أمريكا تغيرت أم (أوباما) سوف يغيرها
الكلمة التي تكررت وأدت لكسب أصوات الشباب الأمريكي (التغيير) والجملة السحرية التي قالها الرئيس الجديد أن قوة أمريكا لا تكمن في السلاح.
العالم العربي بدأ يستبشر للرئيس الجديد لكونه من لون بشرة مغايرة لجميع رؤساء أمريكا، وكأن للون أثر في تغيير الرأي الرسمي الأمريكي اتجاه القضايا العربية. ولعل الفلسطينيون سوف يرون سياسة أمريكية منحازة لهم وليس لإسرائيل. حتى إيران الإسلامية تتصور أن شبح الهجوم العسكري الأمريكي عليها يتحول لحوار سياسي هادئ. والحكومة العراقية والعديد من القادة السياسيين ينتظرون نتائج شهر العسل الأمريكي العراقي.
هناك حقيقتان فيما يخص الانتخابات الأمريكية حقيقة داخلية وحقيقة لسياسة خارجية. وطبقاً لهذا المنهج يختار المرشح جوهر حملته الانتخابية على أساس إحدى هاتين الحقيقتين ويبني سياسة العملية الانتخابية، وأن هذه المرة كان الفائز المرشح الذي صمم على أن السياسة الداخلية وأهميتها بحيث جعل هدف السياسة الخارجية من أجل انتعاش ورفاهية المواطن الأمريكي.
هذا ظاهر الحال، لكن هناك أمر مهم بخصوص أمريكا وهو أنها بلد المؤسسات ومن غير المنطقي أن يكون لرئيس منتخب جديد كل هذا القدر من التأثير والقوة بأن يغير سياسة واضحة المعالم ولقرون. أن تاريخ أمريكا حافل بقضايا وأزمات اقتصادية أم اجتماعية لكن مجمل الحلول اعتمدت على تحويل المشاكل ليتحمل العالم منه الجزء الأكبر أو بطريقة أخرى قبل أن تؤثر أي مشكلة على المجتمع الأمريكي تجد السياسة الأمريكية حلول من خلال نقل ساحة المعركة خارج الولايات المتحدة الأمريكية. وأن لجميع الحروب الداخلية والخارجية في العالم لأمريكا تدخل مباشر أو غير مباشر…ومن الخمسينات القرن الماضي كان الدور المهيمن للسياسة الخارجية الأمريكية بيد المخابرات والتغيرات كانت تحدث من خلال الانقلابات. كان هناك تغير لتحويل المسؤولية بيد البنتاغون والخارجية الأمريكية …حتى أنهم اتخذوا من الإعلام والتثقيف وغسل الأدمغة وسائل أخرى لتغيير الرأي العام العالمي لصورة أكثر إيجابية نحو السياسة الأمريكية.
الذي يهمنا سياسة الولايات المتحدة الأمريكية اتجاه العراق، وهو صلب الموضوع مع ظهور رئيس أمريكي جديد يؤمن بالتغيير ورفع شعار الحوار عوض السلاح خصوصا في المسائل الاستراتيجية نحو شرق أوسط جديد. وجزء من هذا المشروع هو العراق أو بالأحرى أعتبر العراق جسر العبور لتحقيق مشروع شرق أوسطي جديد. العائق الذي وقف أمام إنجاز المشروع في زمن جورج بوش الابن بعد أن بدأ خطواتها الأولى الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الأب…هي دول إيران وسوريا وحزب الله في لبنان. العراقيون أطراف ترى أنه يجب عليهم أن يكنوا كل الاحترام والتقدير للرئيس جورج بوش الابن لأنه حقق أمراً كان يراه البعض من المستحيلات وهو إنهاء فترة حكم البعث ودكتاتورية صدام. وقسم آخر يرى أن أمريكا حققت هدفاً كان يحلم بها هتلر…وأن سيطرة القطب الأوحد على العالم لا يتم إلا بإخضاع شبه الجزيرة العربية ومجمل دول الشرق الأوسط للحكم الأمريكي المباشر وشبه المباشر.
أنا لا أتفق مع الذين يرون الخير كله في الرئيس المنتخب الجديد…لأن أمريكا بلد المؤسسات ومن غير الممكن لا لهذا الرئيس ولا لغيره أن يتخطى جميع سياسات المؤسسات الأمريكية وضرب جميع الخطط الإستراتيجية بخصوص المنطقة وإنهاء الحلم الأمريكي الأكبر وهو تحقيق سيطرة القطب الأوحد على العالم فعلاً وعلى أرض الواقع وليس شعاراً أو من خلال الضغوط الاقتصادية والسياسية فقط. التغيير الذي يتحدث عنه أوباما هو تغيير الفكر الأمريكي وتغيير الفكر العربي المعادي لنظرة متفائلة وتعامل إيجابي لأنه أقل خسارة وله مردود أكبر…قد يحقق بعض الشيء، ولكن سرعان ما يحاط بمسؤولين ومستشارين وتتكاثر المشاكل الداخلية وتزداد التهديدات الخارجية على المصالح الأمريكية فيأخذ المسار المتعارف عليه وقد يستعمل القوة بشكل أكثر إفراطاً وأكثر بطشاً من أي رئيس سابق، وأتصور السبب أنه من جلده أخرى وهذه فرصة تاريخية لأفارقة الأمريكيين وحلم كان يحلم بها قادة سود منذ قرن أو أكثر.
هل أمريكا سوف تسحب قواتها من العراق في ضل الرئيس الجديد…كلا.
أن أهم ما يمكن قوله بخصوص العراق أن الاتفاقية الأمنية طويلة الأمد موقعة من توقيع السيد رئيس الوزراء العراقي والرئيس الأمريكي جورج بوش بما يسمى (المبادئ العامة) لكل الوضع الداخلي العراقي وطبائع المجتمعات العراقية غير مهيأ لقبول حدث ضخم من هذا الوزن…لأن في عقلية العراقيين أمريكا عدوة الشعوب…وأمريكا لم تفعل أي شيء في هذا الجانب. أوباما سوف يبدأ بالتغيير من خلال استخدام عاملين العلم والمعرفة للتحول العالمي الجديد. أوباما يحلم بحضارة عالمية جديدة متطورة…وهذا سوف يؤثر تأثير إيجابي على الوضع العراقي، ولكن بحاجة قادة سياسيين بمستوى العلم والمعرفة. وسوف نرى تغيير كبير في الأشهر الأولى، وسيكون انسحاب عسكري شكلي لكن سيشغل محل كل جندي جنديان بلباس مدني. حتى ولو أنهم يعتمدون على جيش آلي وتكنولوجيا حديثة تعوض الجيش وهذا التوجه الجديد.
وكل ما حدث وسوف يحدث سياسة أمريكا لا يمكن لرئيس أبيض أو ملون يشكله وإن كان له أثر ولكن من غير المنطقي أن يكون له تأثير كامل. أمريكا لم يبنيها شخص أو عدد من الرؤساء أمريكا في طفرتها العلمية والحضارية والاقتصادية وغزوها للفضاء والمحي
طات وأعماق الأرض بنتها إدارة ونظام في تطور دائم ومستمر وفق دراسات مستقبلية تتطلع للأفضل لشعوبها.
المخلص
عباس النوري
06/11/08