أحمد رضي (كاتب بحريني)
لا يخفى على المتابع لأحداث البحرين منذ بداية مرحلة الإصلاح السياسي عام 2002م وحتى الآن أن يظهر قلقه وانزعاجه من تدهور الأوضاع السياسية والحقوقية وتراجع مستوى الحريات العامة بالشكل الذي ينسف كل وعود القادة والرموز المعارضة في الداخل بخصوص الأمل الموعود ويضعها خارج دائرة الإمكان والفهم التاريخي لمسار تطور المجتمع والسلطة السياسية الحاكمة، ويجعل العلاقة بينهم تعيش هاجس الصراع مع الآخر بسبب غياب كيان الدولة الشرعي وضياع الأولويات وغياب المشروع الوطني الجامع لكافة التيارات الدينية والقوى السياسية في البحرين.
القيادة السياسية (التي تمثلها عائلة آل خليفة) يؤمن أغلبية الشيعة في البحرين بأنها حكومة قبلية قامت على أساس الظلم والجور والسرقة والقتل والتعذيب، لم تفلح القوانين والدساتير الديمقراطية في تقليم أظافرها وتحويلها لدولة مدنية تراعي حقوق الإنسان وكرامته، وتصون الوطن من الأخطار الحقيقية، وتحفظ لجميع المواطنين (شيعة وسنة) حقوقهم وحرياتهم الأساسية.
ولذلك أعتاد الناس في بعض المناطق الشعبية كالسنابس وجدحفص والديه وسترة وبني جمرة وكرزكان وغيرها – على المعيشة بين هواجس الخوف والترقب وحملات المداهمات الليلية والاعتقال التعسفي لأبناءهم أو القيام بالتفتيش المهين في مداخل القرى، وعلى الانتشار المكثف لقوات مدنية (بعثية) مدججة بالأسلحة القاتلة. كل ذلك يحدث بسبب حالة الاحتقان السياسي ونتيجة الهوة الواسعة بين تطلعات المواطنين وطموح العائلة الحاكمة في الاستثار بجميع السلطات والثروات والموارد الطبيعية. من هنا أصبح من العبث إعادة تذكير السلطة بوجوب إحترام حقوق الإنسان وضمان كرامة المعتقل وعدم إهانته أو التذكير ببراءة المتهم حتى تثبت إدانته في محاكم قانونية عادلة!!. خصوصا أن قطاعا كبيرا من المواطنين مازال مؤمنا بالحل الجذري القائم على العدالة وتداول السلطة سلمياً ومنع عائلة آل خليفة من استغلال وتبذير موارد البلاد وضياع ثرواتها، فيما يؤمن قطاع لا يعتد به ببقاء العائلة الحاكمة وعدم الخروج عليها سواء بالعنف أو معارضتها سلمياً عبر خطاب لا يخلو من مبررات دينية وسياسية مهادنة للسلطة.
v القيادة الدينية في البحرين:
بالنسبة للقيادة الدينية في البحرين فإنه لا يوجد لحد الآن إجماع أو توافق على تحديد شكلها بسبب طبيعة الثقافة البحرانية الجامدة والتعدد السلبي للمرجعيات الدينية والمذاهب الفكرية والسياسية، كما تلعب السلطة السياسية دورها في إبراز أو تقليص أية شخصية دينية بحكم هيمنة النظام على جميع السلطات.. الأمر الذي يصعب من خلاله رسم إطار محدد لشكل القيادة الدينية ومرجعيتها العملية في المجتمع البحراني.
ومفهومنا الرمزي للقيادة الاجتماعية والدينية ينصرف إلى (رجال الدين والشخصيات الاجتماعية البارزة) حيث يؤمن أغلبية الشيعة وأهل السنة بوجوب احترامهم وتقديرهم لإنجازاتهم في نشر التوعية الدينية وإشاعة ثقافة حقوق المواطنة دون النظر للانتماء الطائفي أو السياسي. ولكن هذا المفهوم أصبح مشككا ولم يدم طويلاً إلى مرحلة ما بعد وفاة المرحوم الشيخ عبد الأمير الجمري (رحمه الله)، حيث أصبحت القيادة الدينية تمثلها مرجعيات فكرية متفرقة، لم توحد خطابها الإسلامي بالرغم من شعبيتها وتنوع أحزابها، ولم تجمعها المصلحة العامة للمواطن كما كانت بداية الحركة الدستورية في منتصف التسعينات، وأصبحت تتنافس على دوائر شعبية أو انتخابية هنا وهناك، وأصبحت الملفات الساخنة كقضايا التعديل الدستوري أو تدوير الحكم أو سياسة التمييز والتجنيس الطائفي أو مسألة الاعتقال التعسفي وانتشار القوات المدنية (البعثية).. هي قضايا هامشية لا تمثل هاجس قلق بالنسبة لهم أو تجعلهم يحترقون ألماً لنار السلطة وقمعها الوحشي للناس في كل مكان.
