وفاء اسماعيل
* وأخيرا فاز باراك اوباما الديمقراطىعلى منافسه جون ماكين فى الانتخابات الرئاسية ووصل الى سدة البيت الأبيض رجل اسود ، ليدفع بأمريكا نحو التغيير والإصلاح ، وظهرت الرسالة واضحة وجلية من الشعب الامريكى الى عصابات المحافظين الجدد بأن لامكان فى أمريكا لتجار الموت والحروب ومصاصي الدماء ، ورغم انى لا أعول كثير على رواد البيت الأبيض فى حل قضايا الأمة الا إننا اعتبرنا وصول اوباما لكرسي الحكم فى أمريكا خطوة انتقال جريئة قام بها شباب أمريكا وكل الرافضين لسياسة هذا البوش الأرعن الذى شوه صورة أمريكا فى عيون العالم وحولها من دولة تحترم القيم الإنسانية ( على الأقل داخل محيطها ) الى دولة تسعى للهيمنة والسيطرة وتحاول فرض إرادتها خاصة على دول العالم الثالث بالقوة العسكرية بعد سقوط الاتحاد السوفيتى فى نهاية القرن الماضي ، وحولها الى دولة تنتهك سيادة الدول وترتكب من الجرائم ما تستحق عليه ان تحاسب أمام محاكم جرائم دولية .
هل يصلح اوباما ما أفسده كل من سبقوه ؟
* ان وصول اوباما للحكم يعتبر رسالة اعتذار من الشعب الامريكى الى كل الشعوب التى تضررت من السياسات الأمريكية الخاطئة فى عهد بوش وعصابات المحافظين الجدد ، ورسالة تتضمن رغبة الشعب الامريكى فى تصحيح مسار أمريكا نحو الديمقراطية الحقيقية وعودة حقيقية الى القيم الإنسانية بعض النظر عن قدرة اوباما فى النجاح او الفشل فى تنفيذ برنامجه الذى تعهد فيه اوباما أمام الشعب الامريكى من انه قادر بالفعل على الإصلاح او التغيير فهذا الأمر لا نريد ان نستبق الأحداث ونضع كامل ثقتنا فى هذا الرجل الذى يعتبر بنظر العالم اقرب الى الإحساس بالفقراء وبمعاناتهم لانه عانى فى مراحل حياته مثلما عانوا ..وبغض النظر عن النتائج المتوقعة منه وبعد دخوله البيت الأبيض فان الرسالة الى العالم قد وصلت والأمل معقود على مدى مصداقية اوباما وحزبه الديمقراطي فى تنفيذ الوعود التى وعدا بها الشعب الامريكى من ان اولى اولاياته عودة صورة أمريكا كما كانت فى الماضي واحة الديمقراطية والحارس الامين على القيم التى نادى بها الدستور الامريكى من العدل والمساواة والحرية ولكن هذه الرسالة هل تستطيع إصلاح ما أفسده بوش ؟ هل تستطيع محو صورة الخوف والفزع التى عاشتها الشعوب من جراء سياسات تلك العصابة التى حكمت أمريكا على مدى ثمان سنوات ؟ هل تستطيع تعويض الشعوب عما فقدته من أوطان وأعراض وأموال وساهمت فى تجويع وتشريد الملايين وضياع حقوقهم التى سابها الجندى الامريكى سواء فى العراق او فلسطين او الصومال او أفغانستان ؟ وهل تستطيع تلك الرسالة رد الحياة لملايين قتلوا تحت نيران الصواريخ التى انهالت على رؤوسهم من قبل الآلة العسكرية المدمرة والقنابل الذكية والغبية اى ان كانت تلك القنابل المحرمة دوليا ؟ ان الارث الذى سيرثه اوباما من تلك العصابة ثقيل ومجرد وصوله الى البيت الأبيض لن يكون حدا فاصلا بين عهد اتسم بالظلم والظلامية وآخر ينذر بفجر جديد تشرق فيه أضواء العدالة .. فالمعروف عن أمريكا وشعبها أنهم دوما يطمحون الى التغيير وهو ليس شعارا جديدا يطرحه اوباما ، والحزب الديمقراطي لا ننسى انه وافق بوش على قيامه بحرب استباقية ضد العراق خارج الشرعية الدولية ربما رغبة من الديمقراطيين فى دفعه نحو الانزلاق فى أزمات تعمل على تشويه صورة منافسيهم من الجمهوريين ، وربما رغبة فى استعادة نفوذهم الضائع عندما خسر الديمقراطيون مقعد الأغلبية بمجلس النواب الأميركي في انتخابات عام 1994 ، وربما رغبة فى السيطرة والهيمنة لفترتين متتاليتين على البيت الأبيض بعد ان فقدوا سيطرتهم تلك عام 2000م على يد بوش .. اى ان الأمر لا يعدو بنظري أكثر من عمليات صراع على السلطة بين اكبر حزبين فى أمريكا .. صراع محموم تشتعل نيرانه فى أمريكا ويكون وقود هذه النار المشتعلة شعوب لادخل لها بهذا الصراع من قريب او بعيد خاصة ان هذا الوقود يتمثل فى شعوب منطقتنا العربية والإسلامية .
