مع كل اشراقة شمس يخرج علينا اصحاب الفتاوي بفتوى جديدة، فما ان هدأ الصخب حول فتوى ارضاع الكبير، حتى فوجئ المجتمع العربي بفتوى زواج الرضيعة، وبعدها فتوى موديل الحجاب بعين واحدة، وقبلها جواز قتل اصحاب الفضائيات، وبينهما تحريم الزلابية، وقبل كل ذلك تنويع مسميات الزواج من مسيار وومصياف وفرند الى اخر المسميات واخر هذه الفتاوي واحدة تقول بجواز ضرب الزوجة لزوجها، واخرى نصيحة من استاذ ازهري يدعو فيها الى تحجب الرجال لدرء الفتنة وعدم اغواء واثارة النساء.
وفيما يتعلق بفتوى الضرب رحب رئيس لجنة الفتوى في الأزهر ، الشيخ عبدالحميد الأطرش، بفتويين، سعودية وتركية، تبيحان ضرب الزوجة لزوجها، دفاعا عن النفس، في حالات العنف الأسري.
ويأتي موقف الازهر بعد ايام قليلة على اصدار عضو مجلس الشورى السعودي الشيخ عبد المحسن العبيكان، فتوى اعطى فيها المرأة الحق باستخدام «وسيلة العنف نفسها التي يمكن ان تتعرض لها من الزوج، لرد الضرر عنها».
ودعمت الفتوى السعودية اخرى من تركيا، اذ اكد القيادي الإسلامي التركي البارز فتح الله غولن، الذي يقيم في الولايات المتحدة الاميركية، ان للزوجة الحق في ضرب زوجها دفاعا عن نفسها، وذهب غولن إلى اعتبار انه، «لو لم تدافع المرأة عن نفسها وترد ضرب زوجها لها بالضرب، فإن هذه جريمة اخرى. وعلى من يضربها زوجها ان تتعلم رياضات الدفاع عن نفسها، كالكاراتيه والجودو والتايكوندو ولو لطمها زوجها لطمة، فيحق لها ان تلطمه لطمتين، فهذا دفاع مشروع عن النفس»، مشيرا الى ان النبي، صلى الله عليه وسلم، لم يضرب زوجة له مطلقا.
وفي القاهرة، رحب الشيخ الاطرش، رئيس لجنة الفتوى بالازهر، بالفتويين، بحسب ما نقلته صحيفة المصري واعتبر الاطرش انه «يجوز للزوجة شرعا ان تضرب زوجها دفاعا عن النفس، ولكل انسان ان يدافع عن نفسه، ولا فرق في ذلك بين رجل وامرأة، او عظيم وحقير، لان الناس جميعا امام الله سواء، واذا تعرض انسان للضرب فلا يجوز له ان يسكت على ذلك.
ولا اختلف مطلقا مع حق الزوجة بان تضرب زوجها بالقبقاب وليس بالجودو والكراتيه اذا ما اعتدى عليها زوجها بالضرب، فالزوج الذي يضرب زوجته هو رجل همجي متوحش ويستحق الضرب من زوجته وابنائه وبناته وجيرانه، لكنني لا ارى ان الشيوخ ادعياء الدين هم من يحق لهم اجازة ذلك او منعه، فهناك دولة وقوانين وقضاء ومؤسسات هي المسؤولة عن التشريع وتنظيم العلاقات الاجتماعية والعلاقات الاسرية.
وفي عدد الاثنين من جريدة المصري اليوم خبرا اخرا مفاده أن استاذا في جامعة الازهر طالبالرجال بعدم لبس أي ملابس ‘نصف كم’ والبنطلونات الضيقة التي تظهر العورة، لدرءالفتنة، واضافت الصحيفة أن العميد السابق لكليةالدراسات الإسلامية بنات بمحافظة كفر الشيخ محمد أبو زيدالفقي قال في خطبة الجمعة في أحد مساجد المدينة إن قمصان الرجال ذاتالازرار المفتوحة والـ’تي شيرت’ نصف كم تثير إعجاب النساء بالرجال.
وطالب الفقيأيضاً الرجال اتباع النهج السلفي الذين يقصرون جلابيبهم ويكشفون جزءا من أقدامهم بارتداء الجوارب لعدمإثارة النساء ومنعا لإثارة إعجابهن.
وكان الاستاذ العظيم يدعو لفرض نوع من الحجاب الاسلامي على الرجال .. ففي دعوته تلك نوع من رفض لباس البنطلون والعودة الى الجلباب العربي ، وسيكون مثاليا لو عادت الازياء الاموية والعباسية الى حياة رجال المسلمين، فتلك الازياء لا يوجد فيها قميص “نص كم” ولا “تي شيرت” ولم يكن انذاك وجودا لجماعة السلف من ذوي الجلابيب القصيرة، ولم تكن سيقان ظاهرة سوى سيقان الفقراء، والفقراء في كل الازمان لا يثيرون غرائز النساء.
وهذه الدعوة لا تصدر عن امام مسجد في قرية نائية بل عن استاذ جامعي في مؤسسة انيط بها في فترات سابقة بث النور والعلم والفكر المستنير، الا يدعو مثل هذا الامر الى الاستغراب والاستهجان؟.
ولمعرفة حجم الفتاوي نشير الى ان
دار الإفتاء المصرية تعمل إلى تعزيز العمل بخدمة “الفتوى الهاتفية” التي يقوم بها مركز الاتصال التابع لها والذي تاسس عام 2006 ، حيث يصدر المركزحاليا نحو ألف فتوى عبر الهاتف يوميا، من بينها مائة باللغات الإنكليزية والفرنسية والألمانية، ويعمل الى إصدار نحو ثلاثة آلاف فتوى في المستقبل القريب.
