فى وقت يشهد الاقتصاد العالمى “تباطؤا سريعا” بسبب فضيحة القروض العقارية، ليس بوسع الرئيس المنتخب باراك أوباما فعل الكثير وإن اخذ فترة أطول من المتوقع. فانتظار حكم فى ظل الرأسمالية المطلقة والتغيرات النموذجية قد يطول. أما النشوة فتتجه إلى الانحسار، ويبقى التصرف بسرعة لحض العالم على الالتزام ضرورة.
لم يحصل فى التاريخ أن أثارت عملية انتخابية هذا القدر من الاهتمام حول العالم. ومن الواضح أن العالم كان يؤيد السيناتور باراك أوباما. والمطلوب اليوم هو طريقة جديدة فى التفكير، وليس الترقيع.
ويمكن للرئيس المنتخب فى الفترة الممتدة حتى 20 كانون الثاني/ يناير المقبل أن يفيد من الاستماع إلى البروفيسور جيمس إل. أولدس، رئيس قسم علم الأعصاب فى معهد كراسنو الجامعى جورج مايسن. هكذا، سيسمع ويناقش موضوع التقدم الفكرى المحير الذى ما زال مسألة سرية. ويمكن أن يشكل “مشروع العقد الوطنى للفكر” توقيع أوباما وعلامته الخاصة، كما طبعت الخطوة الأولى للبشر على سطح القمر حقبة الرئيس الأسبق جون كينيدي.
الطريقة الوحيدة فى هذا العالم غير القابل للحكم فى ظل الديموقراطيات المعطلة تكمن فى التفكير بالمستحيل، والتصرف بعفوية تاركين الخصم وراءنا على الدوام، لاهثين لإدارك انفاسنا.
هذا ما خلص إليه الرئيس المصرى الراحل أنور السادات بعد قراءته سيرة أعظم قائد فرنسى منذ نابوليون، الجنرال شارل ديغول. فهذا الفرنسى الطويل الذى يشبه بمظهره المتشامخ جملا مقبوضا كما وصفته مجلة “تايم” نجح فى إخراج فرنسا من حرب دامت 8 سنوات مع الجزائر، متجاهلا بذلك غالبية شعبية فرنسية ظنت أنه سيحتفظ بتلك البلاد الممزقة كجزء من فرنسا.
وتجاهل ديغول دستور الجمهورية الرابعة ليطلق الجمهورية الخامسة بدستور جديد أعطى فرنسا الاستقرار ودفع بها الى المراتب الأولى بين دول العالم الديموقراطية.
واذ منح بلاده مناعة نووية مستقلة، أخرجها من منظمة حلف الشمال الأطلسى عام 1966 واستخدم مهاراته الخطابية ليقوض الجهود الحربية الأمريكية فى فييتنام.
ولا يسعنا تجاهل أن ديغول خلص بلاده من اعتمادها على التفكير الامريكى الجيوسياسى غداة الحرب العالمية الثانية، أحببناه ام استخففنا به.
كان السادات، الذى افتقر الى الخبرة السياسية والصرامة، نائبا فى الظل للرئيس جمال عبد الناصر، الملقب بـ”صلاح الدين” الجديد فى العالم العربى والمعبود من الجماهير فى 21 دولة عربية.
وبعد رحيل عبد الناصر المفاجئ بمرض فى القلب فى أيلول/ سبتمبر 1970، بدأ السادات وهو بعد مبتدئ كما أوباما اليوم بالتفكير فى المستحيل، كتوقيع سلام مع اسرائيل.
لكن رئيسة الوزراء الإسرائيلية فى تلك الفترة غولدا مائير لم تبد اهتماماَ بذلك، واخطأت فى قراءة اشارات السادات على اعتبار انه “مجرد دمية فى ايدى السوفيتيين”.
وتشكل أزمة ميونيخ عام 1938 المثال الكلاسيكى على أن العالم يكون غريبا عندما يسيء رجال الدولة ونساؤها فهم الإشارات، بعدما ادت الى مقتل 60 مليون شخص فى الحرب العالمى الثانية.
