عن تجربة صحفي..!!
*كتب/ رداد السـلامي
على غير العادة أبدو اليوم أكثر إيمانا بأهمية استقلايتي وحريتي ، وامتلاكا لرؤيتي وإبداؤها دونما حساب لأحد ، أدرك أيضا صعوبة أن أبقى بلا انتماء سياسي ، أو منظومة غير انتمائي لهذا الوطن ، كصحفي أصبحت أرى أن الحرية لها مذاق آخر ، يمنحني نشوة الاحساس بإنسانيتي ويجعلني اتحدى كل خوف أوإرهاب يحاول أن يحد من حريتي في أن أكتب ما اريد واقول ما اريد وبما لايخدش بحق أحد .
الشعور الوحيد الذي ينتابني هو إحساسي الدائم والمتناغم بجمال الحياة مع الحرية ، وجمالها مع الكلمة الصادقة الشجاعة والقلم الذي لاتأسره حاجة تنتقص من رسالته وتحد من ايمانه بقضيته.
تنقلت من صحيفة إلى أخرى ..أنجزت ما أنجزت دون مقابل، وأحيانا بأجر زهيد لا يسمن ولا يغني من جوع..!! رئيس التحرير الذي عملت محررا في صحيفته بداية شكك في حريتي ، واعتبرها نوعٌ من الجنون أو الهذيان الذي يسبقه ، والثاني أشهرغضبه في وجهي صارخا بي ” لم اتفق معك في شيء، لاتعمل معي ” لأني تجاوزت سقف حرية الكتابة المحدد عنده والذي لايتعدى الكتابة عن من يحسبهم قامات وطنية وهم أهون مما يظن وبلاء هذا الوطن ، والثالث يتنكر لجهدك معه وتشجيعك له في أحلك الظروف حين وقفت معه لا املك سوى قلم وتفكير لأثبت لأقرانه من رؤساء التحرير الذين سخروا منه همسا وجهرا واحتقروا وجوده كمنافس قوي وأنه غير قادر على الاستمرار في إصدار الصحيفة بشكل منتظم ، والخامس وعد ولم ينجز وعده ، والسادس رغم ما أبداه من استعداد لأن يجعل لي وجودا مستداما عنده إلا أنه يبدو واجه العراقيل رغم ايماني بأن ما يقوله سيتبخر عند او تكوين له.
هي الحرية، تحتاج الى أن يمنحها الانسان بعضا منه : لحمه أو دمه ، أو حياته برمتها ، إذا ما اقتضت إرادة القتلة والطغاة ذلك ، إنه عصر كما بشر بذلك الصحفي الرائع فريد زكريا في كتابة ” مستقبل الحرية والديمقراطية “.
لكن ما يجعلك أيضا أكثر تفاؤلا بأن الحرية تزدهر وأن كابتوها يسنحقون تحت وطاة حضورها القوي المتزن هم قراءك الذين يقدرون قلمك وجهدك ويمدونك بإرادة البقاء لتستمر ، هم الذين يعاضدون الكلمة فمنهم من يرسل رسالة عبر بريدك الالكتروني، ومنهم من يلقاك مسرورا بك كأنه يلتقي بشيء مهم وثمين ، ومنهم إذ لم تكتب افتقدك ليرسال عبر الموبايل : أين أنت يا رداد افتقدنا قلمك ..؟!
حين تبدو بلا رصيد مادي يأتيك مدد الرصيد المعنوي المخزون في قلوب الناس على شكل : تشجيع ورسالة احتفاء وكلمة تقدير ونظرة احترام . تجد انك أغنى رجل تنتفخ رئتيك بهواء العافية وتستعيد حيويتك الذاوية بين أنياب الواقع الواقع الجبان الذي لايقدس سوى الاقوياء وذوي الحضور المزيف الباهت .
الكثير .. الكثير ما أود قوله لكن لاتسعني اللحظات الهاربة من سرب الزمن العابر ، الزمن الذي يسير نحو الناس العاديين ليصنعوا من أيامه تاريخ ومن ساعاته ذكرى لهم.
* صحافي يمني