نصوص على خط النار
علي عبيدات
بالأمسِ كنتُ أبحثُ عن بلفور
في وجوه الناس
في لوحاتِ الإعلانات
في ضجيجِ الطرقات
في ثنايا قفزاتِ شرطي المناره
في صيحاتِ بائعات ورق العِنَب
في تسديدات طفلٍ يلهو بكرةٍ
في ملعبٍ على أطرافِ حاره
في وجه شرطيٍ يبحثُ عن ترقيةٍ
على عتبات وَزاره
ومُصلٍ قصدَ جامعاً في الظهيرة
بعد يومٍ حافلٍ بالخطايا
يبحثُ عن طهاره
وآخرَ يبحثُ عن تميمة عند دجالٍ
علّها تحميه
…..
كنتُ أبحثُ عن بلفور لأسئله
هو ومن أيَدَهُ من مجلسِ شيوخِ
بلادِ الشمس
عن جريمةٍ اقترفها
وعن وعدٍ أَعطاه
عن أوراقِهِ التي تُثبتُ
مُلكيَتَهُ أو أبيه
خالتَّه أو عمَّتهُ
شعبهُ أو أمتَّهُ
في وطني كي يُعطيه
………
أو إن كان لمليكتِهِ العجوز في قصرها
هناكَ في عاصِمَةِ الضبابِ
حصةٌ في مرجِ ابن عامرَ
أو عِنَبِ الخليل
في جرزيمَ وعيبال
أو شجرةِ برتقالٍ في الجليل
أو إن كانت قد عَزَفت موسيقاها الغربية
لعناقِ مأذنةِ جامعٍ وجرس كنيسةٍ
في وطني… كي تُهديه
…..
فلتسألوا لي بلفور
إن كانت بياناتُ شجبِ
السادة المسؤولين في الذكرى
وتصريحاتُ التنديدِ
المبثوثةِ عَبرَ كلِّ الأقنية
الواحدة تلوَّ الأُخرى
وخطبةُ تنديدٍ لجمهورِ صُمٍ
ولوحةُ بكاءٍ رسمت لأعمى
…تُغضبهُ أم ترضيه؟
….
بلفور في كل عام
يطلُ عليهم في تشرين
ككابوسٍ يفيق امرءٍ من رحلة أحلام
يطلُ عليهم مُشمِراً ومُذكرا
كشرطي بزغ لسائقٍ تجاوزَ الخطَ ا
لأصفرَ
لأصفرَ
على حاجزٍ نُصب في وسط زحام
ليفسد على مليكٍ حفلتَهُ الراقصة
ويعكرَ على مسؤولٍ حفلَ تتويجه بدكتوراه فخرية
من “اكسفورد” أو “كامبريدج”
ولأميرٍ أشهرَ شاربيه
عند سماع
قصة جده عنترَ من إحدى جواريه
……
بالأمسِ كنتُ في رام الله
تضجُ بالناس كعادتها وتبتسم
أخوةٌ يجوبون الشوارع
وجدلً يجوبُ الشوارعَ ايضا
يبحثُ عن رفاق
وطلبةٌ يبحثون عن وظائف
وآخرون يلعبون دور العشاق
وامرأةٌ بثوبٍ مطرزٍ
تنادي على الزيتون في زقاق
واخرٌ يتصفحُ جريدتهُ مُحملقاً بحثا
عن شعبٍ في ذكرىً
كانت سببا في مآسيه
…….
آخرونَ في طوابقَ عُلوية
بالعادةِ لا أقصِدُها ولا تَطلبُني
يصوغون بيانات الشجب
وصحفيون هائمون على وجوههم
يبحثون عن مُسنٍ أو مُسنةٍ
ليُلعَنَ بلفور
واليوم الذي جاء فيه
……
وصحفيونَ آخرون كانوا مشغولين
بإعداد تقريرٍ عن فتيةٍ ربما فقدوا عُقولهم
وبدلاً من أن يلتقوا على مقهىً ليلعبوا الطرنيب
أو مكانا يقابلون فيه الحبيب
أو مجلسا يقلبون في الخفايا
أو “روفا” يغازلون فيه الصبايا
جلسوا على مداخلِ جامعاتٍ ليجمعوا تواقيعا
ليحاسبوا بلفور
ويطالِبوه بالتعويض عن
ستين من أعوام “التيه”
…..
صحفيون آخرون أيضا في غرف التحرير
يُكَبرون صغار الأخبار
ويُصغرون الكبير
مالين من أخبار الاقتتال
مشككين بنجاح الحوارِ
منهمكين في تجميع بيانات الشجب
وإعادة صياغتها
قُبيل طباعتها
كي تتماشى وقانونُ النشرِ المُبهَمِ
أو تُحاكيه
……
لا تَعُد مجددا يا بلفور
ابقى مكانك هناك في الجنةِ أو في النار
أروي ما فعلت لمن سبقوك
وزنج وافرنج
وعرب وعجم
ومرتدين ومشككين
إبقى أنتَّ هناك
مع أهل اليمين كنت
أو مع أهل اليسار
فقومي اليومَ قد ملّو من التذكار
مشغولون بتقسيم غنيمة لم تحقق بعد
ومُصابين بحمى الحوار
فسامِعُك اليوم أصم
فلا تناديه
أي حق لك يا بلفور في أرضي
كي تُعطيه