الدولة العراقية – الحديثة
الدولة الاتحادية
الحداثة لا تتم من خلال لفظ الكلمة وإضافتها في خطابات سياسية أو مقالات تؤكد مواقف سياسيين. وليست الحداثة ارتداء ملابس حديثة أو ركوب سيارة حديثة أو شراء وسائل ومستلزمات حياتية ضرورية أو جمالية تعبر عن الحداثة.
التغيير الحاصل في العراق له مظاهر الحداثة، لكن الفعل يؤشر لزمن متأخر. الدستور الذي هو المرجع الأساسي لجميع القرارات السياسية والتشريعات القانونية كان لا بد أن يكون مضامينها تعبير واقعي عن الحداثة. الذي جرى هو خلط بين المفاهيم الحديثة وما يرضي الأكثرية حسب الرأي الذي فرض …كثير من المواد التي ليس لها علاقة بالحداثة لا من قريب ولا من بعيد.
لو أننا قبلنا بالواقع المتفق عليه بخصوص مواد الدستور كما يقال يلائم مجموعة المجتمعات المتنوعة والمختلفة في تاريخها عاداتها ورؤيتها للحاضر والمستقبل. ودخلنا باب الفرضية التي يمكن أن تطبق أو تبقى مجرد فرض لا يمس للحاضر ولا للمستقبل القريب بشيء. وأشرنا لشكل الدولة العراقية حسب ما جاء في الدستور دون التطرق للمواد الأخرى التي قد تؤيد بناء شكل الدولة الحديثة أو التي تخالف بناء الدولة الحديثة.
المبادئ الاساسية
* المادة (1):
(جمهورية العراق دولة اتحادية واحدة مستقلة، ذات سياده كاملة، نظام الحكم فيها جمهوري نيابي (برلماني) ديمقراطي، وهذا الدستور ضامن لوحدة العراق).
وبما أن هذه المادة تشكل أهم المبادئ الأساسية للدستور وهي المادة الأولى، وبتحقيقها يمكننا القول أن الدولة العراقية الحديثة تحققت. الجمهورية العراقية أقرت بعد انتخاب رئيس الجمهورية منذ الأشهر الأولى بعد التغيير، لكن دولة اتحادية واحدة مستقلة لم تتحقق والأسباب كثيرة. أحاول استعراض ما يمكنني منه، فهمي للنص وما طابقه من واقع سياسي ومجتمعي واقتصادي لأن هذه المصطلحات الثلاثة تعد من أساسيات وركائز الدولة الحديثة.
الاتحاد، والدولة الاتحادية تشكل على طريقتين، أما مجموعة دول تتحد في نظام دولة واحدة، أو أن دولة فيها مشاكل كثيرة بسبب مجتمعات متنوعة وأطياف وقوميات وأعراق من الصعوبة جمعها في بودقة الدولة الواحد ذات الحكم المركزي، وضمن إطار نظام سياسي موافق الجميع وينظم أمور جميع الأطياف. وقد يكون هناك رأي آخر أكثر دبلوماسي أن المراد من الاتحادية هو تقسيم العراق لأقاليم متعددة من أجل تقريب الحكم للمواطن وتحقيق تطلعاته وآماله ونيل حقوقه.
الذي حدث خلال الأعوام الماضية بعد التغيير أن أصوات سياسيين ومثقفين خالفت هذا البند الأساسي من خلال خطاباتهم ومقالاتهم وقراراتهم السياسية. مع أن الإقليم الوحيد في عراق اليوم هو الإقليم الكردستاني ولم يكن وليدة التغيير، ولكن القبول الظاهري والاعتراض المبطن لاحق الكثير من الأحداث السياسية، وأهم ما كان ومازال حجر عثرة في هذا الطريق المادة 140 من الدستور العراقي الدائم. فكيف لنا الحديث عن العراق الجديد بالدولة الحديثة.
أكثر ما كتب لحد الآن ومن قبل قرون أن مفهوم الدولة الحديثة بشير لتجزئة السلطة لكي تتوزع المهام والمسؤوليات من عدد معين لعدد أكبر وأوسع، ومن حكم وقوة سلطة مركزية لسلطات محلية. وقد أعتمد هذا الفكر للتطبيق الواقعي دول كثيرة غيرت الكثير باتجاه مصلحة المواطن وحققت له جميع حقوقه الطبيعية والمكتسبة وطورت حياة المجتمع وازدهر اقتصاد الفرد والدولة بتوازي وبدئوا يستعدون لعلم المستقبل والتحضير له. حيث أن جميع المشاكل والنزاعات القومية والعرقية والجغرافية تلاشت وأستعد الفرد بمباركة الدولة ومؤسساتها للإبداع العلمي والمعرفي والثقافي والصناعي والتكنولوجي وعلوم كثيرة لم يسمع بها كثير من شعوب العالم المتأخر مئات السنين عن الشعوب الأوروبية الغربية، ويمكن إضافة شعوب الدول الأوروبية الشرقية أيضاً، لأن الفوارق بدأت تتلاشى مع مرور الزمن والقبول بالحداثة قولاً وتطبيقاً منهجيا وبشكل دقيق.
وأجتازه هؤلاء عصر الصناعة والتكنولوجيا وثورة المعلومات في عهد جديد يهتم بالعلم والمعرفة ليحل رموز ما وراء الطبيعة وعوالم السماء وأعماق البحار والمحيطات ليضمن مستقبل أفضل للأجيال ولقرون.
الكلمة الأخرى الذي يجب أن نضعها في ميزان الحداثة – الاستقلال، والسيادة الكاملة. وهذا الموضوع نطرحه في مقال لاحق، لكنني أنتظر دائما ردود ومقترحات وآراء وانتقادات بكل أنواعها وأشكالها بكل رحابة.
المخلص
عباس النوري
[email protected]