بقلم نقولا ناصر*
ناشد الرئيس الفلسطيني محمود عباس الرئيس الاميركي المنتخب باراك اوباما “تسريع” عملية السلام وناشده رئيس دائرة شؤون المفاوضات في منظمة التحرير الفلسطينية صائب عريقات ان “يسير على نهج” سلفه جورج دبليو. بوش بينما ناشدته حركة المقاومة الاسلامية “حماس” الاستفادة من اخطاء سلفه خلال ولايتيه طيلة ثماني سنوات ، التي وصفها احد مهندسي اتفاق اوسلو والشريك الاسرائيلي في “مبادرة جنيف” يوسي بيلين بانها كانت “كارثية” ، وما بين الاستجابة لهذه او تلك من المناشدتين الفلسطينيتين ، اي ما بين السير على نهج سلفه وبين الاستفادة من اخطائه ، سوف تتقرر مصداقية اوباما فلسطينيا لانها تضع على المحك العربي بعامة والفلسطيني بخاصة شعار”التغيير” الذي رفعه طوال حملته الانتخابية فاوصله الى البيت الابيض .
واذا كانت مناشدة حماس لاوباما تنطوي على امل في تغيير اميركي جذري يفترق في الرؤية والنهج عن سياسة بوش فان مناشدة منظمة التحرير تنطوي هي ايضا على امل في التغيير لخصه عباس بقوله في العاصمة المجرية يوم الاربعاء الماضي انه يامل في ان ينجح اوباما في ما فشل بوش في تحقيقه ولخصه عريقات بالقول في اليوم نفسه انه يامل في ان يحول اوباما “رؤية” بوش في حل الدولتين الى “مسار واقعي فورا” ، وشتان ما بين مضموني “التغيير” الذي “يامل” فيه قطبا الانقسام الفلسطيني الراهن بالرغم من اعراب كليهما عن الاستعداد ل”التعاون (عباس) ول”الحوار” (رئيس المكتب السياسي لحماس خالد مشعل في العرب اليوم الاردنية) مع الرئيس الاميركي المنتخب .
غير ان المؤشرات الاولى الصادرة عن واشنطن تنذر بخيبة امل فلسطينية ولا تبشر باي تغيير ، واول هذه المؤشرات البيئة البشرية ذات الولاء الاكيد لدولة الاحتلال التي يحيط اوباما بها نفسه ، اذ انه باختياره لنائب رئيس مثل جو بايدن ، الذي قال العام الماضي ان “اسرائيل هي القوة الوحيدة الاكبر التي تملكها اميركا في الشرق الاوسط” وانه يفتخر بان يصف نفسه بانه “صهيوني” وبانه لن يدير ظهره لاسرائيل ، لم يكتف اوباما بكون مقر الرئاسة الاميركية يعج فعلا منذ سنوات بالموالين اليهود لهذه الدولة ولجماعات الضغط السياسي العاملة في خدمتها بل انه عزز هذه البيئة باختياره عضو مجلس النواب في الكونغرس رام بنيامين عمانوئيل ، الذي يحمل جنسية اميركية – اسرائيلية مزدوجة وخدم في جيش دولة الاحتلال ، لمنصب رئيس هيئة موظفي البيت الابيض ليكون هذا الابن لعضو في منظمتي الارغون وايتسل اليهوديتين الارهابيتين هو الذي ينسق علاقاته مع ابنة احد قادة الارغون تسيبي ليفني المرشحة لرئاسة وزراء دولة الاحتلال والتي تشغل حاليا منصب وزيرة خارجية هذه الدولة .
كما كان اليهودي دنيس روس المرشح بقوة لتولي منصب هام في ادارته — والمعروف لدى الفلسطينيين كوسيط اميركي يحرص على وجود عملية سلام فلسطينية – اسرائيلية اكثر من حرصه كمفاوض على وصول هذه العملية الى اية نتيجة — يتصدر فريق مستشاري اوباما حول الشرق الاوسط ومنهم السفير الاميركي السابق في تل ابيب دان كورتزر ودان شابيرا وكلاهما يهودي ، وكانما لا يكفي اوباما وجود ثلاثة عشر عضوا يهوديا في مجلس الشيوخ وواحد وثلاثين عضوا يهوديا في مجلس النواب ليقدموا له وللكونغرس المشورة حول افضل الطرق للوفاء بتعهده بضمان امن اسرائيل واولوية علاقاتها الاستراتيجية مع الولايات المتحدة .
