ذهب تاجرا إلى قرية نائية، وعرض على سكانها شراء كل حمار لديهم، بعشرة دولارات. فباع قسم كبير منهم حميرهم.
بعدها رفع التاجر السعر إلى 15 دولاراً فباع آخرون، فرفع سعره إلى ثلاثين، حتى نفدت الحمير من لدى أهل القرية.
عندها قال لهم التاجر: أدفع 50 دولاراً لقاء الحمار الواحد. وذهب لتمضية نهاية الأسبوع في المدينة………
ثم جاء مساعده عارضاً على أهل القرية أن يبيعهم حميرهم السابقة بأربعين دولاراً للحمار الواحد، على أن يبيعوها مجدّداً لمعلمه بخمسين دولارا يوم الاثنين فدفعوا كل مدّخراتهم ثمناً لاعادة شراء حميرهم ،ومن لايملك مالا كافيا ذهب للبنوك وشركات الاستثمار فاقترض واستدان علي امل تحقيق مكسب سريع.
وجاء يوم الاثنين لكن الرجل لم يأت وانتظروا اياما لكنهم لم يروا الشاري ولا مساعده أبدا.
وجاء الأسبوع التالي وفي القرية أمران:
”ديون، وحمير”.
هذه هي القصة باختصار وانتهز الفرصة لاتقدم بالشكر للاخ والصديق الاديب نازك ضمره الذي ارسل لي هذه الرسالة التي وصلته من صديق له لتختصر وتلخص بصورة رائعة ما يجري في اسواق المال.
وتاتي اهمية هذا العرض البسيط بعد ان باتت انباء الخسائر في اسواق المال العربية “البورصات” تصدرنشرات الاخبار، وفرضت نفسها على جميع الناس من كل المستويات والطبقات، حتى من لا يعرف ما معنى البورصة ولا يدرك شيئا عن اسواق المال، ومن لا يملك حتى قيمة وجبة عشاء لاسرته، مع الانهيارات المتواصلة لاسعار الأسهم والتي تجاوزت 50 بالمائة في مؤشرات بعض البورصات، وتجاوزت من حيث القيمة النقدية 200 مليار دولار في اسواق الخليج خلال شهر اكتوبر، بالاضافة الى 50 مليار اخرى في اسواق المال العربية الاخرى.
ويقف اغلب المواطنين العرب مشدوها امام هذه الارقام الفلكية، فيما الاغلبية منهم بالكاد يستطيع توفير الحاجات الاساسية للبقاء على قيد الحياة، فيما ينظر البعض الى الاسهم الحمراء على الشاشة الفضية وقلبه يتمزق على ضياع جزء كبير من “تحويشة العمر” من ابناء الفئة العليا من الطبقة الوسطى التي تمكنت من مضاعفة ثروتها المتواضعة عدة مرات في السنتين الماضيتين، فاذ بها تجد نفسها على وشك الافلاس. بينما الطبقة الثرية من كبار المستثمرين وبالرغم من صراخها لم تتاثر ثرواتهم الا على المدى القصير وفي اسوأ الاحوال على المدى المتوسط.
ومع كثرة التحليلات والاجتهات ووجهات النظر الا ان اغلبية الناس ربما ولأسباب عديدة لم تتمكن من معرفة ما يجري، ولا شك ان اغلبية الناس انطلت عليهم كذبة الخسائر، فبعضهم هلل فرحا وشماته وتوقع ان تحقق احلامه برؤية من سرقوه واضطهدوه وفقروه ، يشاركونه شظف العيش وبؤس الفقر والحاجة، وبعضهم ذهب في احلامه الى ابعد من ذلك فتوقع انهيار النظام الراسمالي من اساسه وراح يبشر بانظمة جديدة دينية واشتراكية.
الا ان الحقيقة غير ذلك تماما، وهي لا تتجاوز عملية انتقال جزء من الثروة من يد الى يد، وبصورة اوضح هي عملية “سلبطة” او سرقة لثروة بعض ابناء الطبقة الوسطى الذين ظنوا ان اسواق المال هي اسرع طريق الى الثراء.بينما القصة هي مجرد حلم بالثراء يهوي بقطاع واسع من ابناء الطبقة الوسطى. وفق قاعدة بيع الحمير.
اما الاثرياء فهم يزدادون ثراء سواء في اوقات الازمات او الازدهار ، فالقاعدة التي يعمل على اساسها الاثرياء عبر عنها احد كبار اللاعبين في اسواق المال وارن يافيت بقوله ” فلتكن طماعا عندما يخاف الناس، ولتكن خائفا عندما يطمع الناس”
وهذا بالضبط ما يجري الان ..عاد الرجل الذي اشترى وباع الحمير الى القرية ليشتري الحمار بدولار واحد، من الناس شبه الفقراء الحالمين بالثراء، بعد انهيار سوق الحمير، والادهى والأمر انه بدلا من تقدم سلطات القرية المساعدات للذين اقترضوا لشراء الحمير من التاجر، فتحت خزائنها لتضخ مئات المليارات من الدولارات لاقراض الاثرياء حتى يتمكنوا شراء الحمير.
فما يجري في اسواق المال هو بالضبط ما عبر عنه يافيت فالناس كلها خائفة وتعتقدانبيع حمارها اليوم افضل من الغد خشية تراجع سعره، فنشط الطماعون وباتوا يسرحون ويمرحون و
يتحكموا بالاسعار كما يشاؤون، وعلى الرغم من تعرضهم لبعض الخسائر حتى وان وصلت الى 50 بالمائة، فهي خسائر اسمية، وكل ما في الامر انهم سينتظروا بعض الوقت ليعودا ويبيعوا حميرهم ليس بخمسين دولارا فقط بل ربما بمائة دولار.
يتحكموا بالاسعار كما يشاؤون، وعلى الرغم من تعرضهم لبعض الخسائر حتى وان وصلت الى 50 بالمائة، فهي خسائر اسمية، وكل ما في الامر انهم سينتظروا بعض الوقت ليعودا ويبيعوا حميرهم ليس بخمسين دولارا فقط بل ربما بمائة دولار.
ولتوضيح هذا الامر يجب الاشارة الى ان الاسواق تشهد يوميا عمليات بيع وشراء، ولم يتوقف الطماعون عناشراء ولم يتوقف الباعة عن البيع، فعندما يقال ان حجم التداول بلغ في سوق ابو ظبي مثلا مليار درهم فمعني ذلك ان هناك من حملة الاسهم باعوا اسهما قيمتها مليار درهم وان هناك من اشترى اسهما بمليار درهم ، اذن فالصورة واضحة .. من ليس لديه اموال ومطالب بتسديد الدين مجبر على البيع سواء خوفا من تراجع الاسعار الى ادنى مما هي عليه ، او لان المقرض “البنوك” باعت اسهمه المرهونة لتسترد ديونها.
والنتيجة ان الاثرياء سيزدادون ثراء والفقراء سيزدادون فقرا من ناحية ومن ناحية اخرى سيتقلص عدد الاثرياء فيما يزداد عدد الفقراء.
هذه هي الصورة الحقيقية لما يجري في اسواق المال، واكثر زواياها بشاعة هو هذا التكاتف غير المسبوق للاثرياء في التكاتف والتآزر والتضامن للحفاظ على ثرواتهم وسيادتهم وسيطرتهم . وسوف يزدادون وحشية وقسوة .. وسف تظل الحمير معروضة للبيع والشراء .. وسوف يظل هناك تاجر للحمير يذهب الى سوق القرية لبيع الوهم، وسوف يظل هناك واهمون بالثراء وباشياء اخرى.
ابراهيم علاء الدين