علي الجفال*
انفضّ سامر الانتخابات الأمريكية بفوز ساحق لباراك أوباما على منافسه الجمهوري جون ماكين، ودون أن نقلِّل من شأن كاريزما أوباما وحضوره وثقافته، فإن الفوز الحقيقي هو لمطلب الشعب الأمريكي بالتغيير، بعد أن عصفت سياسات بوش بقيمه الديمقراطية، وحطّمت صورة بلاده في أرجاء المعمورة من خلال تصديرها للموت والدمار اللذين حلاّ بالشعوب التي نزلت عليها لعنة (الديمقراطية الأمريكية) في العراق وأفغانستان، كما أن سياسة بوش الحمقاء عصفت بالاقتصاد الأمريكي، وأوصلته إلى حافة الركود، ما نتج عنه فقدان الملايين من الأمريكيين لوظائفهم ومدخراتهم ومساكنهم، وبدؤوا العيش تحت وطأة الخوف من الغد بعد أن كانت أمريكا تباهي البلدان المتقدمة برفاهية شعبها.
وبعيداً عن مساجلات الهامش الذي يمتلكه أيّ رئيس أمريكي في صناعة قرارات واشنطن، فإني أجزم أن أوباما سيكون قادراً على صياغة سياسات أمريكية جديدة، خاصة في ما يتعلق بملفات سياستها الخارجية،إذ إن الرجل الذي حظي بكل هذا الزخم الشعبي يعي أنه مطالَب من الداخل الأمريكي، ومن العالم أجمعه، على السير عكس اتجاه الرئيس بوش، مما يعني أن رسم خرائط الطريق، في ما يتعلق بمختلف الأزمات وبؤر التوتر العالمية، ستكون أكثر يسراً له ولإدارته، فهو معنيّ، ووفاءً لخطابات حملته الانتخابية، بالحوار مع سورية، مما يؤدي إلى إيجاد حلول مشتركة لأزمات المنطقة، إذا ما أُخذ بنظر الاعتبار تجربة بعض الدول الغربية التي أيقنت أن مفتاح تلك الأزمات موجود في سورية، وأن الطريق إلى حلّها لا بدّ أن يمرّ في دمشق، كما أن تأكيده على أن العوائل الأمريكية بانتظار عودة أبنائها من (صحراء العراق وجبال أفغانستان)، يعني أن الرجل عازم على سحب قوات بلاده من العراق، وضمن مسؤوليات بلاده القانونية والأخلاقية فإنه بالتأكيد لن يتخذ هكذا قرار دون حسابات دقيقة لمرحلة ما بعد انسحاب تلك القوات، والحلول الناجعة لهذه المرحلة موجودة وجاهزة في ملفات المجلس السياسي لفصائل المقاومة العراقية. وما عليه إلا أن يتحاور معها لتنفيذ ما يُتفق عليه بهذا الشأن.
الأزمات في المنطقة والعالم متعددة، وحلولها متوفرة إذا ما تقابلت الإدارة الأمريكية الجديدة مع من يعنيهم أمر تلك الأزمات، والمطلوب من هؤلاء تحرُّك حقيقي باتجاه هذه الإدارة ليكون اللقاء في نقطة ما من المسافة بين الطرفين، وعدم الركون إلى ردود الأفعال التي تلي أفعال الآخرين.
*رئيس تحرير جريدة المدار