المهاجرون اللاتينيون بالولايات المتحدة يتلقون، منذ بداية الحملة الإنتخابية، الإستجداء و التوسل و المطالبة من قبل المرشحين للرئاسة، الديمقراطي باراك أوباما و الجمهوري جون ماكين، لكي يستفيدا من أصوات الحاصلين منهم على الجنسية الأميركية.
و لأول مرة يركز المرشحان على الظهور بكثرة في معظم وسائل الإعلام الناطقة بالإسبانية و التبرع لفائدتها بأكبر قدر من المقابلات و التصريحات و كلها تتضمن وعودا معسولة بإصلاح نظام الهجرة و تسوية و ضعية ما يقارب 12 مليون مهاجر لاتيني خذلهم، في الإنتخابات السابقة، الرئيس بوش بذات الوعود التي تتكرر اليوم على مسامعهم.
و قبل يومين، طالب أوباما من اللاتينيين بالتصويت لفائدته بأرقام قياسية لكي يضمن فوزه في الإنتخابات يوم 4 نوفمبر المقبل، حيث قال بالحرف : “أحتاج الى أرقام قياسة في أصوات اللاتينيين لكي أستطيع تحقيق التغييرات الإقتصادية التي ستعمم فرص العمل، و تضمن تخفيض الضرائب على الطبقة العاملة، و تحول دون فقدان العائلات لمنازلها المشتراة بواسطة القروض”، مقدما وعده بإنجاز مشروعه لتسوية وضعية المهاجرين السريين بداية من سنته الأولى.
و ختم كلامه بالقول : “يظهر لي أن الأمور ستكون على مايرام مع الصوت اللاتيني، فاستطلاعات الرأي تفيد أننا سنستفيد من 65 بالمائة، لكني لاأحب الاعتقاد بهذه الإستطلاعات، و أفضل انتظار يوم الإقتراع”، مشيرا الى ان الجاليات اللاتينية تلقت ضربات قوية جراء الأزمة الإقتصادية، و هذه نتيجة، يستطرد، الفلسفة الإقتصادية للرئيس بوش التي يقاسمه إياها جون ماكين.
و يستغرب الكثير من اللاتينيين و معهم المراقبين للحياة السياسية في الولايات المتحدة، هذا “الحب الكبير” الذي يوليه المرشحان الديمقراطي و الجمهوري للمهاجرين اللاتينين، و بدل تلك النظرات المزعجة، و الإستفزاز بواسطة الكلام الجارح، و الممارسات الشوفينية و العنصرية التي يتلقونها قبل حلول الحملات الإنتخابية، يتحولون مع هذه الحملات الى جاليات “محبوبة” لدى كل من الحزب الجمهوري و الديمقراطي و مرشحيهما للرئاسة، إذ لايتعبان في زيارة أحيائهم أو مخاطبتهم عبر أكبر الوسائل الإعلامية الشعبيىة، مثل القناتين التلفزيتين “تيلي موندو” و “إينيفيزيون”، لمخاطبة ودهم و التعبير عن اعتزازهما بهم و محاولة التأثير في آرائهم و قناعاتهم طمعا في أصواتهم.
و اعتماد وسائل الاعلام الناطقة بالاسبانية، ليس أسلوبا عبثيا، كما يتراءى للبعض، إنه قاعدة جديدة في السياسة الاميركية تقول انه لا أحد يستطيع الوصول الى البيت الأبيض بدون ان يمر على وسائل الاعلام اللاتينية.
و قد عمد الديمقراطيون الى صرف ما قيمته 20 مليون دولار لاستقطلاب أصوات اللا تينيينن بينما استخدم الجمهوريون
برامج مكتوبة بالإسبانية لتحقيق ذات الاهداف، خصوصا في الولايات التي تعد ذات القدرة على حسم نتيجة الانتخابات بحكم توفرها على ساكنة لاتينية مكثفة، فانتخابات سنة 2000، قررت نتيجتها، أصوات الكوبيين بولاية فلوريدا عندما صوتوا على الرئيس بوش الذي يشاركهم أطروحتهم المعادية لنظام فيديل كاسترو، بدل آل غور، حيث مايقارب 537 من أصىواتهم هي التي خلقت المفاجاة الترجيحية؛ و انتخابات 2004، حسمت فيها أصوات اللاتينيين من أصل مكسيكي في ولايات كولورادو، نيفادا و نيو ميكسيكو بحوالي 67.000 صوت ما أدى الى خسران جون كيري الإنتخابات لفائدة بوش.