فقد أدرك السادات أنه اذا منى جيشه بخسارة فادحة فإن العاهل السعودى الملك فيصل سينفذ تعهده السرى بفرض حظر نفطي، وهذا ما فعله.
وقد أدى ذلك الى اعادة تحديد موازين القوى، مما سمح لهنرى كيسينجر بممارسة سحره الديبلوماسي.
وهل يمكن لأوباما ولخلف كيسينجر الجديد ممارسة السحر نفسه لإقامة “دولة فلسطينية قابلة للعيش” كما تعهد الرئيس جورج بوش؟ نعم، شرط أن ينظر إليها كواحد فقط من الحجارة العديدة فى لعبة الشطرنج ثلاثية الأبعاد هذه.
div>
فاسرائيل، والدولة الفلسطينية المنتظرة ومعها مصر، المملكة العربية السعودية، ايران، العراق، باكستان وأفغانستان كلها متشابكة بقدر يعجز معه الخلاص.
فقدر إيران ان تصبح قوة نووية، ولو قررت الحكومة الاسرائيلية الجديدة فى الربيع المقبل – برئاسة “الصقر بيبي” نتنياهو – ضرب طهران. وهذا احتمال كان ليكون واردا جدا لو فازت بطاقة السيناتور ماكين وساره بايلن “ليبرمان” فى تسلم الإدارة الامريكية.
وكان ضرب ايران المفترض سيطلق العنان اوتوماتيكيا لردود وهجمات خليجية واسعة، بفضل “قدرات” ايران الحربية غير المتوازية. فبوجود اربع قوى نووية من اصل ثمانية فى العالم الى شمال ايران، وغربها وشرقها، لن يردع أى تهديد او حافز الثيوقراطيين فى طهران.
عليه، فإن الهدف الأولى لأوباما يجب أن يتناول الحد من الانتشار النووى فى المنطقة الممتدة من مصر والمملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي.
وهذا لا يتم الا بإعطاء ضمانات أمنية للدول العربية التى تعتبر نفسها مهددة من ايران، شبيهة بمعاهدة الشمال الاطلسى التى طمأنت الدول الاوروبية الغربية خلال الحرب الباردة الى ان أى هجوم يستهدف واحدة من الدول الاعضاء انما يستهدفها كلها.
ولم تستحضر الدول الاوروبية هذا الاتفاق المعروف ايضا باسم “البند الخامس من معاهدة الناتو” الا مرة واحدة، فى هجمات 11 ايلول/ سبتمبر 2001 على الولايات المتحدة الأمريكية.
ويمكن لإيران، أحكمها الملالى او الجنرالات او الديموقراطيون او القانون، ان تصنع تسويات على فلسطين او ان تفسخها “بفعل سيطرتها على حزب الله وحركة حماس”، ناهيك بحربى افغانستان والعراق التى تؤدى فيهما الولايات المتحدة الأمريكية دورا محوريا.
لذلك، يجب ان تكون ايران موضع الاهتمام الاول لمبادرات اوباما الديبلوماسية. وقد ردد الرئيس المنتخب مرارا انه لا يخشى التحدث الى العدو.
وستشكل ايران بداية جيدة – بدءا بارسال وفد رفيع فى مهمة غير معلنة الى العاصمة الدينية قم “شغل بيل ريتشاردسون منصب المندوب الامريكى الى الامم المتحدة وقاد مهمات سرية الى كوريا الشمالية وافغانستان ابان حكم حركة طالبان”.
هناك، بإمكانه لقاء المرشد الأعلى للثورة الإسلامية فى إيران آية الله على خامنئي، و هو زعيم رئيسى فى المنطقة قادر على اثارة المشاكل، والتباحث معه، بعيدا عن الاعلام.
فقد أدى الأخير دورا مساعدا عندما قررت الولايات المتحدة غزو افغانستان فى 7 تشرين الاول/ اوكتوبر 2001. فقد كانت حركة طالبان عدوا مشتركا. وفى العراق، قرر عدم اضعاف حكومة نورى المالكي، بل دعمها. ولا منطق فى انكار الحقيقة.