كشفت صحيفة الأخبار اللبنانية النقاب في عددها الصادر صباح اليوم (الاثنين) عن اسم أخطر عميل في لبنان لجهاز الاستخبارات الاسرائيلي “الموساد”، وهو المدعو علي جرّاح، من بلدة “المرج” في البقاع اللبناني. وكان تنظيم “حزب الله” قد ألقى القبض في تموز يوليو الماضي على جراح ، وعلى شقيقه “يوسف”، وسلمهما مؤخرًا إلى الأجهزة اللبنانية المختصة.
واستنادًا إلى المعلومات التي نشرت حتى الآن حول هذه القضية، فقد القي القبض على جراح في الضاحية الجنوبية، وهي معروفة بأنها “معقل حزب الله وحصنه المنيع”،وقد تمكنت اجهزة مخابرات الحزب من القاء القبض عليه بعد ان رصدت تحركاته ونشاطاته طيلة شهور، وتوصلت الى نتيجة مفادها انه يتعقب كبار المسؤولين في تنظيم المقاومة، ويرصد تحركاتهم، وينقل المعلومات الى الموساد الاسرائيلي تباعًا.
ومن بين ما نشر أيضًا، ان جراح كان في اليوم الذي ألقي القبض عليه (في تموز يوليو) قد غادر منزله في البقاع اللبناني متوجهًا الى بيروت بسيارته الخاصة من طراز “هوندا اكورد”، وعندما طال غيابه قامت أسرته بابلاغ الجهات الأمنية اللبنانية المختصة بالأمر، التي حدّدت بواسطة هاتفه النقال، آخر مكان وصل اليه، وهو موقع قرب من مخيم “شاتيلا” للاجئين الفلسطينيين في ضواحي بيروت.
وتكهنت الأجهزة الأمنية اللبنانية ان يكون علي جراح قد “اختفى” في اطار نزاعات بين الفصائل الفلسطينية المسلحة، علمًا بأنه كان ناشطًا في السابق في تنظيم “فتح الانتفاضة” المنشق عن الحركة الأم “فتح”. وقد نشرت الأجهزة اللبنانية صورة علي جراح لتسهيل العثور عليه، الأمر الذي أوقعه في قبضة متعقبيه.
وأفادت مصادر مقربة من اجهزة التحقيق مع العميل المفترض بأنه اعترف بأن جهاز الموساد قد جنده في اواسط الثمانينات للتجسس على التنظيمات الفلسطينية الناشطة في لبنان،”وتحوّل” في السنوات الأخيرة الى تنفيذ مهمات جديدة اوسع تتمحور في رصد وتعقب تحركات كبار المسؤولين في “حزب الله”.
وقبل اكثر من اسبوع، تم اعتقال “يوسف جراح” شقيق علي، في بلدة “المرج” في البقاع، بشبهة مساعدة شقيقه، وقد تمت مصادرة سيارته التي كانت متوقفة أمام منزله، وهي سيارة جيب من طراز “باجيرو”، وفيها اجهزة تصوير واتصال بالغة الدقة. ويبدو – استنادًا الى المحققين – ان الشقيقين استعملاها في انشطتهما التجسسية.
“الموساد”، كالعادة، يلزم الصمت!
الصمت؟!؟!
وإزاء هذه القضية التي ما زالت تثير أصداء واسعة في لبنان والعالم العربي وفي أجهزة الاستخبارات المختلفة – يلزم جهاز “الموساد” الصمت، بل يتكتّم، كعادته، لأسباب مختلفة أهمها الحفاظ على جو من الغموض والبلبلة، وعدم الكشف عن عملائه ومصادره وأنشطته “اللّهم إلا في حالات إنسانية”_ كما كتب المحلل العسكري الاسرائيلي رون بن يشاي في احد المواقع “حين يكون الشخص المعتقل بتهمة التجسس او غيرها، اسرائيليًا او له علاقة باسرائيل،وليس ضالعًا في اي نشاط تجسسي او تخريبي أو معاد، كما حصل قبل حوالي العام، عندما اعتقل في بيروت شخص اسمه دانيال شارون، يحمل جواز سفرٍ اسرائيليًا وعائلته تقيم في اسرائيل، وكان قد دخل الى الأراضي اللبنانية بواسطة جواز سفر ألماني بغرض اجراء لقاءات “شخصية حميمية” مع عدد من معارفه من الشبان اللبنانيين، وقد ألقي القبض عليه في اطار التحقيقات من قبل الاجهزة الأمنية اللبنانية في ملابسات مقتل شرطي لبناني. وقد”اضطرت” الجهات الاسرائيلية المختصة للتأكيد على ان “شارون” ليس على علاقة بأيّ من اجهزتها”الحكومية”، ثم تدخلت السلطات الألمانية، وتم اطلاق سراح الاسرائيلي المعتقل”.
لكنّ “بن يشاي” يعتقد (في تحليله) أن رواية حزب الله حول قضية عميلي الموساد “إنما تدلّ على مدى عصبيته وارتباكه من كونه مخترقًا امنيًا، وخاصة في اعقاب نجاح سلاح الجو الاسرائيلي في تدمير منظومة صواريخه الثقيلة البعيدة المدى في غضون (40) دقيقة في الحرب الأخيرة، وفي اعقاب عمليات الانزال الاسرائيلية في العمق اللبناني التي استهدفت قيادات الحزب”.
ويضيف رون بن يشاي:”بعد انتهاء الحرب أمر حسن نصر الله بالتحقيق جذريًا في (نجاح) العمليات الاسرائيلية المشار إليها، وتم التحقيق بمساعدة الحرس الثوري الايراني، وانكشفت اخفاقات واختراقات كثيرة في جهاز استخبارات حزب الله، وطارت رؤوس كثيرة، وبُني الجهاز من جديد، بحرص ودقة أشدّ من السابق، بمساعدة من الايرانيين”.
ولا يشكّك بن يشاي في ان استخبارات حزب الله هي التي كشفت “العميلين”، علمًا بأنهما من سكان منطقة البقاع، التي تشكل هي الأخرى”معقلا للحزب”، لكن المحلل الاسرائيلي يعزو موافقة الحزب على تسليم العميلين للجهات الأمنية اللبنانية المختصة بأنه (اي الحزب) لا يرغب في ان يُنظر اليه كدولة داخل دولة – وهي “التهمة” التي يوجهها اليه خصومه المحليون- “ومن جهة اخرى فان الضجة التي يثيرها حزب الله حول هذه القضية تهدف الى ايصال رسالة الى خصومه والى “العملاء” في كل مكان، مفادها أنه ليس غافلاً، وانه يراقب ويتابع ويتعقب، وانه قادر على الوصول إلى كل جاسوس”.