على خلفية هذه المحيط الاستشاري حول اوباما فان حرص حملته الانتخابية على التنصل العلني من اي تاثير لمعرفته بشخصيات اميركية من اصل فلسطيني مثل ادوارد سعيد ورشيد الخالدي على ارائه او سياساته ، بدل ان يوازن سيطرة الموالين لاسرائيل على فريق مستشاريه حول الشرق الاوسط بضم شخصيات من اصل عربي وفلسطيني الى هذا الفريق ، لا يمكن تفسيره الا باعتباره سابقة تمثل اول اذعان براغماتي له لقوة اللوبي الصهيوني – اليهودي في الولايات المتحدة ، مما يبعث برسالة سلبية الى الفلسطينيين تنذرهم بان عهده لا يمكن ان يبشر بافتراق عن الانحياز الاميركي التقليدي لدولة الاحتلال او يبشر بتوازن اميركي بين طرفي الصراع العربي الاسرائيلي ، خصوصا بعد الزيارة التي قام بها اوباما في تموز / يوليو الماضي لبنحاس آمار الذي اصيب في رجله بصاروخ فلسطيني في مستوطنة سديروت ووعده له بان يكون من اوائل المدعوين لزيارة البيت الابيض دون ان يوازن اوباما تلك الزيارة وذاك الوعد بزيارة ووعد مماثلين لمخيم وجريح فلسطيني من ضحايا ستين عاما ونيف من الارهاب الصهيوني والاحتلال الاسرائيلي .
ان فريق المستشارين حول الشرق الاوسط الذي اختاره اوباما ه
و مجموعة من المخضرمين الموروثين من عهد الرئيس الاسبق بيل كلينتون الذي رعى اتفاق اوسلو عام 1993 وقمة كامب ديفيد عام الفين وكلاهما كان فشلا ذريعا من وجهة نظر فلسطينية عليها اجماع لا يشذ عنه سوى فريق الرئاسة المفاوض ، حسب المقابلة التي اجرتها هارتس مع الرئيس عباس بمناسبة اخر ذكرى سنوية لتوقيع اتفاق اوسلو ، ويمثل هذا بدوره مؤشرا سلبيا اخر لا يبشر باي “تغيير” في النهج الاميركي للتوصل الى اي حل يمكن وصفه بالعادل والشامل والدائم للصراع ، فالذين اثبتوا فشلهم من الصعب ان يكونوا عنوانا للنجاح .
و مجموعة من المخضرمين الموروثين من عهد الرئيس الاسبق بيل كلينتون الذي رعى اتفاق اوسلو عام 1993 وقمة كامب ديفيد عام الفين وكلاهما كان فشلا ذريعا من وجهة نظر فلسطينية عليها اجماع لا يشذ عنه سوى فريق الرئاسة المفاوض ، حسب المقابلة التي اجرتها هارتس مع الرئيس عباس بمناسبة اخر ذكرى سنوية لتوقيع اتفاق اوسلو ، ويمثل هذا بدوره مؤشرا سلبيا اخر لا يبشر باي “تغيير” في النهج الاميركي للتوصل الى اي حل يمكن وصفه بالعادل والشامل والدائم للصراع ، فالذين اثبتوا فشلهم من الصعب ان يكونوا عنوانا للنجاح .
وقد رحب اوباما بجولة كوندوليزا رايس وزيرة خارجية بوش التي بداتها يوم الخميس الماضي في دولة الاحتلال وتابعتها في الضفة الغربية المحتلة في اليوم التالي وهي جولة يثير توقيتها الكثير من الشكوك الفلسطينية لسببين رئيسيين اولهما ان ولايتها قد انتهت ولم يعد لديها ما تقدمه عمليا مما يقود الى السبب الثاني وهو ان اجتماعها مع الرئيس عباس في السابع من الشهر ثم حضورهما معا اجتماع اللجنة الرباعية الدولية في منتجع شرم الشيخ المصري على البحر الاحمر في اليوم التالي قبل توجه عباس لافتتاح الحوار الوطني الفلسطيني في القاهرة في العاشر من الشهر لا يمكن لاي مراقب ان يعزله عن “الفيثو” الاميركي الذي وضعته رايس وتتبناه “الرباعية” على هذا الحوار ، كما ان ترحيب اوباما بجولتها هذه لا يمكن ايضا عزله عن تاييده المعلن ل”الجهود الاميركية لتقديم معونة مباشرة الى الشعب الفلسطيني بتجاوز اي حكومة تقودها حماس وترفض نبذ العنف والاعتراف بحق اسرائيل في الوجود” ، بحيث يكاد يستحيل الاستنتاج بان اوباما يعد فعلا بالسير على نهج بوش وبتجديد “الفيتو” الذي كان يفرضه بوش على الحوار الفلسطيني وبالالتزام بالشروط الاسرائيلية التي تبنتها “الرباعية” باعتبارها “براءة ذمة” يجب على كل فلسطيني توقيعها قبل رفع الحصار عنه !