v معتقدات وقناعات باطلة:
وما يؤسف له قيام بعض القيادات السياسية والدينية في البحرين بترويج معتقدات وقناعات باطلة، وهذه الاعتقادات يؤمن بها البعض، وهي باطلة لكونها (قد تتحقق)، وأذكرها هنا للتوثيق وليس بالضرورة أن تكون من ضمن مطالبنا.. مثل:
1. الاعتراف بإستحالة تغيير نظام الحكم، وصعوبة إحداث تغيير جذري في الأوضاع السياسية أو تحسين الوضع المعيشي للمواطن.
2. عدم إمكانية إجراء تعديل دستوري أو التوافق على دستور توافقي في ظل هيمنة الأسرة الحاكمة على جميع السلطات.
3. عدم الرغبة في مواجهة السلطة سلمياً (العصيان المدني) أو تبني مطالب الشارع البحراني كتحسين الوضع المعيشي والاقتصادي أو إلغاء القوانين المقيّدة للحريات وللعمل السياسي، أو أقله الدفاع عن قضايا المعتقلين سياسياً بسبب خروجهم على طاعة أولي الأمر والنهي !!.
4. العزوف عن أية مبادرة لتوحيد الطائفة الشيعية سواء عبر جهة مرجعية يتم التوافق عليها أو عبر مجلس منتخب من جميع المرجعيات الدينية والتيارات السياسية، ومحاولة فرض مجلس علمائي لا يؤمن أغلبية علماء الشيعة به بسبب مركزية القرار وتفرد الأخوة بفرض زعيم ديني لم يتم التوافق عليه من قبل المرجعيات الدينية.
5. التشكيك في أي مبادرة لإصلاح أوضاع المعارضة الداخلية، والهجوم على التيارات الاجتماعية والفكرية الأخرى (مبادرة أ. عبد الوهاب حسين، حركة حق، مركز البحرين لحقوق الإنسان.. ألخ).
6. الاعتقاد بوجود مرجعية دينية وسياسية واحدة ممثلة لتيار الشيعة في البحرين، وبالتالي تحولت الجمعيات والمؤسسات من تكوين إسلامي وطني يجمع كافة المرجعيات الدينية والسياسية المعارضة إلى تيار شعبي قائم على نظام السلطة المركزية الفردية، وتعاطي مبدأ التحالف والمساومة مع القيادة السياسية دون تحقيق أية نتائج عملية فعالة.
7. قيام بعض القيادات الدينية بطرح نظرية ولاية الفقيه في البحرين دون استيعاب الأبعاد الاجتماعية والسياسية والعسكرية الممهدة لطرح النظرية مع اختلاف جوهري في البيئة المحلية اجتماعياً وتعدد المرجعيات الدينية والثقافات الأخرى، الأمر الذي يسيء للنظرية التي يؤمن بها قطاع كبير من شيعة البحرين، ويفرغها من مضامينها الكبيرة بالنسبة لمقدمات الدولة الإسلامية.
8. تؤمن بعض القيادات الدينية بأن الصراع الأساسي ليس مع القيادة السياسية من أجل تحسين مستوى المعيشة وحل الملفات الساخنة، وتلجأ إلى فتح معارك وهمية مثل الصراع مع العلمانية والدفاع عن قانون الأحوال الشخصية أو الخروج بمسيرات سلمية ليست ذات علاقة بالشأن الداخلي المتأزم، ويتم التغاظي عن التحركات الشعبية المساندة للملفات الساخنة في البحرين.
ختاماً.. مشروع القيادة الدينية والسياسية هو إشكالية هامة في تاريخ البحرين المعاصر، ومن الصعب حسم المسألة دون توافق الأمة على شكل القيادة وتحديد دورها وواجباتها وأهدافها الاستراتيجية.