عزمت ليلة الثالث والعشرين من أكتوبر الماضي أن أبقى مستيقظا حتى الصباح خشية أن تأخذني سنة من النوم ويفوت موعد عيادة العيون ، وكنت لشدة الحرص كلما دغدغ النوم عيوني أرى شيطانا على صورة عليوى بن موسيوى ، وبيده عصا غليظة يكاد يهوى بها على أم رأسي وهو يقول قم عليك نهار طويل ، فانهض مذعورا واصب على رأس دلو ماء بارد وأتساءل والماء يتقاطر من عنفقتي من هذا الشيطان الذي يحرص ألا أنام ؟؟!! فعهدي أن الشيطان يقول للنائم نم عليك ليل طويل حتى يفوت عليه صلاة الفجر فلماذا هذا الشيطان يغرد خارج السرب !! لم أجد لهذه المعادلة من تفسير حتى اتصلت ذات يوم بصديقي الحشاش وقصصت عليه ما أفزعني تلك الليلة فضحك ضحكا شديدا وقهقه ملء شدقيه وقال لعل شيطانك عجوز كبر وخرف أو انه يتعتع فتتساقط الحروف من بين شدقيه وتتزاحم مداخلها فتخرج نم من فيه قم ولله في خلقه شؤون
لم ينقذني من شبح عليوى بن موسيوى وعصاه تلك الليلة إلا قعقعة ديك جارنا شندرا معلنا دخول الفجر الصادق فتعوذت بالله من الشيطان الرجيم وتوضأت وذهبت إلى المسجد، وفي الصلاة استوقفتني آيات تلاها الإمام بصوت عذب كأنه أوتي مزمار من مزامير آل داوود
(( وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً ))
كأني اسمعها لأول مرة ، بعد الصلاة رفعت يدي داعيا يا عالم ما يكون قبل أن يكون كيف با يكون نجنا مما يكون قبل أن يكون ، كانت تلك الليلية الدراكولية هي ليلة الموعد الذي ضربه لنا طبيب العيون في مستشفى السلطان قابوس بصلاله بعد سداح ومداح وطج رماح والتوسط بفلان وعلان ، فقد كان الدكتور رأسه وألف سيف أن يكون الموعد بعد أربعة أشهر وعشرا وكأنه يضبط مواعديه على عدة المتوفى عنها زوجها !
وحينما وصلنا معه إلى حل وسط وقد بلغت الروح الحلقوم، تحدد الموعد بعد أسبوعين كاملين
وفي صباح اليوم الموعود توجهنا بحفظ الله ورعايته إلى مستشفى السلطان قابوس فإذا بجيش من المراجعين قد سبقونا إلى قاعة الانتظار ، سلمنا أمرنا لله وأخذت أبحلق في الزوايا ابحث لنفسي عن مكان انزوي فيه حتى ينادى علينا المنادي من مكان قريب ، فقاعة الانتظار كان مشهدها مهيبا ذكرني باليوم المشئوم الذي قررت فيه أن أجدد رخصة السياقة بعد أن عزفت نفسي عن ذلك سنين عداد ، ولولا لطف الله ورحمته لتمزقت رقبتي بين يدي بكستانيين عريضي المنكبين بعد أن قذفتني أمواج الزحام وحشرتني في زمرة القوم وهم يخوضون عراكا للوصول إلى شباك التجديد ،
بتوفيق من الله وبدعاء الوالدين لمحت في قاعة الانتظار زاوية خالية على بعد نصف متر من قوم متحلقين يقتلون الوقت في الدردشة عن الأحداث الدولية والإقليمية
جلست في زاويتي وقد أعطيتهم قفاي حتى يتأكد كل من يراقب الجمع ألا ناقة لي ولا جمل ولا بغل ولا تيس فيما يخوضون فيه
فتحت جريدة الخليج محاولا بدوري أن أشارك في جريمة قتل الوقت وسفك دمه حتى لا يقتلني ملل الانتظار فقد كان أعداد المراجعين يشير إلى أن النهار سيكون طويلا طويلا كما نبأني شبح عليوى بن موسيوى ومع اننى جلست بعيدا عن المتحلقين الا ان الفضول دفعني الا ان اشنف اذاني الى حديثهم وكنت كلما لعن المتحلقون بوش وبلير واولمرت ونفرا من ألعرب أقول في نفسي أمين وإذا دارت دائرة اللعن على احد المقربين استعيذ بالله من الشيطان الرجيم وانفث عن يساري ثلاثا وأدعو اللهم حولينا لا علينا
