فلسفة افشال الحوار الوطني الفلسطيني “تحليل وأبعاد”
منذ أن انطلق الحوار الوطني الفلسطيني كانت رؤيا التفاؤل تراود البعض والمقياس هنا لهذا التفاؤل ما يحمله بعض الكتاب من ميول عاطفية وتحسس للوضع القائم ، وحقيقة الفئة الواسعة في الشعب الفلسطيني تريد أن تتخلص أو ترغب في انهاء حالات التشرذم وانفصال جزئين من الوطن المحتل أمنيا ً وثقافياً.
ولكن منذ البداية لم نكن متفائلين بأن يأتلف برنامجين متناقضين ولسبب بسيط لا يوجد قواسم مشتركة بين البرنامجين المطروحين في الساحة الفلسطينية ، فالبرنامج الاول مبني على فلسفة دخول الحل للصراع العربي الفلسطيني من خلال استئثار قيادة تمترست في مواقعها وترتضي حلا ً بتشريع وجود الاحتلال على أكثر من 82% من اراضي فلسطين بالاضافة إلى الاتفاقيات الأمنية التي تتطلب استحقاقات من الجانب الفلسطيني لحساب الجانب الصهيوني وثالثا ً وضع المبرر السياسي لمن يرغب من الأنظمة العربية في فتح مجال التطبيع مع العدو الصهيوني واحياء اتفاقيات وتفاهمات تمت بين عصابات الغزو الصهيوني وبعض الأنظمة في الوطن العربي في ذاك الوقت مثل التعامل في مجال الزراعة والصحة والخدمة البيئية وما يسمى بالبحوث التكنولوجية ، رغبات سابقة لبعض الأنظمة السابقة تطمح في تطبيقها وتنفيذها بعض الأنظمة الحالية وبتبويب فلسطيني ونرى في هذا الجانب اهدار للكرامة العربية ولكرامة الشعب الفلسطيني وانتفاضاته المتتالية ولشهدائه ولتاريخه ، حيث أن السياسة الدولية ترتبط بمقدار ما تحققه الشعوب من انجازات لفرض معادلات جديدة لصالحها وليس العكس ، أما التيار الثاني والمختلف في الايد يولوجيات ولكن هناك قواسم مشتركة وهي الكفاح المسلح مع الاختلاف في بعض الخطوات المرحلية والتكتيكية والتي يمكن أن تتوصل إلى هدنة أو ركود عسكري وأمني في ظل هدنة طويلة الأمد بعيدة عن الاعتراف بالكيان الصهيوني على أرض فلسطين وبأي نسبة كانت وتراوح هذا الفكر وتراوحت تلك البرامج بين اقامة الدولة الديمقراطية التي تركتها حركة فتح كنهج وبين البرنامج والمشروع الاسلامي الطموح ليس في فلسطين فحسب بل في مناطق مختلفة في العالم وكثير من الاصوات نادت أمام أزمة الركود الاقتصادي بتبني الحل الاسلامي لحل المشكل الاقتصادي .
فشل الحوار الفلسطيني أكثر من مرة واخيرا فشل في شرم الشيخ وبعد ساعات بل أيام قليلة هرولت الرباعية الدولية إلى مصر لكي تنقذ مشروع انابوليس وتعطي دفعة معنوية لا أكثر للطرف الأول لتدعيم مواقفه الرافضة للاستجابة لنتائج الدمقرطة والانحيار للغة الشعب وآلامه وحقوقها ، تلك الرباعية الدولية التي تريد ان تضع بصماتها بقيادة المتهالك بوش لوضع حقائق أمام القادم من متغيرات في الساحة الأمريكية ولو أنني غير متفائل كثيرا ً للسيد أوباما ومعادلته الجديدة وكما قلت لأن العرب لا يحسنون فن التعامل مع المتغيرات بل تكون دائما عكس مصالحهم والجديد هنا ظهور القوة الايرانية ووجوب التعامل معها بمنظار القوة والطاقة .
