فلذلك من غير المسموح وطنيا وانسانيا واخلاقيا وسياسيا ان يفشل الحوار، وعلى جماهير الشعب الفلسطيني، ان تواجه بعزم واصرار أي محاولة لافشال الحوار، لانها ستدفع الثمن غاليا من لحمها ودمها وارزاقها وأمنها واستقرارها، كما سيدفع الوطن ثمنا اغلى حيث سيطول امد الحصار والاحتلال وعربدة قطعان المستوطنين وزيادة الاستيطان، وتشتيت الجهود، فيما العدو يعمل بكل جهده لتهويد القدس بشكل كامل، وتهميش قضية اللاجئين ونفي حق العودة، والقضاء على الانجاز التاريخي والاستراتيجي الذي حققه شعبنا على مدار عقود نضاله الطويلة باقامة دولته الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.
ولذلك يجب ان ينجح الحوار وعلى كافة الفصائل الوطنية ان تتحمل المسؤولية كاملة امام الله والتاريخ والوطن والشعب، وعليها الا تسمح بأي شكل من الاشكال بالفشل، فمستقبل شعبنا وآماله وطموحاته أمانة بين ايديهم. ويقع على فصائل اليسار بوجه خاص مسؤولية تاريخية كبرى في هذه المرحلة.. في مواجهة احتمالين سيفرض احدهما وجوده في الساحة الفلسطينية… اما المصالحة .. أو الانهيار. وجبهة اليسار مسؤولة الى حد كبير عن الفشل او الانتصار .
فلم تكن مثل هذه الفرصة التاريخية متاحة امام اليسار الفلسطيني في كل العهود، بحيث يحدد موقفه مستقبل الشعب الفلسطيني لسنوات، فالمرحلة والوضع الراهن وقسوة الواقع وخطورة تداعيات الانقسام ، تقول انه لم يعد مقبولا الا انحياز للوطن والشعب بكل وضوح وجرأة ، ولا مجال مطلقا للبقاء في موقع الوسيط .
ومع ان القلق الذب يسيطر على كل ابناء الشعب الفلسطيني والملايين من اشقائه العرب واصدقائه على مستوى العالم الا ان هناك ما يدعو للتفاؤل والامل بالنجاح، مستمدا من التأكيد الحازم والجازم من قبل معظم فصائل العمل الوطني على ضرورة انهاء حالة الانقسام وموافقتها وتثمينها لوجهة نظر القاهرة التي تضمنتها خطتها “المشروع الوطني الفلسطيني” للمصالحة.
وطالما ان الفصائل الوطنية الفلسطينية الاثنى عشر اتفقت على ان مسودة المشروع المصري للمصالحة يحقق الاهداف الرئيسية في المرحلة الراهنة ، وان الخلافات ليست في الجوهر وانما في بعض التفاصيل، فان تقدمها كفريق موحد الى جلسة الحوار سوف يشكل دورا حاسما في امكانية التوصل الى حل حقيقي.
ومن المؤكد ان توافق الفصائل الاثنى عشر واتفاقهم على مسودة المشروع المصري يعني ان غالبية ممثلي الشعب الفلسطيني جادون فعلا بانهاء الانقسام، وانهم حريصون فعلا على اعادة الوحدة للشعب الفلسطيني ارضا ومؤسسات، وعليهم ان يبرهنوا فعلا انهم قادرون على الانتصار على الذات وتغليب المصلحة الوطنية والارتفاع عن الجراحات والجزئيات، وانهم فعلا يمثلون شعبا عظيما اكتوى وما زال بنار الاحتلال والانقسام والاقتتال والحصار.
ونجد بدعوة السيد نايف حواتمة الذي يستحق كل تقدير واحترام على جهوده المكثفة ودوره البارز في انهاء الانقسام واعادة بناء مؤسسات الشعب الفلسطيني التي طالب فيها بالتوقيع على مشروع المصالحة الوطنية الذي قدمته الحكومة المصرية قبل الدخول الى جلسة الحوار دعوة صادقة وعملية جدا بل وضرورية لانه بغير ذلك وكما قال السيد حواتمه سوف يتحول المشروع المصري من مشروعا وطنيا للمصالحة الى ورقة للحوار وشتان بين الحالتين.
ففي اقتراح السيد حواتمه سيتم انهاء حالة الانقسام واعادة اللحمة الى الصف الفلسطيني، بينما في الحالة الثانية يعني اطالة امد الحوار الى شهور اخرى او سنوات وبمعنى اكثر وضوحا فان عدم التوقيع على مشروع المصالحة يعني الفشل .. وهذا يعني ترسيخ الانقسام مع كل ما يحمله من تهديد لامال وطموحات شعبنا.
