خرق غير مسبوق للتهدئة في غزة
رسالة للرئيس الأمريكي الجديد وللناخب الإسرائيلي ولنا
بقلم : زياد ابوشاويش
الخرق الاسرائيلي هذه المرة أتى صاخباً كصخب الانتخابات الأمريكية فأوقع سبعة شهداء في قطاع غزة بعد توغل وقصف غير متوقع في ظل التهدئة التي بقي على نهايتها ما يزيد قليلاً على الشهر.
صحيح أن الخروقات الاسرائيلية لم تتوقف منذ اليوم الأول لها وبذرائع متنوعة وخادعة إلا أن ما وقع بعد ظهر الثلاثاء الرابع من نوفمبر يوم الانتخابات الرئاسية الأمريكية واليوم التالي كان خرقاً من العيار الثقيل الأمر الذي يعزز الاستنتاج القائل بأنه خرق مخطط ويرتبط بتاريخ انتخابات الرئاسة الأمريكية، وكلنا نعرف كيف تم تدشين هذه الانتخابات بمجزرة أمريكا في البوكمال السورية ووضعها في سوق التنافس على الرئاسة حين أشار المرشح الجمهوري إلى صوابية العدوان على سورية وعدم قدرة المرشح الديمقراطي على أخذ قرار من هذا النوع لو كان في سدة الرئاسة. إن تصنيف حركة حماس على لسان المرشحين الرئاسيين ووضعها في خانة الأعداء والإرهاب يوضح هذه الزاوية من الرسالة الدموية في قطاع غزة المحاصر.
بالتدقيق في هذا العدوان الاسرائيلي ربطاً بالتهديدات التي أطلقها وزير الدفاع ايهود باراك، وحل الكنيست والدعوة لانتخابات جديدة واستطلاعات الرأي العام التي تشير إلى أن الخاسر الأكبر من وراء الدعوة لانتخابات مبكرة سيكون حزب العمل الذي يقوده وزير الدفاع بالذات يصبح من الواضح أن هذا العدوان يدشن حملة باراك وحزبه الانتخابية.
ولأن هذا الخرق الكبير يأتي أيضاً عشية الحوار الوطني الفلسطيني الشامل بالقاهرة الذي دعت إليه جمهورية مصر العربية على أساس المبادرة المصرية واعتمادها عربياً، وأجواء التفاؤل التي ترافق هذه المبادرة بخلاف الفترات السابقة، فإن الغارة الاسرائيلية إستهدفت ليس التوغل في قطاع غزة وقتل المقاومين فقط بل أيضاً التوغل في الخلاف الفلسطيني ومحاولة قتل المصالحة الفلسطينية عبر خلق حالة من التوتر والتصعيد تستهدف مسألتين: الأولى عرقلة خروج الوفود الممثلة للفصائل من غزة باتجاه القاهرة، والثانية إعادة خلط الأوراق من زاوية إيجاد ظروف أمنية خطيرة تستدرج حركة حماس للمزيد من التمسك ببعض الشروط الصعبة وإفساد جو الحوار بين الجميع، كما يمكن لهذا الخرق أن يؤدي لانهيار كل التهدئة ووضع كل الأطراف الفلسطينية أمام ظروف جديدة يصعب فيها الإستمرار في الحوار وحصر كل الجهد في الدفاع عن النفس.
إذن هناك جملة إستهدافات سعت اسرائيل لتحقيقها من وراء هجومها الدموي على غزة وأكثر من رسالة أرادت إسرائيل أن توصلها لكل الأطراف الفلسطينية والعربية والدولية، لكن الإستهداف الأهم والرسالة الأكثر وضوحاً كانت للداخل الاسرائيلي، ونحن نعرف كيف يستغل المسئولون الصهاينة مواقعهم خصوصاً في وزارة الدفاع من إجل رفع مستوى التأييد الشعبي في الكيان الصهيوني لأحزابهم عبر العدوان الوحشي على الطرف الفلسطيني سواء في الضفة أو في غزة ومحاولة طمأنة المجتمع الإسرائيلي المتطرف بأن بقاء حزب وزير الدفاع في سدة الحكم يؤمن الحماية الكافية لقطعان المستوطنين وبلدات إسرائيل الحدودية المعرضة لهجمات المقاومة الفلسطينية.
