لاشك ان الإشكالية المهيمنةعلى الساحة العربية اليوم تزداد فرضياتها اتساعا ،وقواعد قيامها تشهد غموضا ولبسا، تلكم هي اشكال الدور الذي يلعبه الثلاثي( السياسي المنظر، والمفكر المبدع، والمتقف الفعال)، في البناء الحضاري، واستثمار العقل لرسم النمط السياسي المعتمد في تسيير مصالح الأمة.
واجتهادا لاقطعيا نقول للتوضيح اكثر نطرح السؤال:هل تقطاعت امتدادات هذا الثلاثي في منعرج الاستقالة ،اوالرضى،أوقل إن شئت التعاون على شد الحيل نحو الانحدار والانحطاط ؟ وهل بناء على ذلك يمكن اعتبار العقل العربي قد وضع في اظرفة مشمعة لايرى النور ولا يراه ؟ أم ان احساس ذلك اليؤوس الذي قال: ما ظننت ان الدنيا ونكدها قدبلغ من انسان ما بلغ مني، إن قصدت دجلة لأغتسل منها نضب ماؤها، وان خرجت الى القفار لأتييم بالصعيد صار صلدا.”احساس دخل نفوس قادة الامة ومثقفيها وصار لديهم مبدءا ؟،انها اشكالية العصر ؟..
ومن المفيد في اعتقادنا قبل سرد المبررات ومحاولات كشف الدواعي والاسباب المحيطة بهذه الاشكالية ، ان نسجل ملاحظة أساسية هي:إن أوضاع الأمة مازالت تعرض في كل مرة بصغة الماضي الشكلي ويصفة رؤية من اصاب اعينهم رمد أوعمى الألوان، وهو ما يمثل حدا للعقل وتكبيلا للفكر، وعاملا خطيرا من عوامل المكابرة بالخطإ، وعدم التكيف مع الواقع المعيش. هذه اللوحة القاتمة والمتسترة على مخلفات امراض جنت على أمتنا الكثير من المصائب والمصاعب، والحكمة في اعتقادنا هي المعرفة بالاسباب وتحديد الغايات المنشودة ومن تم يمكن تحديد الوسائل المؤدية اليها.
ان الجميع يعلم اليوم ،ان عالمنا الراهن ضاقت حدوده وقصرت ابعاده ، يشهد سيلا من الازمات ويعاني سلسلة من النكبات و الهزات العنيفة في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وحتى المناخية،كالتغير الحراي، و الجفاف ،و زحف رمال الصحراري على البسيطة والمراعي، وثورات العواصف، والأعاصير، ومن ذلك مشهد مختلف او قل غن شئت متناقض،ظهور احلاف هنا وهناك بين اعداء الامس الذين لاتربطهم رابطة، يقابله اصطدامات رهيبة بين اصدقاء بل اشقاء تجمعهم وحدة العقيدة والعرق والوطن والمصير المشترك، ابناء الامة العربية،التي لا ولن يخفف من اتر ما يصيبها من الصدمات الا لم الشمل، والاعتماد على الذات،ففي الأدبيات المعاصرة اصبح التركيز منصبا أكثر على ممارسة السياسة على اعتبارها وعاء ضروريا للحقوق والحريات وما يوفره ذلك من فرص لعملية نقل الصراع داخل الجماعة السياسية أو الأمة، من مستوى العنيف واساليبه لفض المنازعات إلى مستوى الصراع الرمزي السلمي بالوسائل العلمية.
فمن السهل أن نلقي باللوم كله على الاستعمار فقط لتبرئة الذمة، وليس إجلاء الغمة طبعا فالغمة المتمثلة في واقع مهترئ، يتصارع فيه الفكر مع بقايا الداكرة،ومصلحة الفرد مع مصلحة المجتمع لايمكن اخفاؤها،وصحيح ان الاستعمار الغربي الذي احل بالشعوب العربية الاسلامية لم يكتف بنهب الخيرات الاقتصادية، ولم يتوقف عتد هدم حضارات انسانية راقية ، ولا عند طمس منجزات فكرية ثقافية فحسب، بل تجازها الى داخل المرتكزات الفكرية والعقائدية ، ولكن رغم خروجهم المادي مازالوا يؤثرون فكريا وثقافيا واعلامية،فمقامتنا للإعتداء عندهم ارهاب، وغزوهم لاوطاننا عدل وحماية، وقتل كلبة في ابريطانا جريمة لاتغتفر، وقتل شعب فلسطين او العراق، أو الصزمال أو الجزائر او..الخ، باكمله قضية فيها نظر ستطرح على جمية الامم، هذه امور لايختلف في رؤيتها اثنان.