* نعلم جميعا استياء الشعب الامريكى من سياسات حكامه ، ونعلم مدى مصداقيته فى الرغبة فى العيش بأمان داخل بلاده وخارجها ، ونعلم ان معظم الأمريكيين وقفوا ضد الغزو الامريكى للعراق ، ونعلم ان معظم المظاهرات التى عارضت الغزو كانت فى أمريكا ، ولكن الشعب الامريكى لا يعلم ان ساسة البيت الأبيض تحركهم مصالحهم الذاتية اكثر مما تحركهم مصالح الشعب الامريكى ، ولا يعلم قذارة الوسائل التى تستخدم لتحقيق تلك المصالح .. فتاريخ الساسة الأمريكان مليء بالجرائم التى يندى لها الجبين فهل يستثنى اوباما من كل هؤلاء لنعقد عليه الآمال العريضة فى إصلاح ما أفسده كل من سبقوه ؟ سؤال لن نجد أجابته الآن ولا نستطيع التنبؤ بما هو قادم خاصة لو علمنا ان الرئيس تحركه استراتيجيات حزبه ، وتحركه أيادي خفيه تسعى لتوجيه السياسة الأمريكية الى الوجهة التى تحقق أهداف خفيه لا يعلمها إلا خبراء فى أروقة ودهاليز السياسة والاقتصاد فى العالم … تماما كما كانت
تحرك بوش الذي وصف برعونته وغبائه.. والحزب الديمقراطي استطاع العزف على وتر مشاعر الشعب الامريكى عندما تم اختيار باراك اوباما لدغدغة مشاعر الأقليات التى عانت الكثير من جراء سياسة اليمنيين من الحزب الجمهورى ، ولعبت على الوتر لترسل رسالة للعالم ان امريكا مازال فيها بصيص امل للتصالح مع العالم الخارجى الذى فقد الثقة فى مكانتها باعتبارها الدولة العظمى التى لها الحق فى حكم العالم ، وباعتبارها القوة الاقتصادية التى لها حق توجيه الاقتصاد الى الوجهة التى تخدم مصالح الغرب .
تحرك بوش الذي وصف برعونته وغبائه.. والحزب الديمقراطي استطاع العزف على وتر مشاعر الشعب الامريكى عندما تم اختيار باراك اوباما لدغدغة مشاعر الأقليات التى عانت الكثير من جراء سياسة اليمنيين من الحزب الجمهورى ، ولعبت على الوتر لترسل رسالة للعالم ان امريكا مازال فيها بصيص امل للتصالح مع العالم الخارجى الذى فقد الثقة فى مكانتها باعتبارها الدولة العظمى التى لها الحق فى حكم العالم ، وباعتبارها القوة الاقتصادية التى لها حق توجيه الاقتصاد الى الوجهة التى تخدم مصالح الغرب .
* على اى حال لا يجب علينا ان نفرح بقدوم اوباما الذى حتما سيكون مقيدا بقيود الغرق فى برامج الإصلاح الداخلي سواء لصالح من ظلم فى عهد بوش من الفقراء وأصحاب الدخل المحدود ، او لصالح الطبقة الرأسمالية من أصحاب الشركات الذين يتخوفون على مصالحهم من هبة وانتفاضة الديمقراطيين التى ربما تخضعهم تحت الرقابة وتحد من نفوذهم وسيطرتهم على الاقتصاد العالمي وتزيد من حجم الضرائب التى كانوا يتمتعون بالإعفاء منها فى عهد بوش ومن المؤكد ان تلك الطبقة التى كانت قاعدة بوش التى ارتكز عليها ارتكازا زاد من توحشها فانه فى عهد اوباما لن تكون هى المحور الاساسى ولن تكون لها نفس النفوذ المسيطر كما كانت طوال عهد المحافظين الجدد .