والهدف من هذه الفتاوي ليس كما يظن البعض انها مجرد ارشادات دينية ودوافعها دينية ايمانية، بل ان الهدف الرئيسي لهذه الفاوي هو دافع سياسي وهو جزء من طموح التيارات والاحزاب الاسلامية للسيطرة على العالم الاسلامي واقامة نظام الخلافة حيث يسيطر رجال الدين على شؤون الحياة كافة في بلاد العرب.
ولا يخفي رجال الدين من ممثلي الاحزاب والتيارات السياسية الاسلامية هذه الرغبة وهذا الهدف، في ادبياتهم وبرامجهم السياسية، ولكن هذه الرغبة وهذه الاهداف تغيب عن الناس البسطاء في تعاملهم مع سيل الفتاوي الذي لاينقطع.
ويؤكد رجال الدين على الابعاد السياسية بقولهم أن مجالات العمل الإسلامي كثيرة ومتعددة؛ ولذلك فإن الأمة الإسلامية في أشد الحاجة إلى تضافر جهود العاملين في حقل الدعوة الإسلامية وتطبيق أحكام الشريعة في كل مجالات الحياة.
ومن بين الاف التصريحات التي يطلقها رجال الدين ويكشفون فيها البعد السياسي للفتوى نكتفي بما قاله الدكتور صالح المرزوقي أمين عام مجمع الفقه الإسلامي برابطة العالم الإسلامي اذ يقول إن المجمع الفقهي الإسلامي برابطة العالم الإسلامي يؤيد الدعوة بإنشاء هيئة عليا أو اتحاد يجمع دور الإفتاء في العالم الإسلامي والمجامع الفقهية ويوجد بينها اتصال وتفاهم، وتنسيق للوصول إلى آراء تعمل على توحيد الأمة الإسلامية.
ومن هنا فان هذه الفتاوي ليست للتسلية او انها مجرد اقوال او تصريحات صحفية، بل انها عبارة عن قوانين شرعية كل من يخالفها يعتبر مخالفا لشرع الله، يجوز مقاضاته ومحاسبته وتصنيف درجة ايمانه ، وقربه او بعده عن الاسلام، وبالتالي فالامور جدية حقا ومهمة فعلا ولا يجوز ان يتم التعامل معها من قبل المفكرين والكتاب كمادة للتندر والسخرية، بل انها تحتاج الى من يتصدى لها فكريا وفقهيا وقانونيا، واداريا من قبل مؤسسات الافتاء ورجال القانون والقضاء وايضا من قبل ممثلي الشعوب في البرلمانات، والذين يفترض بهم انهم هم الهيئة التشريعية في البلاد، وانه لا يجوز لغيرهم ان يتصدى للتشريع.
فمن غير المنطقي ان يكون في البلد جهتين للتشريع، لان الفتوى هي تشريعا، بل ان تاثيرها اقوى من التشريع المدني كونها تستظل بالدين، وتستقوي بالرسول صلى الله عليه وسلم، ومطلقيها يدعون انهم تنوبون عن الله عز وجل في ما شرعه، وذلك بالتاويل والاستنباط والاستنتاج ، وتدعي انها هي صاحبة الحق بالتشريع.
فمن حق المواطنين في بلادنا ان يعرفوا ما اذا كانوا يعيشون في دول تتحكم بها نظم دينية ويقودها ويحكمها رجال الدين، ام انها تعيش في مجتمعات مدنية تتحكم بها وتحكمها نظم مدنية عصرية ومعاصرة؟.
ومن الظواهر المستجدة في العالم العربي والتي تدعو ودون تأخير مؤسسات الدولة المدنية الى التدخل هو انتشار الفتوى الفضائية، حيث اصبح الفضاء العربي يحتوي عشرات القنوات الفضائية وكل منها شيخ تحول بقدرة قادر الى مفتي يحرم ويبيح على الهواء مباشرة دون دراسة او بحث وذلك خلال ردوده على اسئلة ساذجة من مشاهدين بساطاء سذج. في ظاهرة فوضوية مربكة ميدانها المرأة بشكل رئيسي ، مما يعكس المخزون والمكون الفكري لهؤلاء الشيوخ الادعياء المكدس بقضايا الجنس والاثارة والفتنة التي تشيعها المراة، وكانها هي سبب كل بلاء وكل فساد وكل مرض وكل كارثة تعرضت لها الامة او ستتعرض لها.
ولمجرد الكشف عن حالة التردي والفوضى وغرائبية الفتاوي التي يطلقها بعض رجال الدين من الكهان والكهنة الجدد الذين يعيدون انتاج الحالة التي شهدتها اوروبا في العصور الوسطى نورد هذه الفتوى كنموذج على ما وصلت اليه الحال.
فقد قال الداعية الإسلامي المصري وجدي غنيم إن من يأكل ويشرب باليد اليسرى يعتبر من أتباع الشيطان. واقترح تغيير طريقة تناول الطعام المتبعة بحسب قواعد “الايتكيت” ونقل الشوكة إلى اليد اليمنى بدلا من اليسرى والسكين إلى اليسرى بدلا من اليمنى. ونصح غنيم الذي كان يتحدث في قناة “الناس” المصرية المسلمين بلعق الأصابع بعد الأكل، وسخر من الذين يتقززون او يقرفون من لعق اصابعهم.
فهل تتدخل الدولة المدنية لوقف هذه الفوضى وهذا العبط المستشري في المجتمعات العربية؟؟
ابراهيم علاء الدين