ويقف حوار القاهرة الفلسطيني والانقسام الوطني الذي يسعى الى انهائه في قلب “التغيير” المامول فلسطينيا الذي وعد به اوباما في مجال السياسة الخارجية الاميركية ، اذ هنا يكمن المحك الحقيقي لمصداقية اوباما الفلسطينية .
واذا كان اوباما “قد اظهر تفهما عميقا لماذا لا تستطيع اسرائيل القبول بعودة اللاجئين الفلسطينيين” ، كما قالت ليفني اثر زيارته لسديروت ، فان مجموعة من “انصار السلام” منهم جيمس ابو رزق ود. مصطفى البرغوثي لخصت له يوم الخميس الماضي التغيير “الواقعي” الذي تامل فيه منه في سبع توصيات هي: تجنب اي اتفاقيات جزئية لصالح اتفاق شامل على قضايا الوضع النهائي ، ولعب دور اكثر توازنا يعيد للوسيط الاميركي نزاهته ومصداقيته المفقودتين ، والسماح للقانون الدولي بان يكون القوة المحركة لاي حل للصراع ، وحث اسرائيل على تبني مبدا الارض مقابل السلام المقبول دوليا ، وممارسة الضغط اللازم على اسرائيل لوقف التوسع الاستيطاني وغير ذلك من “الاجراءات التي تنسف عملية السلام” ، ومعالجة الاسباب الجذرية للصراع ، واشراك المجتمع الدولي والامم المتحدة في البحث عن مقاربات جديدة لحل الصراع . ولم يصدر عن اوباما وفريق مستشاريه حتى الان اي اشارة صريحة الى اي توجه كهذا ، باستثناء تكرار اسطوانة بوش المشروخة عن “رؤية” حل الدولتين ومنح “عملية السلام” اولوية في سياستهم الخارجية .
ان الحد الادنى المقنع فلسطينيا للتفاؤل بحدوث “تغيير” نوعي في النهج الاميركي باتجاه تحول استراتيجي يتقاطع في الاقل مع “توصيات انصار السلام” اعلاه يتمثل اولا في رفع “الفيتو” الاميركي عن الوحدة الوطنية الفلسطينية او في تطبيقه بصورة تبادلية على من يمارسون ارهاب الدولة وعنفها ويجاهرون ب”الترانسفير” للعرب في الطرف الاخر .
ويتمثل ثانيا في وقف التدخل الاميركي في الشان الفلسطيني الداخلي والوقوف على مسافة واحدة من القوى السياسية الفلسطينية اسوة بالنرويج وروسيا وتركيا التي لا يوجد اي شك في دعمها ل”عملية السلام” وانسجاما مع انفتاح دبلوماسية واشنطن على المعارضات السياسية في العالم كافة الا في فلسطين .
ويتمثل ثالثا في رفع الحصار العسكري والاقتصادي والمالي عن قطاع غزة وفتح طرق القطاع البرية والبحرية الى العالم الخارجي ، ورابعا في رفع الحصار عن المدن الفلسطينية في الضفة الغربية واطلاق حرية حركة البشر والسلع فيها ، وخامسا في وضع “الانتقادات” الاميركية للتوسع الاستيطاني الاستعماري اليهودي موضع التطبيق فورا بالضغط على دولة الاحتلال للاستجابة الى مطالبات المجتمع الدولي المتكررة بوقف هذا التوسع ، وسادسا في ربط الثلاثين مليار دولار التي تعهد بها بوش لدولة الاحتلال على مدى عشر سنوات بالتزامها بتعهداتها في الاقل حسب الاتفاقيات الموقعة مع الجانب الفلسطيني .
كما يتمثل الحد الادنى المقنع فلسطينيا بان يحدث اوباما تغييرا نوعيا ، سابعا ، في التخلي عن “مبدا بوش” لعام 2002 الذي اطلق يد الالة العسكرية الجامحة لدولة الاحتلال حرة لتدعم جموحه الحربي في المنطقة بحجة الدفاع عن امنها ومحاربة “الارهاب” ، بداية ب”عملية الدرع الواقي” ضد السلطة الفلسطينية ثم بالعدوان على لبنان عام 2006 الذي دافع اوباما عنه باعتباره “حق مشروعا بالدفاع عن النفس” ، ويتمثل ثامنا في توجيه نقد لاسرائيل ولو لمرة واحدة فحتى سلفه بوش قد فعل ذلك !
*كاتب عربي من فلسطين