* إما على الصعيد العربي والاسلامى فان فوز اوباما اسعد الكثير من الملايين من الشعوب العربية الإسلامية ليس حبا فى اوباما بقدر ما هو كرها فى وجه بوش اللعين ..وادخل الفرح فى قلوب الملايين املأ فى تحقيق وعده بانسحاب القوات الأمريكية من العراق وان فعل اوباما ذلك فبالتأكيد ليس حبا فى العرب بل رغبة فى انقاذ الخزينة الأمريكية من الانهيار بسبب تكلفة الحرب العالية ، وحتى لا يتهم من قبل الشعب الامريكى بالكذب والتضليل ، ولكن لا ننسى انه وعد أيضا بحفظ السيطرة على أفغانستان وزيادة العمليات العسكرية فيها وربما بزيادة عدد القوات هناك لضمان وجود النفوذ الامريكى فى الشرق الأوسط .. ونحن أيضا نضمن له زيادة العمليات العسكرية المقاومة لهذا الوجود .. فطالبان كما أثخنت قوات الناتو هناك قادرة أيضا على القيام بالمزيد من تلك العمليات ضد ه وضد قواته حتى يتم تحرير ارض الأفغان من دنس الاحتلال كما نجح الشعب الافغانى من قبل فى تطهيره من الوجود السوفيتي .
اما الأنظمة العربية المتحالفة مع الأمريكان فبقدر ما كانت سعادتها بوجود بوش بقدر حزنها اليوم على رحيله بعد ان تمتعوا كثيرا بحماية بوش لتلك الأنظمة الديكتاتورية ، وعاشوا أزهى عصورهم تحت مظلته وكانوا يأملون امتداد هذا العصر بوجود شبيه له وهو” جون ماكين ” ولكن خيب الله ظنهم وهاهو يخسر الانتخابات ويقر بالهزيمة .. وربما الشعوب العربية التى هللت لاوباما سعيدة بقدومه قد عبرت عن رغبتها فى رفع تلك الحماية عن تلك الأنظمة التى أذاقت شعوبها الهوان .. فهل حان الوقت فى ظل حكم اوباما وحزبه الديمقراطي للتخلص من هذا الهوان والظلم على اعتبار ان من كان يحميهم قد رحل وذهب الى مزبلة التاريخ كما يقال ام ان السياسة الأمريكية ستظل على حالها حامية للديكتاتوريات وداعمة للاستبداد الذى يحقق لها مصالحها ومصالح إسرائيل ؟؟ على العموم الحرية لا ينتزعها الا شعوب على قدر كبير من الوعي عليها استثمار الظروف الدولية والمتغيرات الجديدة لصالحها كى تنفض الغبار عن نفسها وتنتفض وتنتزع حقوقها من مغتصبيها تماما كما فعل الشعب الامريكى ، كما عليها ان ترفع صوتها فربما يكون لاوباما آذان تسمع صرخات تلك الشعوب التى لا تحتاج لا لمظلة امريكا ولا لمساعدتها بل هى فى أمس الحاجة لرفع يدها عن تلك الأنظمة فقط والشعوب كفيلة بها ، الشعوب ليست عاجزة عن تصحيح أوضاعها ولا عاجزة عن التغيير والاصلاح بل قادرة على ذلك ان توفرت لها الإرادة القوية التى تدفعها لهذا التغيير وقد أثبتت التجارب ان التغيير لن ولم يك يوما عبر الآلة العسكرية الأمريكية كما حدث فى العراق بل التغيير لابد ان يحدث من الداخل كما حدث فى أمريكا … فتهنئتنا للشعب الامريكى الذى نجح فى ذلك وتمنياتنا للشعوب العربية بان تخطو نفس الخطوة نحو إحداث تغيير جذري يحقق لتلك الشعوب العدالة التى غابت فى زمن ساد فيه القهر والظلم برعاية أمريكية يمينية متطرفة .
وفاء اسماعيل