أسامة عبد الرحيم*
بلغ بنا الحلم مبلغه وحلقت بنا الأوهام كعادتنا عقب كل إنتخابات رئاسية أمريكية، وبلغت متابعتنا للحملة الإنتخابية حد لم يصل اليه الناخب الأمريكي المعني بها، حبسنا أنفاسنا مع أوباما، وشهقنا جميعاً مع مدير حملته الإنتخابية فور الإعلان عن فوزه، تعانقنا..وتقاذفنا العقالات والغطر.. وبعضنا تقاذف السراويل إبتهاجاً بفوز بن إفريقيا البار، وسليل العرق الإسلامي النبيل..!!
ونسينا في غمرة الفرح الطفولي أن هذا بالضبط ما فعلناه عند تنصيب بوش الذي نفض جيوبنا –نحن العرب- تماماً وسرق أموالنا المودعة في بنوك بلاده وأعلن الإفلاس قبل رحيله مكافأة لنا –نحن العرب أيضاً- على وفائنا لإدارته وتأييدينا لها في حربها علينا نحن العرب..!
تماماً كالعصفور الذي يبحث عن رزقه في فك التمساح وهو لا يعلم أنه –ورغم حكمته وفرط ذكائه- يمثل وجبة “تك واي” للتمساح الأمريكي الذي يستمتع كل مرة بذكاء العصفور وحكمته وطعمه النفطي اللذيذ مع قليل من الكاتشب الأمريكي لتحسين الطعم.
وكالات الأنباء العربية محمومة ومشغولة بمتابعة خطوات الرجل ونائبه اليهودي المتصهين جوزيف بايدن، يدخلون معه المرحاض في قلق، ويصفون غسل يديه وإستعماله المنشفة، في إنتظار ساعة الحسم التي حلت وفاز الرجل الأسود الأفريقي ذي الأصول الإسلامية – التي تبرأ منها- وكأن مصيبتنا في العقربة السوداء كونداليزا رايس لم تقنعنا أن الظلم له وجه أبيض وآخر أسود .
الأخوة المتفائلون الأن في إنتظار أن يسرج السيد أوباما حصانه الأبيض ويصطحب معه بان كي مون ويمتشق سيفه ورمحه ويسير هو وإدارته الجديدة الي بيت الحرب والإرهاب الأمريكي (البنتاجون) وهناك تضرب الأبواق وتدق الطبول، ويقف أوباما أمام أبراج قلعة الشر ويخرج اليه سفير جهنم “روبرت جيتس” ليسأله عما يريد.
وهنا ينطق السيد أوباما بلسان عربي مبين وهو يواجه الجمهوريين والمحافظين، وعن يمينه يقف الدمشقي وعن يساره عيسى الغواص، في مشهد يعجز عن إخراجه الراحل يوسف شاهين ويقول:” مبارك حسين اوباما..عبد الله وخادم العرب..نطالبكم بالرحيل عن جزيرة العرب..ومغادرة جنودكم اليهود لبيت المقدس..وفك الحصار عن غزة..والكف عن دعم الأنظمة العربية المستبدة..وترك العالم يقرر مصيره بنفسه..وعدم إفتعال الأزمات العالمية في الإقتصاد والغذاء والحرب..إلخ إلخ”..!!
لقد كانت أول قصيدة “أوباما” كفراً حينما اكد فور فوزه التزامه العميق – أكرر العميق- بالحفاظ على امن كيان الاحتلال الصهيوني، وتعهده لرئيس وزراء الاحتلال ايهود اولمرت خلال اتصال هاتفي بينهما عقب إعلان الفوز انه سيفي بجميع الوعود التي قطعها خلال زيارته لتل ابيب، وهي وعود تضمنت المزيد من المال والسلاح والدفاع الإستراتيجي المشترك، وهنا سؤال مهم ..دفاع ضد من؟!.. نحن العرب..وربك يا اوباما قل إنك تمزح !!
هذه التصريحات الأوبامية جاءت لتؤكد للعرب الذين عاشوا فرحه النصر وكانها نهاية حقبة بوش “قلب الأسد” وبداية حقبة أوباما “الناصر صلاح الدين”، بان الواقع المنتظر في ظل تخاذل العرب عن نصرة قضياهم بأنفسهم اقوى واقسى، وان أوباما لن يتنظر طويلا انتهاء الافراح والاعراس، حتي يمضي في خطط المؤسسات الأمريكية التي إختارته ومولت حملته الإنتخابية وتعتمد على إطباق الهيمنة والسيطرة على العالم واقتصاده وقدراته، سواء كان اوباما في مخدع البيت الأبيض أو حتى ماكين، الفرق فقط في اللهجة السياسية والتعبير الحضاري عن الهمجية الأمريكية.
لقد ودعنا بوش وإدارته بوابل من المصائب والنكبات الإقتصادية والعسكرية من أفغانستان والعراق وصولاً الى غزة ورام الله، ومع ذلك ملأنا جيوبه من أموالنا قبل رحيله ورقصنا معه العرصة، وأتخمنا خزانة بلاده بـ”ريالاتنا”، وأكرمنا جنوده المنتشرين بين مخادع نسائنا، وكممنا أفواه بناتنا المغتصبات خشية أن توقظ العلوج المستبحين كرامتنا، وعلينا الأن ان نستقبل بذات الحفاوة المنقذ العظيم “الناصر” مبارك حسين أوباما، حقاً اننا ببساطة أمة إحترفت الترحيب بجلادها..!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*كاتب وصحفي مصري