وصحيح ايضا ان الموقف السلبي للغرب يزعامة الولايات المتحدة الأميركية، خلال النصف الثاني من القرن العشرين إزاء تطور الأوضاع في الوطن العربي يطرح سؤالا جديا ملحا هو: “ماذا تعني مطالبة الغرب: “بالإصلاح” في العالم العربي؟ هل تريدون تقليد النموذج الديمقراطي ورفع شعار “المجتمع المدني” على طريقتهم الأوروبية؟ أم الاصلاح ما يناسب مصالهم وفقط ؟ مع ان تجربة القرن الماضي تتضمن إجابة واضحة وهي أن الغرب الإمبريالي هو الذي اعاق التطور الديمقراطي،
لكن ما يجدر قوله هو ان العقل قادر على تمييز الخير من الشر والتفرقة بين مضامينهما، قادرا على محص مضامين التاريخ والاستفادة منها وبالتالي تنقية العقول مما علق بهان ودفع التطور نحو مقتضيات الحياة.و الذي يتبغي ان نشير اليه في هذا المجال هو ان السياسة ميدانا للاشياء الارادية كما يدخل حيز القدرات ضمن محيط اخلاقي، مرتبط بغاية الانسان والغاية من وجوده ايضا جمع متطلبات عيشة كريمة وفعل ما اراد الله وهي قمة انسانبة الانسان.
ان وضع امتنا اليوم تحت رحمة ما تمارسه العصابات الصليبية بزعامة الولايات المتحدة الامريكية وما تملكه من وسائر تكنولوجية واعلامية،وما تضخه من زصخب دعائي رهيب، ففيالوقت الذي تدقُّ أمريكا طبول الحرب، وتدفع بقواتها إلى مختلف اقطار العالم الإسلامي، تدفع عصارة عقول الكثير من مفكريها إلى المطابع والمخابر،بتصورات عن احتمالات المستقبل في ظلال الأحداث القائمة من حولنا وفي مثل هذه الظروف، فإن تصويب النظر إلى الماضي حيث الأحداث منتهية، والنتيجة واضحة بمقدماتها، ومن خلال هذه الرؤيا نستطيع أن نقرأ المستقبل في جذور الواقع من حولنا، وعلينا بالسعي،وتجنب الخمول فكمما أن الطبيعة لا تحتمل الفراغ، فإن السياسة لا تحتمل التاجيل ولا المواقف المعلقة فهب – موقف ،وقرار، وحسم، وسواء كان صائبا أو خاطئا، مرضيا منه والسياسي إذا و
اجه وضعا، عليه أن يبادر إلى اشهار حله ، وعليه أن يبتكر،ولا يستسلم لليأس، وإلا لما اعتبرسياسي،لكن هذه القواعد البديهية المعروفة في عالم السياسة لم تعد أمرا مسلما به في السياسة العربية، وحلت محلها قواعد جديدة، أساسها المواقف المعلقة،والانتظار الطويل قبل البدء في محاولة الحسم ،خذ لذلك مثلا الاجتماعات والتجمعات للقادة العرب، ومئات الآلاف من الجمعيات السياسية وحتى الفكرية فالكل يبكي ليلاه، والكل يتحدث ولا يحدث شيئا.. وحتى ان اتخذ قرارا ما فلا يخرج عن كونه نقلا حرفيا قذرا ،عن جاهز غربي مقترح او مفروض ، او منتقى عن سوء دراسة ، انظر موقفهم من الازمة المالية التي هزت العالم، فلا جروج عم يريد بوش و….الخ
هذه مبررات اجتمعت لتكون مثبط قوي ومانع منيع لفعالية العقل العربي ونفوذية اشعاعه،و هو ما اضفى على السياسة العربية رقودا وتدبدبا ودفعها الى الخضوع والخنوع، وحتى الخيانة احيانا
حينما نمعن النظر ونتوقف عند مجريات الأحداث ، وما نتج عنها من أوضاع اجتماعية أيا كانت طبيعة مصدرها،شخصية أوقطاعية جماهيرية أونخبوية حكومية، فاننا ، شبحا اسمه تكتم المسئولين متوشحا ضبابية التسيير متربعا ،يضع ساق على ساق أخرى، و المبررات حوله ظرفية سطحية لاتعدو أن تكون مدعاة لبعض الألم.،يقابلها نمط خاص من انماط التفكبر المستورد ن واسلوب جديد من الاختلاف لأجل الاختلاف حول حول تلك الاحداث وأبعادها المختلفة ،فإن تعلق الأمر مثلا بظروف المعيشة وما يتصل بها أو العقيدة وم يؤثر على حسن ادائها مثلا غابة عروس السياسة – الشفافية – وتقهقرت حاميتها الحقيقة اوغيبت بفعل تعاظم المكابرة والعناد تارة واستعمال الاوامر الدخيلة ثارة اخرى والمقلدة احيانا.
أن ظهور انماط جديدة من المفاسد، على سبيل المثال، وشموليتها، وتعاظم الظلم و تعدد وسائله على وجه التحديد هي امور لم يكن يعرفها مجتمعنا على عهد الكوكبة الاولى من حكام العرب خلال النصف الاول من القرن العشرين،( الملك فيصل -جمال عبد الناصر- صدام حسبن – هواري بو مدين – ياسر عرفات) وقد جاءت رداً على حالات الثراء الفاحشة التي صارإليها الكثيرمن المسؤولين.الذين اهملوا الارادة وابداعات العقل،اولعوا بقذارة النقل، رغم ان معظمهم كما هو معروف، قد انبثق في الأصل، من أسفل شرائح المجتمع ومن بؤرة هي الأكثر فقراً وحرمانا ..؟؟
محمد بوكحيل