لأسباب متعددة اقليمية ودولية تعثرت المفاوضات والمحادثات والحوار بين حماس والأوسلويين ومن جديد الأنبولسيين بظهور حكومة سلام فياض في الضفة الغربية على ساحة السلطة التنفيذية وتعامل الرباعية مع تلك الحكومة ولكن ما يحدث اليوم من فشل للحوار الوطني والمزمع عقده في القاهرة ليس كما ادعى الطرفان من قضية المعتقلين والسجناء في كلى الجانبين فهذه قضايا هامشية ولو أنها ضرورة لاثبات حسن النوايا ولكن في الأساس حسن النوايا غير متوفر ولأن كل من الطرفين يريد أن يحافظ على ثبوت برنامجه أمام التاريخ وأمام الشعب ،
ولا يخلو الامر من نظرة للمتغيرات الاقليمية والدولية فالجميع يراهن بأن العراق لن تكون للمالكي ولا لزبانيته وستعود العراق بعد سنوات قليلة بل شهور إلى حالتها القومية والوطنية بل التنبؤ يقول بعد عقود من الاقليميات والشرذمات في الوطن العربي بان المد القومي سيعود مرة أخرى من خلال تلك المتغيرات الدولية وبعد أن وضع بعض المنظرين والأمنيين أن هناك تناقض بين المشروع الاسلامي والمشروع القومي و ولكن هناك لغة ثالثة تقول أن المشروع الاسلامي لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال المشروع القومي في المنطقة العربية ، اذا ًا ستطيع القول أن من العوامل الاساسية لفشل الحوار والتباطؤ في تقديم أي تنازلات من الطرفين يرجع إلى الانتظار لما يحمله مشروع التغيير والاصلاح في أمريكا والذيم يقوده أوباما ولأن هذا المشروع وحال أمريكا الآن ليس صالحا ً لان تخوض أمريكا من جديد مغامرات في المنطقة العربية وغير المنطقة العربية وفي المستقبل القريب سيكون هناك توافق دولي لتقاسمات جديدة اقتصادية وأمنية في المنطقة ولا يخلو الأمر من بعض الوقائع التي ستفرضها ايران في ظل رهبة ادارة أوباما الجديدة من تكرار ما فعله الهالك بوش ولقد تعودنا في المشرق العربي وفي كل الظروف والأحوال بأن الشعب العراقي يكسر كثير من المعادلات من قبل مشروع حلف بغداد وغير حلف بغداد وننتظر الجديد في العراق يعيد للأمة وجهها القومي الذي يلعب دورا ً في صناعة المعادلة العربية .
إذا ُ فشل الحوار في القاهرة هو محطة للانتظار بما تضعه السياسة الامريكية من متغيرات على سياسة بوش والشمطاء كوندا ليزا رايس فهل واشنطن في ظل الطموح الايراني في التمدد في المنطقة ستدعم بشكل أو بأخر المنطق القومي في المنطقة أم تجد أمريكا أن المنطق القومي هو أخطر من البرنامج الاسلامي وتفتح حواراً مع القائمين على البرنامج الاسلامي السني مقابل ايران فهناك برنامجين أمام الادارة الامريكية أما أن تدعم القوميين العرب أمام التمدد الايراني أن تحقق خطوات من المكاسب للمشروع الاسلامي في المنطقة العربية وكلا التحركين والموقفين ينعكسان على حالة الصراع العربي الصهيوني وبالتأكيد أيضا ً أن الرباعية الدولية لن تحقق كثير من الاستمرارية للأوسلويين وكذلك التعنت الصهيوني في الاستجابة للمطالب الوطنية الفلسطينية لن يلقى قبولا ً ضمن توازنات العالم الجديد في ظل وعهد أوباما إذا بقيَ حيا ً ولم يغتال كسابقه من الرؤساء الأمريكان الذين حملوا لواء التغيير والاصلاح .
بقلم / سميح خلف