و لكن لماذا المراهنة على أصوات اللاتينيين من قبل أوباما و ماكين بهذا الشغف و الحب الزائدين عن اللزوم؟؛ و لماذا في كل محطة انتخابية تتولد مشاعر “الحب” من قبل مرشحي الرئاسة إزاء الجالية اللاتينية؟
الجواب بسيط للغاية، و هو أن اللاتينيين باتوا الأقلية الأولى منذ عام 2005،حيث حسب إحصائيات مكتب الإحصاء الأميركي، باتوا يشكلون 46 مليون نسمة، وبذلك سيصبح الزنوج الأميريكيون الأٌقلية الثانية.
إن مسار النمو الديمغرافي يجعل اللاتينيين، سنة بعد أخرى، قوة إنتخابية و سياسية بامتياز تفرض نفسها على كل جوانب الحياة الأميركية، تماما كما تفعله لغتهم الإسبانية أو حتى موسيقاهم، ذات الجذور الإفريقية، التي تم تطويرها في كوبا و بورتوريكو و المكسيك قبل ان تصبح لازمة غنائية تغزو الفضاءات الاميريكية بما فيها المنازل و المقاهي و المطاعم، مثل “الصلصه” و “الميرنغي” و “غواكاتشا”…
و للتعرف على هذه القوة الإنتخابية التي يلهت وراءها كل من أوباما و ماكين، لابد من الإشارة الى أن المعنيين بهذه القوة هم اللاتينيون الحاصلون على الجنسية الاميركية او الذين ازدادوا فوق اراضي الولايات المتحدة من أباء المهاجرين اللاتينيين.
ف
ي هذا الصدد، يشير مركز سياسة الهجرة الى ان مجموع اللاتينيين المسجلين عام 2006 للإدلاء بأصواتهم يشكلون حوالي 9،3 مليون ناخب، أي ما نسبته، 8,6 بالمائة من مجموع الهيئة الناخبة المسجلة بالولايات المتحدة.
ي هذا الصدد، يشير مركز سياسة الهجرة الى ان مجموع اللاتينيين المسجلين عام 2006 للإدلاء بأصواتهم يشكلون حوالي 9،3 مليون ناخب، أي ما نسبته، 8,6 بالمائة من مجموع الهيئة الناخبة المسجلة بالولايات المتحدة.
و في دراسته الحديثة، التي انجزها المركز المذكور، الكائن مقره بواشنطن، كان الهدف هو رصد مايسميه “الأميركيين الجدد”، اي الذين يمثلون معسكر الناخبين الجدد المندمجين بواسطة التجنيس او المزدادين من أسر مهاجرة الذين سجلوا لممارسة حقهم في التصويت، حيث ان معدل المسجلين منذ عام 1996 بلغ 60 بالمائة، المجنسون منهم، إرتفع عددهم
من 5،2 مليون إلى 8 مليون، بينما عدد أبناء المهاجرين المزدادين بأميركا ارتفع عددهم من 2،3 الى، 3،8 مليون.
و في ضوء هذا التطور في الهيأة الناخبة الأميركية، ترى الدراسة ان ثمة أربع ولايات هي التي لها القدرة على حسم نتيجة الانتخابات الرئاسية يوم الثلاثاء المقبل و هي كل من نيفادا، نيوميكسيكو، فلوريدا و نيوجيرزي، مشيرة الى ان في و لاية نيو ميكسيكو صوت واحد لكل عشرة أشخاص يعود لناخب لاتيني، بينما في و لايتي فلوريدا و نيفادا الهامش هو صوت لاتيني واحد لكل ستة ناخبين.