لقد كان قتل المدنيين الفلسطينيين والاعتداء الوحشي على مدنهم وقراهم وبلداتهم عنواناً مريحاً للمرشحين الإسرائيليين في لعبة الانتخابات الاسرائيلية، وشهدت معظم هذه الانتخابات سباقاً محموماً لتقديم الضمانات للمستوطنين عبر إراقة المزيد من دماء الشعب الفلسطيني كما اعتقال مناضليه وتشديد الحصار على مناطق سكنه.
من المرجح أن تبدأ وفود الفصائل الفلسطينية في الوصول للقاهرة خلال اليومين القادمين وهي تحمل آمال الشعب الفلسطيني أمانة في أعناقها تماماً كالحفاظ على حقوقنا الوطنية وعدم التفريط بدم الشهداء الذين سقطوا يوم انتخابات الرئاسة الأمريكية وكل من سبقهم من شهدائنا الأبرار، وأمام أعين الجميع هذا الخرق السافر لهدنة أردناها إستراحة مقاتل و
أرادها العدو من أجل خلق فتنة داخلية وهو اليوم يتجاوز كل التعهدات من أجل كسب ود الناخب الإسرائيلي من جهة ومن أجل إرباك الطرف الفلسطيني وتخريب عملية المصالحة من الجهة الأخرى ، والسؤال الذي يبرز في ظل كل المعطيات المتوفرة بين أيدينا وإدراك ما تريده اسرائيل من هكذا اعتداءات توقيتاً وحجماً هو : كيف يمكننا أن نعيد إرسال رسائلهم الدموية إلى المصدر بدايةً، ومن ثم كيف نفشل كل ما استهدفوه من وراء هذا العدوان وخصوصاً وضع نهايات سعيدة لحوار سيبدأ يوم التاسع من نوفمبر تشرين ثاني الجاري في القاهرة لنعود موحدين لمواجهة مزيد من الإعتداءات التي نتوقعها خلال الأيام القليلة القادمة والتي نرجح أن تستمر حتى الانتخابات الإسرائيلية في فبراير شباط من العام القادم.
أعلم أن الاستعدادات في قطاع غزة لصد اجتياح محتمل لكل القطاع أو لأجزاء واسعة منه تجري على قدم وساق، وإن كل الفصائل وضعت أجنحتها العسكرية على اهبة الاستعداد للقتال في أي وقت، كما أعرف جيداً إستعداد مقاومينا للتضحية للذود عن شعبهم وحقه في حياة كريمة وحفظ أمنه، كل هذا نعرفه ولكن الذي نرغب في رؤيته وترسيخه على الأرض هو وحدة الأداة عبر غرفة عمليات مشتركة موجهة من قيادة سياسية لا توفرها سوى مصالحة سريعة بين حركتي فتح وحماس والاتفاق حالاً على برنامج سياسي للقواسم المشتركة يدعم الاستعدادات العسكرية ويعزز ثقة المقاتلين في قادتهم ومستقبل تضحياتهم .
وأخيراً نعيد التأكيد كما في كل مرة على أنه يجب وقف المراهنة على المفاوضات مع العدو لثبات عبثيتها وعدم استعداد إسرائيل لتقديم أي تنازلات جدية في قضايا الحل النهائي، تماماً كالمراهنة على حيادية الوسيط الأمريكي أو نزاهته في هذا الإطار، وفي المقابل عدم تجديد التهدئة في غزة بدون توافق وطني فلسطيني يرسخ عبر حوار شامل وبعيد عن الفئوية ، تهدئة لابد أن تشمل الضفة الغربية ولا تستثنيها تحت أي ظرف أو مبرر.
زياد ابوشاويش