ينبعث من الدول العربية الخليجية الثرية هدوء روحاني على الرغم من انها تقع في قلب منطقة تعرف بأنها بؤرة توتر ونزاع وقد تأثرت هذه الدول بالازمة المالية التي عصفت بالعالم اخيرا.
ويبدو ان مواطني هذه الدول المحظوظين يقطنون في فلل ساحرة مصانة ذات اسوار مرمرية فيما تنتشر الفنادق ومراكز التسوق التي تعبق بالروائح العطرة المكلفة والمخدومة من جيش مطيع من العمال الاجانب تحميها جبروت اميركا القوة العظمى.
وفي غمرة هذه الدمى مثل الجياد الاصيلة وصقور الصيد واليخوت والطائرات النفاثة والسيارات الفارهة المصحوبة بمواكب فكر حكام الخليج لا بكيفية التمسك بالسلطة وانما بماذا يشيدون من قلاع وابراج ومدن جديدة لرعاياهم السعداء.
والآن فقط وطبقا لاحدى الدراسات فان لدى هذه الدول مشروعات تبلغ قيمتها نحو 2 تريليون دولار ممولة بشكل رئيسي من الاموال العامة مخططة او قيد التنفيذ كانت لتبدو مفرطة لولا ان حجم اقتصاديات دول مجلس التعاون الخليجي الست- البحرين والكويت وعمان وقطر والمملكة العربية السعودية والامارات العربية المتحدة- تضاعف ثلاث مرات خلال خمس سنوات بحيث حقق اجمالي ناتج قومي وصل قريبا من التريليون دولار.
ومع ذلك فان غيوما عاصفة تظلل هذه المدينة الفاضلة -يوتوبيا- المكيفة الهواء. ففي الاشهر الستة الماضية هبط سعر النفط، سلعة التصدير التي تشير الى هذه الثروة الهائلة، بأكثر من النصف مقابل ارقام عالية قياسية. وتراجعت قدرات البورصة المحلية في الغضون، اسوة بباقي العالم، وتراجعت البورصة الاكبر وهي بورصة العربية السعودية بواقع 45% منذ بداية العام.
وقد تصل خسائر المحافظ التي تكبدتها صناديق الثروة السيادية في الخليج والتي يقدر انها راكمت قبل سنة حوالي 1.5 تريليون دولار كسبتها دول مجلس التعاون الخليجي من مبيعاتها النفطية في السنة الماضية.
وثمة استغراب قليل في ان الحكومات الخليجية اظهرت القليل من الحماس عندما طلب رئيس الوزراء البريطاني غوردن براون، الذي قام بجولة في المنطقة اخيرا، من هذه الدول تقديم سيولة اضافية الى صندوق النقد الدولي، على الرغم من ان المستثمرين الخليجيين كانوا قد هرعوا لانقاذ بنك باركليز البريطاني بامداده بمبلغ 5.8 بليون جنيه استرليني “9.4 بليون دولار” ما يرفع حصتهم الى اكثر من 30 في المئة.
وبينما، مع بعض الاستثناءات، تواجه الدول الخليجية القليل من الضغط قصير الاجل من اجل اجراء اصلاح داخلي تتصاعد الضغوطات الجيوسياسية. فالى الشمال يقع العراق الذي ينطوي الهدوء النسبي الحالي فيه على قليل من الضمان بانه سيدوم.
وفي الساحل المقابل تجلس جمهورية ايران الاسلامية وهي ثيوقراطية شيعية يبلغ عدد سكانها ضعفي سكان دول مجلس التعاون الخليجي مجتمعه «70 مليون في مقابل 38 مليونا او نحو ذلك»، ولديها برنامج نووي يفترض معظم العرب انه سينتج قنبلة نووية إنْ عاجلا او اجلا.
ويقول مسؤول في مؤسسة فكرية في دبي بدولة الامارات العربية المتحدة بما يعكس المخاوف الرسمية ان ايران المسلحة نوويا لن تشكل موازاة استراتيجية للولايات المتحدة او اسرائيل “فالسلاح سيستخدم فقط لتخويفنا نحن الذين لا نملك شيئا”.
وايران لا تكتفي وحسب بالقول ان الخليج فارسي بالاسم، بل انها تصر على ان جاراتها ترفض احترام تفوقها في المنطقة والذي تجسد عبر نجاحها في اختراق العراق ودعم قوى “المقاومة” مثل حزب الله الذي يقود المليشيات الشيعية اللبنانية وحركة حماس الفلسطينية الاسلامية القوية.
وفي الغضون تخشى الدول الخليجية العربية السنية ان تؤثر ايران على المواطنين الشيعة لديها والذين يقمعون ويعتبرون مثيري قلاقل في السعودية والبحرين وهي مملكة يشكل الشيعة فيها الاغلبية والتي يستمر بعض الايرانيين في الادعاء بأنها يجب ان تعود اليهم. ويكثر المسؤولون الايرانيون من اصدار مثل هذه الملاحظات المُرة.