وحينما قارب النهار على الانتصاف ورمضت الفصال، انحرفت بوصلة الحوار بشدة إلى الشؤون الداخلية وخاض المتحلقون في كل المجالات والتخصصات الاقتصادية والسياسة والتربوية ونال مجلس الوزراء نصيب الأسد من النقد والتذمر والامتعاض ورويدا رويدا حمى الوطيس وأطلت البنوك والقروض والبطالة والفساد من درايش الحوار وأبوابه وعيونه السحرية وأصبح ثلة من الوزراء الموقرين وقود النار وحطيمها ، فحدثتني نفسي بالفرار خشية أن تصيبني قارعة أو تحل قريبا من زاويتي ، فقد تجاوزت الدردشة كل الخطوط وابعد القوم ألنجعه وخاضوا في لحوم الوزراء حتى العظم ، وعلى قول شلولخ لحوم الوزراء مسمومة؟؟ غير أنني بدلت رأى وعدلته بعد أن لفت نظري رجلا بين القوم وكأنه التحق بهم تلك الساعة وهم يفسحون له في صدر الجلسة بدا لي من مظهره كأنه وزير ، أو ابن وزير ، أو ابن ابن وزير، أو أخوه وزير ، او عمه وزير، أو خاله وزير، أو عمته وزيرة ، أو خالته وزيره ، أو ابن عمه وزير ، أو ابن خالته وزير ، أو انه من عائلة وزير، أو جاره وزير، أو من سكان منطقه فيها وزير ، فقد كان الوقار مرتسما على محياه ، وعمامته كشميرية مدورة تسر الناظرين ، وعلى وجنتيه آثر النعمة ورجليه كجذوع الصنوبر ويديه كرماح بني صعصعه
شدني منظر الرجل وتخلل فؤادي هيبته ووقاره فقررت أن أبقى في زاويتي وان اقبل عليه بوجهي فمثل هذا الرجل من العار والشنار أن يقبل عليه المرء بقفاه خاصة انه تواضع وتقبل المساواة مع المواطنين وجلس بينهم ينتظر دوره لمقابلة الطبيب مثلهم تماما(لا فرق) ، تنحنح وتحمحم وأرخى مقعدته وقد استعد للحديث قلت في نفسي لابد أني ذو حظ عظيم إذ جمعتني الأقدار بهذا ال
رجل العظيم فالجلوس إلى مثله كالجلوس إلى إلا حامل المسك فأما أن تشتري منه وأما أن يحذيك وأما أن تشم منه ريحا طيبة
صمت القوم كان على رؤؤسهم الطير منتظرين صاحبنا أن يدلوا بدولة في قضايا الساعة وهموم الوطن والمواطن ، وقبل أن يتفوه ببنت شفه فجر احد الحاضرين قنبلة عنقودية محرمة محليا وخليجيا وعربيا إذ اسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع يديه على فخذيه وقال يا سعيد هكذا مجرد بدون لقب !! قلت في نفسي حتى لا يسمعني احد فيظن إني أتدخل في السياسة يا لتواضع الرجل حتى الألقاب دحشها وراء ظهره من شدة تواضعه !! وقلت في نفسي أيضا حتى لا يسمعني احد فيظن إني أتدخل في السياسة ما شاء الله واسمه سعيد بعد! مثل اسمي يا كبر حظك يا ابا عماد !! قال السائل ببساطة وسطحية يا سعيد ليش هولاء الوزراء كل واحد منهم مخزّن ملايين ومعاهم شركات وعمارات وقصور والشعب فقير ومسكين والبطالة والديون تنهشه ؟؟!! يا ترى من وين جمعوا كل هذه الأموال ؟؟وكيف جمعوها ؟؟ ثم اقسم الرجل بالقبة والسلسلة(وهما علمان مقدسان في ظفار) أن الوزير الفلاني كان في عهد السلطان سعيد بن تيمور رحمه الله يبيع الجواني(يعني الخيش) في سوق الملح وان الوزير الفلاني اللي عنده ألان قصور ومزارع كان يعمل كذا وكذا وهكذا اخذ يلبخ تلبيخا ؟؟؟ وقبل أن يكمل الرجل قنابله العنقودية خلع سعيد العمامة ووضعها جانبا وبان الغضب على جهه واخذ يحك رأسه، قلت بيني وبين نفسي انفد بجلدك يا أبا عماد الجماعة لبخّت وسعيد بان في وجهه الغضب وحكة الرأس نذير شؤم ومثل سعيد عواقب غضبه وخيمة ، التفت يمينا وشمالا وخلعت نعلي بهدوء ووضعت قميصي في فمي وهيئت نفسي لساعة الصفر
وفجأة ضحك سعيد وقهقه وقال……