بقلم: محمد أبو علان
إذا كانت التحضيرات للحوار أخذت كل هذا الوقت وهذا العدد الكبير من الجلسات الثنائية والجماعية والتشاورات الفردية، فكم من الوقت سيستغرق الحوار نفسه؟.
اليسار له ملاحظات على الورقة المصرية ولكن هذه الملاحظات لليسار وهذا الموقف ليست ذات أهمية كون واقع اليسار الفلسطيني في موضوع الحوار الداخلي أشبه بواقع شاهد الزور الذي يتخلى عنه صاحبة مع انتهاء القضية.
وحماس تعتبرها ورقة للنقاس وليست ورقة للحوار وما بين المفهومين هوةٌ واسعة، ناهيك عن سلسلة المطالب التي تعرضها حماس قبل بدء الحوار والتي تتمثل بإطلاق سراح أبنائها من معتقلات السلطة الوطنية الفلسطينية في الضفة الغربية.
حركة فتح والرئاسة الفلسطينية وحكومة سلام فياض تعتبرها ورقة جيده للحوار، ومدخل جيد في طريق رأب الصدع الداخلي الفلسطيني.
بمعنى آخر لا يوجد توافق بين كافة الأطراف الفلسطينية على الورقة المصرية، وإن بقيت الأمور والنقاشات تدور حول مدى القبول من عدمه بهذه الورقة لن يُقدر للحوار الفلسطيني – الفلسطيني أن يرى النور على المدى القريب.
والموقف على الأرض أصعب بكثير من المواقف النظرية حول الورقة المصرية، فكل طرف من طرفي الصراع الداخلي الفلسطيني يعتبر نفسه الأقوى، فبات لكل دولة من دولتينا جيش وأجهزة ومعتقلات وإعلام ومنظرين.
ولكن الحقيقية التي يجهلها الطرفان أو بالأخرى يتجاهلونها أن الطرفين أضعف مما قد يتصورون، فالكل منهم واقع تحت رحمة الاحتلال، ففي حلهم وترحالهم الاحتلال هو صاحب القرار الأول والأخير، فالاحتلال هو من يتحكم بالمعابر والمياه والكهرباء والدواء والطعام، والهواء فقط هو الذي يصلهم دون إذن وموافقة الاحتلال.
وراعي الحوار ليس وسيطاً نزيهاً، وأول مؤشرات ودلالات عدم النزاهة هو مشاركته الفاعلة في فرض الحصار على قطاع غزة، فهو من يمنع خروج المرضى للعلاج، ويمنع الطلبة من الخروج لاستكمال دراستهم، ويمنع وصول الدواء والطعام والمحروقات لقطاع غزة، وهو من يمنع وفود التضامن العربية والدولية من الوصول لقطاع غزة للإعراب تضامنهم ودعمهم لسكان غزة في ظل حصار ظالم وغير مبرر، وفود يمنعها راعي الحوار ويسمح لها الاحتلال !!!!!.
ولو كان راعي الحوار نزيهاً ومعنياً باستقرار الوضع الفلسطيني لأجتمع مع كافة أطراف الحوار الفلسطيني وحوارهم ونقاشهم في محتوى وبنود ورقته للحوار الداخلي الفلسطيني، لا أن يُعد ورقة الحوار ويحاول فرضها على الجميع دون الأخذ بملاحظاتهم وتوصياتهم بالشكل الذي يخدم ويسرع في الحوار، أما التعامل مع الموضوع على مبدأ take it or leave it ليس فيه من الحيادية والنزاهة بشيء.
وفي التحضيرات للحوار هناك عنصر أساسي غائب ومن دونه لن يكون حوراً ناجحاً، وهذا العنصر هو الجماهير الفلسطينية، جماهير تتعامل مع موضوع الحوار بإحباط إن لم تكن بلادةٌ مطلقة، فمن دون أن تقف هذه الجماهير بالملايين في الساحات والميادين في الوطن وفي الشتات لن يتحرك السياسيين بجدية تجاه هذا الحوار، وسيبقى كل طرف منهم يجلس في برجه العاجي ينادي بالحوار ويسير في الاتجاه المعاكس منه.
ومن قراءة لهذه المعطيات المتعلقة بمواقف أطراف الحوار الفلسطيني – الفلسطيني، وبمواقف الراعي لهذه الحوارات نستطيع أن نجزم بأن أفضل نتيجة سيحققها هذا الحوار هي المراوحة في مكانه في أحسن الأحوال، وفي أسوئها ستذهب التحضيرات وورقة الحوار أدراج الرياح وتعود الأطراف كلٌ إلى موقعه ومعسكره محملاً الطرف الآخر مسئولية فشل الحوار، وسيشكل هذا الواقع العودة للمربع الأول، وعلى الشعب الفلسطيني الاستمرار في معناته إلى إشعاراً آخرا.
بالتالي ما دمنا غير قادرين على إدارة حوار فلسطيني داخلي على الأرض الفلسطينية دون تدخل أي طرف آخر لن يكون بمقدور كل الوسطاء جسر هوة الخلاف الداخلي الفلسطيني ولنا في تجربة اتفاق مكة خير شاهد وأفضل دليل على هذا الموقف.