وفي حال شن هجوم عليها كانت ايران قد هددت بأنها ستضرب القواعد الاميركية التي توجد في دول مجلس التعاون الخليجي وباقفال مضيق هرمز الذي تمر منه 40% من الصادرات النفطية العالمية “الى اجل غير مسمى”.
وحديثا قالت ايران انها ستنشئ قاعدة جديدة في الجانب الايراني من المضيق، واضافة الى ذلك ما تزال قواتها جاثمة منذ سنوات تحتل ثلاث جزر متنازع عليها مع دولة الامارات العربية في الوقت الذي ترفض فيه ايران طلب الامارات، التي لديها دعوى قانونية قوية بملكية الجزر، تسوية موضوع السيادة عن طريق التحكيم الدولي.
ان هذه التوترات تعتبر تاريخية في جزء منها عاكسة عداء متوارثا بين العرب والفرس بالاضافة الى الحنق الايراني من دول الخليج العربية لسخائها في تمويل نظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين اثناء الحرب العراقية الايرانية التي استمرت بين الاعوام 1980-1988 .
وكان مجلس التعاون الخليجي قد اسس في عام 1981 ويضم الدول العربية الخليجية الثرية وقليلة السكان، ولكن ايران الثورية سخرت من المجلس الذي وسمته بأنه “ناد اميركي” نظرا لأن كافة هذه الدول وبدرجات متفاوتة استضافت قوات اميركية على اراضيها.
لكن وخز ايران يعكس ايضا ثقة في انه وعلى الرغم من ان جاراتها العربيات تتمتع بحماية المظلة العسكرية الاميركية، فانها لا تتمتع لا بالقوة ولا بالوحدة لدرجة كافية تمكنها من معارضة الجمهورية الاسلامية. وبالرغم من حث دول الخليج على اتخاذ موقف اكثر صرامة من ايران، خاصة من قبل ادارة الرئيس بوش، فإن هذه الدول آثرت في الغالب ترك الدبلوماسية لحلفائها الغربيين.
وثمة سبب وراء ذلك وهو ان بعض هذه الدول تتمتع بصلات اقتصادية مغرية جداً مع ايران. فدبي التي تعتبر المركز التجاري الاقليمي وهي واحدة من ست امارات تشكل دولة الامارات العربية المتحدة تتبادل ما يقدر من 60% من تجارتها مع ايران. وهي موطن لاكثر من 10000 مؤسسة ذات ملكية ايرانية فضلاً عن ان هناك اكثر من 250 رحلة جوية في الاسبوع بينها وبين ايران.
وما تزال الدول العربية الخليجية تمارس التحفظ بسبب الخلافات السياسية. فالمملكة العربية السعودية بحجمها الملموس وقيادتها السنية مالت الى تبني خط اكثر صرامة حيال الجمهورية الاسلامية التي ينصب زعيم الدولة فيها آية الله علي خامنئي، نفسه كقائد اعلى للمسلمين. لكنّ قطر الصغيرة وفائقة الغنى والتي تشترك في حقل غاز طبيعي عملاق مع ايران والتي غالباً ما يختلف قادتها مع ابناء عمومتهم السعوديين لديها ما يبرر ان تكون اكثر قلقا. ولقد اعربت العديد من الدول الخليجية العربية الاصغر عن القلق من السعودية في ظل ايديولوجية وهابية بمثل ما تقلق من الصراعات الاقليمية الاكثر بعدا حول المياه.
بسطار العم سام
وفي الغضون ما يزال عدم ارتياح العرب من راعيتهم القوة العظمى يشكل سبباً آخر لتخفيف شدة الخلافات مع ايران.
ولا ينحصر الامر في تواجد القوات العسكرية الاميركية والذي يميل مواطنو الدول الخليجية الاصغر الى قبوله كشر ضروري لا يحظى بالشعبية وانما ايضاً لان اميركا تحت قيادة بوش اتخذت موقفاً صارماً من الاحتجاجات الخليجية على سياساتها مثل غزو العراق ودعم اسرائيل في حربها مع حزب الله في 2006. وعليه وبدلاً من مساعدة حليفتها السابقة اميركا من خلال الانتقال، على سبيل المثال، الى تحدي النفوذ الايراني في العراق او الاحتجاج بصوت عال على خطط ايران النووية ما تزال معظم دول الخليج سلبية.
ولقد طبقت دول مثل الامارات العربية المتحدة العقوبات التي فرضها مجلس الامن الدولي التابع للامم المتحدة على ايران والتي استهدفت معاقبتها لاخفاقها في الكشف عن المدى الكامل لبرنامجها النووي والامتثال للمطالبات بوقف تخصيب اليورانيوم. ومع ذلك استمرت هذه الدول في ارسال أمارات الصداقة والتي بلغت حد دعوة الرئيس الايراني المثير للجدل محمود احمدي نجاد في السنة الماضية لاداء فريضة الحج في مكة ثم لحضور الاجتماع السنوي لقمة مجلس التعاون الخليجي. ويوم 28 تشرين الاول -اكتوبر- قام امين عام مجلس التعاون عبد الرحمن العطية بأول زيارة على الاطلاق الى طهران معيداً التأكيد على دعم حق ايران في حيازة تكنولوجيا نووية سلمية معرباً عن الامل في “تعزيز وتمتين العلاقات”.
