جهاد نصره
في الأمس، وبعد سيل من العكننة الوطنية الشوارعية، ودفق من القرف القومي المخزون، أخذت بعض ذاتي من ذاتي، واستلقيت على قفاي أمام التلفاز عسى أن أبتعد عن لوثة ارتكاب ( جرم ) من النوع الذي يقولون عنه: ما لا تحمد عقباه ومثاله: زعزعة ثبات هيبة الطربوش إياه يا حيا الله على الطرابيش الهزازة ..!؟
وهكذا، وعلى وقع الشعارات العابرة للمحيطات، فقد اخترت واحدة من القنوات العروبية الجديدة التي يستروح من خلالها الناس عن أنفسهم كما يتخيل لحماة الديار من جماعات الشطار..!؟ لكن، ما هي إلا لحظات حتى اكتشفت أن النفس التي أبغي الترويح عنها في هذه اللحيظة الوطنية الشفافة جداً، ستعود راضية غير مرضية إلى مربع العكننة المستدامة.. والاشمئناط المحدث تحديثاً قروسطياً لا رجعة عنه إلا بمعية ـ أم علي ـ.! العمى: وكأن الجميع ينسِّق مع الجميع يعني جماعة تستثمر من ( يتشقلب ) وينط طوال النهار والليل بدواعي الفن ساحبةً بصر المواطن ( مشروع المواطن ) وأعصابه في غير اتجاه..!وجماعة تستثمر أصحاب اللحى في تكيِّيف عقل المواطن الذي لا يستهويه هذا النوع من ( الشقلبة ).! وجماعة ثالثة تستثمر من تبقى من النجوم المتفرغين لتقديم التحاليل والوصفات الإستراتيجية التي قد تفعل فعلها فتؤدي إلى ( شقلبة ) عقل ذات المواطن استباقاً لجنوحه نحو تفعيل وظيفته الطبيعية المفترضة أسوةً بعقلاء العالم الأخر…!؟
المهم، كانت القناة التلفزيونية التي يعود ريعها للجماعة الأولى تعرض حفلاً فنياً كما تراءى لي تتسيده فرقة فيها مغنية راقصة واحدة من بتاع قرّب شوف.. ومغني راقص واحد يضاهي في مهارته أي شمبانزي محترم يخطر على البال.. إضافة إلى عدد من العازفين وآلاتهم الموسيقية الغربية لزوم العصرنة..! الألحان والإيقاع غربيان آخر طراز أما الحشو من الكلمات فبلهجة أهل ذاك البلد القريب البعيد وهي تحتاج إلى مترجم من ذات الفصيل.! ومن اللحظة الأولى، يتعرف المشاهد الغلبان الذي هو أنا في هذه الحالة الساخنة، على قائد الفرقة ومطربها البهلوان وذلك من خلال حركاته الغريبة فكأنه وصل للتو من العصفورية الفضائية فقد أخذ ينط كالسعدان ويلف ويدور ويقفز نحو الأعلى من دون ضرورة فنية لهذه الفعلة الهوائية مع صيحة صاخبة كالتي يطلقها القرد من أعلى الشجرة من دون سبب..! في الحقيقة، لم أفهم ماذا يعمل هذا المخلوق على المسرح فلا هو يرقص ولا هو يتريض ولا هو يغني بالرغم من أنه يصيح بأعلى صوته باستمرار وكأنه ينادي على جاره في الحارة القريبة..! أو كأنه رأى شرطياً يخطو باتجاهه وهو يحمل ( الكلبشات )…!؟
أول الأمر، ظننت أن صاحبنا من أتباع إحدى الطرق الصوفية وهو الآن يحيي حلقة من حلقات الذكر العائد ريعها للجماعة الأخرى.! لكن، فتنة الراقصة جميلة النهدين التي تدور من حوله واشتراك جميع العازفين في النط والشقلبة في الهواء ألغت فرضية أن ما أراه هو فرقة صوفية.!
العجيب المريب في أمر ما رأيته أن فرقة السعادين القومية هذه لا تعطي المشاهد فرصة لالتقاط أنفاسه في هذه الظروف الوطنية المصيرية فهي لا تتوقف لحظة واحدة عن ارتكاب فن ( الشقلبة ) ويظل الجميع في دورانهم وقفزاتهم مع هز عنيف لرؤوسهم مع حث الجمهور على التفاعل الايجابي الصاخب بإشارات من أيديهم تارةً ومن أقدامهم تارةً أخرى..! وبين الفينة والأخرى يصرخون الواحد بعد الأخر ثم ينتهون بصرخة موحّدة تفلج الآذان يليها قفزة جماعية في الفضاء قبل أن يهبطوا من جديد على أقدامهم.!
وهكذا، فإنه لا فائدة كما بدا لي إذ سرعان ما أعادتني فرقة السعادين هذه إلى مسرح العبث الوطني الذي هربت منه فور صدور الأحكام القضائية انتصاراً لهيبة الطربوش..! وهذا يعني أنه لا خلاص في هذه الجغرافيا ولا راحة إلا بمحاكاة فرقة السعادين هذه والواحد حر ابن حر على هذا الصعيد بالضد مما يقوله المغرضون إذ لم يسبق على حد علمي الناقص أن حدث فمنع أحدٌ أحداً عن السعدنة والشقلبة في الهواء في أيها وقت يرتأيه.!؟