هذه المعطيات الجديدة التي تعكس التطور في الهيأة الناخبة لفائدة اللاتينين بالولايات المتحدة، هي التي جعلت كل من أوباما و ماكين يسيل لعابهما إزاء هذا المندمج الجديد في نسيج المجتمع الأميركي، حيث ينظرون إليه بحنان و عطف قل نظيرهما، أو بلغة أحد الصحافيين المكسيكيين الذي قال :
“ينظرون إلينا الآن كالفتاة الجميلة وسط حفل يتأهب
الرجال فيه لمحاولة التعرف عليها و إسماعها كلمات الإعجاب و التعبير لها عن المشاعر النبيلة”.
و مما أصبح يشغل الأميركييون و كذلك المراقبون، ليس فقط التأثير الحاسم الذي سيخلقه الناخبون من أصل أميركا اللاتينية، و إنما تأثير هذه القوة الجديدة في مستقبل الحياة السياسية و الاجتماعية الأميركية، فاحصائيات مكتب الإحصاء
الأميركي، تفيد انه عام 2050 سيصل نسبة اللاتينيين الى 132 مليون شخص بنسبة 30 بالمائة، و سيرتفع هذا العدد الى 50 بالمائة، او أزيد، مع حلول عام 2106، هذا دون نسيان معطى إحصائي أساسي يتعلق الأول بكثرة الولادة وسط اللاتينيين، و الثاني بالمهاجرين السريين الذي يبلغون الآن، حسب السلطات الأميركية، حوالي 12 مليون، فيما تعتقد المنظمات غير الحكومية ان عددهم يصل الى 30 مليون مهاجر.
و المهاجرون خصوصا المكسيكيون منهم، يزدادون بكثرة من خلال عبورهم السري عبر الحدود بغض النظر على التقدم الحاصل في بناء أكبر حائط للحد من الهجرة السرية، ذلك ان المراقبين غالبا مايشيرون الى مليون شخص يعبرون سنويا من المكسيك الى الولايات المتحدة، فيما الحكومة المكسيكية تحصر عددهم في 580 ألف، وحكومة واشنطن تتحدث فقط عن مئات الآلاف دون تحديد لرقم دقيق.
و العبور السري عبر الحدود هو الذي يخلق التحدي الكبير لكل السياسات الأمنية التي مزجت أهدافها بقضايا الهجرة منذ وقوع الأحداث الإرهابية يوم 11 شتنبر 2001، فهو الذي يضخ الساكنة الجديدة، مع مر الوقت، في البنية الديمغرافية الأميركية؛ كما يضخ اليد العاملة في شرايين الإقتصاد الأميركي حيث كل مرافق هذا الإقتصاد الضخم، من أوراش البناء، و الأشغال العمومية، و المرافيء، و المعامل و قطاع الخدمات، إلا و يوجد اللاتينيون يعملون فيها بكثرة حتى و هم بدون أوراق، يظلون، بصبرهم الكبير، على هذه الحال، إلى أن يصل موعد تسوية و ضعيتهم القانونية، وفيما بعد يستعدون للحصول على الجنسية الأميركية لكي يوظفوها وفق استراتيجية محددة و هي خدمة المصالح الاقتصادية و السياسية و الاجتماعية للمهاجرين اللاتينيين و ذلك وفق توجهات منظماتهم و حركاتهم الإجتماعية المدنية التي تضع باستمرار قضية المهاجرين السريين في جدول أعمالها، و لهذا السبب كان جورج بوش و بعض المنظمات العنصرية يطالبون ببناء حائط كبير في الحدود مع المكسيك لمنع عبورهم لأن في هذه الحدود يتم صنع المستقبل الأميركي بطعم سياسي لاتيني، أحب من أحب و كره من كره.
لقد باتت الحدود الأميركية المكسيكية مؤرقة للعديد من الأميركيين و على رأسهم المسؤولون، حيث كلما أزداد الناخبون من أصل لاتيني، كلما لعن الاميركيون الحدود التي قال عنها الكاتب المكسيكي الكبير كارلوس فوينتيس : “الحدود بين بلدين هي كعلامة الجرح، مايقع في جانبها يؤثر على الجانب الآخر”.