جمال الدين حبيبي
لم يستسغ البعض كتاباتي الأخيرة، التي عارضت فيها تعديل الدستور تحت ذريعة حماية رموز الثورة، واعتبروا مواقفي هذه لا تصبّ في خانة الدفاع عن مكتسباتنا الثورية، وإنني أتفهم دواعي القلق عند هؤلاء، لكنني أفهم جيدا بالمقابل، أن دعوة كهذه تأتي بعد مرور أكثر من نصف قرن على اندلاع ثورتنا المباركة، وبعد 47 سنة من حصول الجزائر على استقلالها، وفي زمن ودّعنا فيه غالبية الوجوه المعروفة في ثورتنا التحريرية، وفي وقت ظهر فيه جيلان بعد الاستقلال، ذاقا من مرارة الحقرة والتهميش ما دفع غالبية المنتمين إليهما إلى الفرار من الجزائر، ومن جحيم الحياة الذي صنعه بعض من ادعوا أنهم ساهموا في تحرير البلاد.
إن الدعوة لحماية رموز الثورة في هذا التوقيت ليست بريئة على الإطلاق، وهي تخفي في باطنها محاولة جديدة للسمسرة والبزنسة بماضينا الثوري من قبل من تآمروا على الرموز الثورية واغتالوا العديد من قادتها، وإنني إذ أقول ذلك فليس من باب المغالاة، لأنني هذه المرة قررت الكشف عن بعض الوثائق السرية، التي تظهر حجم المؤامرة التي حيكت ضد بعض قادة الثورة بهدف تصفيتهم وفسح المجال لسيطرة «جماعة وجدة»، فإحدى هذه الوثائق المؤرخة في 30 جانفي 1962 والتي تمثل مراسلة من المخابرات الفرنسية إلى رئيس الجمهورية الفرنسية والعديد من الهيئات الأمنية، هذه الوثيقة تؤكد أن الشرطة المغربية أطلعت المخابرات الفرنسية على أن هواري بومدين أرسل كوموندوس مشكل من 08 رجال لاغتيال كل من الميلود حبيبي، محمد بن أحمد المدعو السي موسى، وزبانة صحراوي، وهم كلهم من قيادة الثورة بالداخل، ويشكلون الجناح المعارض لسياسة قيادة الأركان بوجدة، وفضلوا اللجوء إلى العاصمة المغربية الرباط، للجهر بمواقفهم الداعمة للحكومة المؤقتة، وقد قاموا آنذاك بالاتصال بكل مراكز ثورة التحرير في المدن الداخلية المغربية، بغرض تنبيهها لحجم المؤامرة التي تخطط لها جماعة وجدة، ضد قادة الثورة في الجزائر.
محاولة اغتيال هؤلاء القادة باءت بالفشل، كما فشلت قبلها محاولات أخرى لاغتيال السي الميلود حبيبي بمدينة أحفير المغربية سنة 1959 مباشرة بعد انتهائه رفقة القائد الثوري مستغانمي محمد المدعو رشيد، والقائد علالي يوب، من تأسيس قيادة الحدود الغربية، فالسي الميلود رحمه الله أستدعي إلى مدينة أحفير بدعوى إخماد تمرد للجنود، على اعتبار أنه كانت له سمعة طيبة وكلمة مسموعة لدى جنود جيش التحرير الوطني، لكن بمجرد وصوله إلى أحفير تم اختطافه، واعتقاله ، وما إن ذاع خبر الاختطاف، حتى حصل تمرد كبير في صفوف الجنود، وتطلب الأمر تدخل القصر الملكي والقوات المسلحة المغربية للإفراج عن السي الميلود حبيبي.
جماعة وجدة التي استولت على مقاليد السلطة في جزائر الاستقلال، لم تنس تصفية حساباتها مع قادة الثورة في الداخل، وأسندت هذه المهمة للرئيس أحمد بن بلة، وميليشياته الخاصة تحت قيادة المدعو حمداش، فسنوات حكم بن بلة شهدت أبشع مؤامرة ضد قادة الثورة بالداخل، فالسي الميلود حبيبي رحمه الله وكما أسلفت الحديث عن ذلك في كتابات سابقة أرغم على معاودة حمل السلاح والصعود مجددا إلى جبال بني شقران ، في سنة 1964، وبعد مفاوضات عسيرة قام بها كبار قادة الثورة من أمثال هواري بومدين الذي انقلب على بن بلة في هذه القضية، وأحمد بن علا الذي كان آنذاك رئيسا للمجلس التأسيسي، قبل والدي رحمه الله السي الميلود حبيبي بالنزول من الجبل، والقبول بالإقامة الجبرية التي استمرت إلى غاية الإطاحة ببن بلة في جوان 1965.
هذه الحقائق التي كشفتها اليوم لا تشكل إلا قطرة من بحر حقائق الانقلابات على ثورة نوفمبر المجيدة وقادتها البطوليين، وهي الانقلابات التي حالت دون تحقيق أحلام الشهداء والمجاهدين، وبحكم أنني عايشت عن قرب مسلسل الصراع بين قيادة أركان جيش التحرير في وجدة المغربية، والحكومة المؤقتة، تولّدت عندي قناعة كبيرة بأن حالة الانتكاس التي تعيشها البلاد في زمننا هذا ما هي إلا نتاج حتمي وطبيعي للطعنات التي وجهت للثورة قبل وبعد الاستقلال، وأنه من واجبي اليوم أن أسلط الضوء على بعض الخانات المظلمة في تاريخنا الثوري حتى أبرئ قادة الثورة الحقيقيين، من المصائب التي تعيشها الجزائر المستقلة اليوم.
كما أنني سأكون مستعدا لمواجهة أيّ كان من قادة الثورة بالأدلة الدامغة، على صدقيّة ما كشفته وسأكشفه لاحقا، وفاء لرسالة شهدائنا الأبرار الذين ضحوا بحياتهم في سبيل أن يعيش الجزائريون أفضل مما يعيشون اليوم.
جمال الدين حبيبي