيا وتضييق الخناق عليها كفرض حصار اقتصادي ومقاطعة عربية مقابل اعطاء الفلسطينيين نظام حكم سميه دولة او ما شئت مع ابقاء القدس عاصمة ابديه لإسرائيل والمستوطنات هذه الرؤية الإسرائيلية للحل وإدارة اوباما لن تتجاوز هذه الإرادة
اما الملف العراقي والذي يؤرق الأمريكيين والخزينة الأمريكية سوف تعمل الإدارة الجديدة على سحب القوات من العراق وفق جدول زمني ووفق الاتفاقية الأمنية التي لم توقع مع التعديلات الطفيفة وستحتفظ الولايات المتحدة بقواعد عسكرية ضخمة في العراق لتأمين وصول النفط وحماية مصالحها في الخليج العربي وقاعدة تستطيع كبح جناح إيران في المنطقة ومحاولة تسليم الملف العراقي لهيئة الأمم المتحدة ولقوات حفظ سلام دولية وعربية
اما الملف الإيراني فلن يلجئ اوباما إلى الخيار العسكري بل إلى الحوار ومحاولة احتواء الملف النووي الإيراني بالطرق السلمية بدل المواجهة العسكرية .