ولا بد من الاشارة الى ان الحكومة المصرية تتحمل مسؤولية خاصة، فهي تقدمت بالمشروع بعد حوار دام اكثر من شهرين مع جميع الفصائل، وكل منها تقدم بوجهة نظره بشكل حر، ودون أي ضغوطات، وبناء على تلك الملاحظات صاغت الحكومة المصرية مشروعها، ولا شك انها اخذت بعين الاعتبار كافة وجهات النظر.
وبالتالي فلا يحق لاي من الفصائل ان يعتبره مجرد ورقة للحوار، لان الاقتراح المصري هو تجميع وخلاصة لكافة وجهات النظر، وبالتالي على الحكومة المصرية ان تقف بحزم امام من يحاول تفريغه من مضمونه بل الغائه والمطالبة بنقاش ما جاء فيه، لان في ذلك الغاء لكافة الجهود التي بذلتها الحكومة المصرية ممثلة بمدير مخابراتها العامة السيد عمر سليمان.
ولاننا ندرك ولم يعد خافيا على احد ان المشروع المصري لم تمت صياغته بالتشاور مع العديد من الحكومات العربية، ولم يتم اعلانه الا بعد اطلاعها ومباركتها له، فان الحكومات العربية التي سيحضر وزراء خارجيتها الجلسة الافتتاحية للاجتماع مطالبة هي الاخرى بعدم اتاحة الفرصة لفشل الحوار، واعادة الاوضاع الى ما قبل المبادرة المصرية التي استجابت لدعوة الرئيس محمود عباس للوحدة وانهاء الانقسام.
فالدول العربية ممثلة بالجامعة العربية عليها الا تسمح بالمناورات والالتفاف على الاجماع الفلسطي
ني والعربي وعليها ان تسمي الامور باسمائها وان تشير بوضوح الى الطرف الذي يعيق وحدة الشعب الفلسطيني جغرافيا ومؤسساتيا، وعليها ان تستخدم كل اشكال الضغط لفرض الوحدة، وهذا اقل ما يفرضه عليها الالتزام السياسي والاخلاقي والوطني والديني. وتفرضه مصالحها ذاتها ومصلحة الامن القومي العربي واستقرار المنطقة باسرها.
ان جبهة اليسار الفلسطينية (الجبهتين الشعبية والديمقراطية وحزب الشعب) تتحمل مسؤولية تاريخية في هذه الظروف المصيرية، فبالاضافة الى دورها في القاهرة ، فان عليها الالتزام وتنفيذ ما اعلنته في اجتماعها الاخير والذي جاء فيه ” تولي الجبهة أهمية كبيرة للجهود التي تبذل من اجل إنهاء الانقسام الذي لا يفيد احد بل يضر بالقضية الفلسطينية برمتها، وعليها ضرورة التحرك والخروج برؤية سياسية لجبهة اليسار وتجنيد المجموع الفلسطيني من اجل الخروج في فعاليات تضغط على المتحاورين في القاهرة من اجل الاتفاق وعدم السماح لهم العودة دون التوافق على جميع القضايا .
وفي الوقت الذي نناشد فيه جبهة اليسار ان تنفذ ما قررته في اجتماعها وما اعلنته في بيانها فاننا نثمن ونقدر قيام شخصيات مستقلة من علماء مسلمين ورجال دين مسيحيين وأكاديميين ورجال أعمال ومثقفين وكتاب وممثلين عن مؤسسات المجتمع المدني بالاعتصام في خيمة في ساحة الجندي المجهول وسط مدينة غزة لدعم الحوار الوطني ، بدءً من يوم السبت الماضي ، وحتى عودة المتحاورين من القاهرة .
وندعو كافة مؤسسات واطر وهيئات الشعب الفلسطيني ان تبادر الى اقامة خيم الاعتصام في كل مدينة وقرية ومخيم، وان يشارك بالاعتصام كل ابناء الشعب الفلسطيني، وان يبادروا الى تنظيم ما يستطيعوا من الفعاليات الجماهيرية للضغط على المتحاورين وايصال رسالة واضحة محددة لا مجال فيها للغموض مفادها يقول لن نغفر لكم الفشل ولن نقبل بغير المصالحة ولن تعودوا الى الوطن الا متحدين.
ان الايام المقبلة سوف تشهد حدثا مصيريا فاما المصالحة والوحدة وبناء الجبهة الداخلية وتعزيز صمود الوطن والشعب، واما المزيد من التشتت والفرقة والانقسام والاقتتال، والمزيد من تفتيت الوطن الى اشلاء وتوسعة الاستيطان وضياع الامال وتعميق اليأس والاحباط، وكل ذلك يحمل اخطارا عظيمة يجب ان تدرك قيادات الشعب الفلسطيني الذين سيلتقون بالقاهرة، ومعهم الحكومة المصرية والحكومات العربية باسرها مسؤوليتهم التاريخية .. والتاريخ لا يغفر لمن يفرض بالحقوق الوطنية وامال الشعوب ومستقبل الاوطان.