بيد ان ثمة أمارات على ان صبر العرب مع ايران آخذ في التضاؤل اذا لم يعد تكرار توجيه الدعوة للرئيس الايراني لحضور القمة المقبلة لزعماء دول مجلس التعاون الخليجي في شباط – فبراير – المقبل. وبغض النظر عن كل كلماته اللطيفة في طهران شبّه العطية مؤخراً احتلال طهران للجزر الخليجية الثلاث التي تطالب بها دولة الامارات العربية المتحدة باحتلال اسرائيل للاراضي الفلسطينية.
واشتكى رجال اعمال ايرانيون مؤخرا من انه بات من الصعب عليهم القيام بنشاطات تجارية عبر دبي نظرا لان مصارف اقل من ذي قبل تعمل في منطقة التجارة الحرة تبدي رغبة في فتح حسابات لهم. وفي الغضون، تبدي الحكومات العربية حرصا اكثر الآن في الانخراط في العراق؛ فثمة سفارات في بغداد في جهد متأخر لتعزيز القوى غير المنحازة لايران. وفي الوقت ذاته فانها حلت خلافاتها بطريقة هادئة. الى ذلك حدث تقارب مدهش بين قطر التي تعتبر خارجة على الاجماع الدبلوماسي والمملكة العربية السعودية كان من ابرز نتائجه تخفيف حدة النقد الموجه للسعوديين من خلال المحطة التلفازية “الجزيرة” التي تمتلكها قطر والتي تحظى بشعبية كبيرة.
اما في الاحاديث الخاصة فيعرب المسؤولون في الدول العربية الخليجية عن موقف اكثر شدة حيال ايران عاكسين بذلك شكوكا متزايدة من انه لا الدبلوماسية ولا العقوبات الاقتصادية تستطيع ان توقف طموحات ايران النووية. ويقول خبير امني خليجي “اذا تم الخيار العسكري” اي اذا قصف الاميركيون او الاسرائيليون المنشآت النووية في ايران “فلن تكون لدينا مشكلة في ذلك.. واذا وصل الامر الى نقطة يكون فيها الخيار هو العيش مع ايران نووية او المعاناة. نتيجة لتبعات “هجوم” فاننا سنختار الخيار الآخر”.
ويشير محللون آخرون الى انه بالرغم من وجود عدم توازن في اعداد القوات الا ان دول الخليج العربية تتمتع بتجهيز افضل لتدمير ايران ولمقاومة الضربات المضادة منها. ومن المقرر ان تصبح دولة الامارات العربية المتحدة اول بلد اجنبي ينشر نظام دفاع جوي اميركيا هو الاكثر تطوراً والقادر على تدمير الصواريخ المهاجمة على بعد 200 كم «124 ميلا». وأصلاً فإن القوات الجوية العربية تبز نظيرتها الايرانية بكثير.
فُرْس أفقر
وقد يكون المتشككون في الضغط الاقتصادي على ايران مخطئين؛ ففي الاقتصاديات المنفتحة لدول مجلس التعاون الخليجي تبدو واضحة اثار الفوضى المالية العالمية. اذ ان بلداناً مثل دبي مدفوعة بشكل عال وبفقاعة عقارات منتفخة قد تعاني من صدمات اقسى في المستقبل القريب. ومع ذلك توجد لدى الدول العربية الخليجية محافظ نقدية عملاقة اكبرها تعود الى امارة ابوظبي الشقيقة السخية لامارة دبي. وربما يمكن لموازنات حكومات دول مجلس التعاون الخليجي ان تظل في خط الامان حتى مع هبوط اسعار النفط الى 50 دولاراً للبرميل او يمكن ان تتراجع الاسعار وراء ذلك جالبة القليل من الالم.
وكمفارقة فإن لدى ايران القليل من السيولة المدخرة بعد ثلاث سنوات من بذخ الرئيس احمدي نجاد في الانفاق لكسب الشعبية. ومع بلوغ التضخم نسبة تقترب من 30% فإن الايرانيين يشعرون اصلاً بأنهم غير سعداء؛ يشهد على ذلك اضراب لتجار البازار – السوق – احتجاجاً على خطة لفرض ضريبة للقيمة المضافة بنسبة 3%. وتحتاج ايران في الغضون الى بقاء سعر برميل النفط ليس اقل من 75 دولاراً للحفاظ على الانفاق. وفيما يوفر عزلها عن الاقتصاد العالمي، كنتيجة جزئية للعقوبات، منطقة فاصلة مؤقتة فان تدنياً مستديماً في الدخل القومي قد يركز التفكير على تكلفة انتهاج برنامج نووي لا يجلب اي مزايا لسنوات عديدة مقبلة.