لا أخفيكم سرا أنني كنت من الأوائل الذين ساندوا الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في حملة رئاسيات 1999 لا لاعتبارات شخصية أو جهوية أو حزبية، لأنني إذاك وببساطة كنت قد فقدت حزبي حزب الوحدة الشعبية التي حلّته السلطات، في وقت كنت أعالج فيه بالخارج، وفضلت أن أعود إلى بيتي، ورفضت المساومة بمواقفي، ليقيني أن اللاعبين بالسياسة آنذاك لم يكن يهمهم سوى إيجاد البيادق التي تزكي وتبارك شطحاتهم السياسية، وقد جاهرت والحمد لله بمواقفي الرافضة للمتاجرة بدماء الشعب الجزائري وكنت من الأوائل الذين دعوا إلى المصالحة الوطنية، وحقن دماء الجزائريين، بل وطلبت صراحة وجهرا من الرئيس السابق ليامين زروال إطلاق سراح شيوخ الجبهة الإسلامية للإنقاذ، وغلق معتقلات العار في الصحراء الجزائرية، ليقيني أن ذلك هو السبيل السليم لإخراج البلاد من الأزمة.
وحال ترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لرئاسة الجمهورية، توسمت فيه خيرا، ورحت ليس فقط أسانده وكفى، بل إنني وقفت في وجه من هاجموه من أمثال الجنرال خالد نزار، ودافعت باستماتة عن ماضيه ، ووصل بي الأمر إلى حد نشر مقالات للرد على من شكك في وطنيته وماضيه الثوري، لأنه ببساطة كان رفيق والدي القائد الثوري سي ميلود حبيبي رحمه الله، وكنت من هذا المنطلق أتوسم كل الخير في الرجل، وقبلت عرضه بأن أكون عضوا بمجلس الأمة للثلث الرئاسي ، لاعتقادي أن قربي منه سيساعده على تأدية مهمته، وسيمكنه من محاربة رؤوس الفساد والإفساد في الجزائر، فكان أن سلمته قائمة برؤوس مافيا العقار بولاية الغرب الجزائري، وانتظرت أن يتحرك لمحاربتها، وذهبت بعيدا عندما قدمت له ملفا حول تورط قيادات كبيرة في هرم السلطة في شبكات الاتجار بالمخدرات، وكان كل أملي أن يأمر الرئيس بفتح تحقيق حول القضية، لكنني تفاجأت لما فضل الرئيس الصمت، ولم يحرك ساكنا ليس بخصوص مواجهة مافيا المخدرات، وإنما للوقوف إلى جانبي في وجه الهجمات المضادة لرؤوس المافيا والتي مسّت حتى أبنائي وأفراد عائلتي، علما هنا أن أدوات الانتقام لم تكن تتشكل سوى من أبناء خونة ثورة نوفمبر، وللتدقيق أكثر أن المسؤول الأمني الذي كلف بمضايقة أبنائي، الكل يعلم أن أباه فرّ من تلمسان إلى وهران، هربا من انتقام المجاهدين منه، كما أن المسؤول التنفيذي بهذه الولاية لم يكن ماضي أبيه أقل وساخة من أب المسؤول الأمني، وهكذا وجدت عائلتي نفسها محل هجمات مركزة من أبناء خونة ثورة نوفمبر المجيدة، وهذا أمام مرأى ومسمع الرائد سي عبد القادر، الذي لم يكن آنذاك سوى رئيس الجمهورية لا غير..؟؟
اليوم أسمع وكغيري من المواطنين أن الرئيس، سيعدل الدستور للدفاع عن رموز ثورة نوفمبر، فعن أية رموز يتحدث؟ فقد داس الخونة كرامة المجاهدين وأبناء الشهداء والمجاهدين وأراملهم، ولم يحرك الرئيس ساكنا، وإنني إذ أقول هذا الكلام فمن موقع الشاهد والضحية، الذي فضل في وقت مضى رفض حضور مراسيم تسلم وسام الأثير، من يد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، احتجاجا على ما لحق بأسرتي من أذى وتحرشات أبناء الخونة، وموقفي هذا كان أقل ما كان علي فعله، لأن والدي المرحوم سي الميلود، ولمن لا يعرفه، اضطر إلى حمل السلاح والعودة إلى جبال بني شقران المجاهدة، شهر جوان 1964، بعدما داهمت بيتنا ميليشيات الرئيس الأسبق أحمد بن بلة، واعتقلت أخي الأكبر ضابط جيش التحرير الوطني حبيبي الصادق، الذي يعرفه الرائد عبد القادر عزّ المعرفة، كما أنني شخصيا نجحت في الفرار إلى المغرب، بفضل مساعدة بعض الإخوان المجاهدين، وما وقع لوالدي رحمه الله لم يسلم منه حتى الرائد محمد بن أحمد المدعو السي موسى رحمه الله الذي عشت معه سنينا طويلة وبالأخص منها تلك التي شهدت نشوب الصراع بين قيادة أركان جيش التحرير بوجدة المغربية والحكومة المؤقتة، والذي اعتقل في الفترة نفسها التي هوجم فيها بيت والدي رحمه الله، فالرائد سي موسى عذب وسجن وحكم عليه بالإعدام.
إنني إذ أستحضر هذه الوقائع التاريخية، فلأقول وببساطة أنه كان علي ليس فقط مقاطعة حفل تكريم والدي بوسام الأثير، بل كان لزاما علي العودة للكفاح المسلح للقصاص من الخونة الذين تطالوا على عائلة والدي سي الميلود رحمه الله، أمام مرأى ومسمع الرئيس بوتفليقة، الذي يمكنني أن أقول أنه انقلب بحق على ماضي الرائد سي عبد القادر، وهو اليوم ينقلب على الشعب الجزائري برمته.
شخصيا وبصفتي مجاهدا، وابن عائلة ثورية قدمت الكثير من التضحيات في سبيل استقلال الجزائر، لن أكون مرتاحا لأي تعديل دستوري يدّعي الدفاع عن قيم ومبادئ نوفمبر المجيدة، في وقت تداس فيه كرامة العائلة الثورية، وتفتح فيه أبواب السلطة لخونة الأمس وأبنائهم، فقبل الحديث عن تعديل الدستور لحماية رموز الثورة، كان أجدر وأولى الانطلاق في تطهير دواليب السلطة من العابثين بماضينا الثوري ليس إلا..
جمال الدين حبيبي