بقلم/ د. رفعت سيد أحمد
تتوالي علي المنطقة العربية الكوارث، بسبب الاحتلالين الأمريكي والإسرائيلي وفي مقابلهما
بقلم/ د. رفعت سيد أحمد
تتوالي علي المنطقة العربية الكوارث، بسبب الاحتلالين الأمريكي والإسرائيلي وفي مقابلهما يتزايد دعاة الفتن وتزكية الصراعات علي أسس مذهبية ضيقة، والذين ما فتئوا يحرفون الصراعات في بلادنا عن طبيعتها ومسارها الصحيح، بافتعال مواقف وفتاوى وسياسات تمزق الأمة، ولا تخدم سوى أعدائها؛ في هذه الأجواء التي تتفاقم فيها التحديات، وتتوه الأولويات نحتاج إلي فقه للأولويات جديد، يقدم (المقاومة) ثقافةً وأدباً وسلوكاً بديلاً عن الفتنة: ثقافة وأدباً وسلوكاً أيضاً، في هذا المعني وحوله نحاول أن نقدم هنا تأصيلاً معرفياً لما نعنيه بفقه أو أدب وثقافة المقاومة عل ما نكتبه يفيد00
* * (1) * *
لقد شاع استخدام مصطلح “أدب وثقافة المقاومة” في المنطقة العربية خلال النصف الثانى من القرن العشرين، وربما لعبت آثار هزيمة يونيو 1967 دورا فى شيوع هذا المصطلح، بحيث راج وانتشر أكثر من مصطلحات شاعت قبله “أدب المعركة”، “آداب النضال” كما رسخ وبقوة بعد الانتفاضة الفلسطينية الأولى والثانية ثم ازداد وضوحاً مع انتصار حزب الله ومقاومته المجاهدة في حربيها وانتصاريها (مايو 2000) و (يوليو 2006)، ويهدف أدب وثقافة المقاومة إلى إذكاء روح المقاومة والوعى لدى الأمة وهو الذي يحرك الجموع ناحية هدف أسمى هو هدف التحرير والاستقلال وثقافة المقاومة تستلزم أن تكون نقطة البداية هي الوعي الثقافي بقيم المقاومة، فالوعي الثقافى هو الذى يحدد لنا حجم العدو وإمكانياته وحيله فى المقابل إمكانيتنا وقدرتنا على المواجهة دون إفراط أو تفريط، انه يدعم أسس البناء اللازم للحد الأدنى من التعامل الناجح مع الأخر العدوانى، لقد كان لشيوع شعار “ثقافة السلام” أثره السيئ خلال العقدين الماضيين تحديداً منذ توقيع كامب ديفيد 1979 فتحت عباءته استطاعت “إسرائيل” إن تحقق منجزات خطيرة ما كانت لتحققها فى ظل الحروب وتحت مظله هذا الشعار وإبراز الثقافة السلمية من اجل تذويب العدوان بينها وبين العرب “هذا هو المعلن” استطاعت “إسرائيل” إن تحقق فى السنوات العشرين الأخيرة ما لم تحققه فى الأربعين سنه السابقة عليها من تاريخ إنشاء دولتها كل ذلك من خلال توظيف واعى لمفهوم ثقافة السلام فى المنابر الدولية وعلى كل الساحات.
إن أدب وثقافة المقاومة هو الأدب المعبر عن العمل من اجل تفجير الطاقات الايجابية للمواجهة، انه الأدب المعبر عن وجهه النظر الانسانيه الشمولية الواسعة وليست العنصرية الضيقة، إنها الثقافة والأدب الملتزم أو الثورى أو النضالى، كما أنها الثقافة والأدب الذى يسعى دائما لتهيئه الأفراد والشعوب والرأى العام لفكرة “المقاومة” وبالتالى فان أدب المقاومة يسعى لتحقيق أهدافه من خلال التركيز على الظروف الصعبة التى يعيشها الناس وإبراز الآخر المعتدى الذى يسعى لإضعاف قوتهم، ولأدب وثقافة المقاومة دور فى إذكاء روح المقاومة بالوعى والفهم الكامل للقضية التى يدافع عنها، وهو الأدب الذى يرسخ لقواعد الوجود الانسانى الحق فى مقابل ثقافة الفتنة التى تقوم على الصراع “العدوانى” بدوافع التفرقة والهيمنة.
وهنا ربما يمكن تقديم محاولة لتعريف خاص لأدب وثقافة المقاومة بأنهما المعبران عن الذات الواعية بهويتها والمتطلعة إلى الحرية فى مواجهة الآخر المعتدي مع أهمية أن يضع الكاتب نصب عينيه جماعته/ أمته وكل ما تحفظه من قيم عليا ولا تعنى الحرية معنى الخلاص الفردى وفى هذا بالتحديد ما يميز أدب وثقافة المقاومة.
كما تعد التجربة الحربية من أهم محاور أدب وثقافة المقاومة حيث أن عمر الحروب يكاد يناهز عمر الإنسان على الأرض منذ معركة قابيل وهابيل والصراع قائم ولا يبدو زواله، ذاك الصراع الذى غالبا ما ينتهى بالحرب ولم تكن الفنون التى ابتدعها الإنسان إلا بهدف رئيسي وهو بث روح المقاومة فى صراعه مع القوى الأخرى التى تهدده وتعرض حياته للخطر.
* * (2) * *
أما عن خصائص ثقافة المقاومة في مواجهة ثقافة الفتنة التي تروج اليوم في مجتمعاتنا فإننا نمحورها حول نقاط محددة نحسبها شاملة لما نستهدفه من حصر لهذه الثقافة ولخصائصها المتفرعة:
* أن تكون هذه الثقافة معبرة عن الذات والهوية الجامعة، وأنها ثقافة تتسم بالوعى والحق والقدرة على تجاوز الأزمات والحروب والاضطهاد والقهر والفتن المذهبية السفيهة.
* أن تكون ثقافة واعية بالآخر العدوانى كاشفة لأخطائه وأخطاره.
* أنها ثقافة تحتوي تعبيراً شاملاً عن أدب إنساني من حيث انه دعوه لتقوية الذات فى مواجهة الآخر وليس دعوة للعدوان.
* أنها ثقافة متنوعة في تعبيراتها وأطروحاتها في مواجهة ثقافة الإقصاء والعدوان والحرب.
ولكن ثمة سؤال يُطرح بعد تفصيل هذه الخصائص: كيف تقوم ثقافة وأدب المقاومة بدورها الهام فى مواجهه ثقافة الفتن المذهبية والسياسية؟ الإجابة تكون برفض هذه الفتن والصراعات المذهبية، بالإضافة إلي أهمية تذكر أن صور المقاومة متعددة فكل إنسان فى مجاله يحاول أن يقدم أقصى ما عنده وما يستطيع أن يقوم من أجل خدمة قضية بلده وبالتالى تعددت صور المقاومة، فالفنان يرسم ويوجه ريشته نحو قضيته، والشاعر يكتب قصائده من أجل خدمة قضية بلده والأديب يبدع ويصور من خلال قصصه ما يحدث من تجاوزات العدو وهكذا 00
* وكل هذه الصور من المقاومة لا تقل أهميتها أبداً عن مقاومة الجندى المحارب داخل المعركة لان المعركة دائما لا تكون فى ساحة القتال فقط وليس بالضرورة أن تكون الدولة فى حاله حرب فعلية أو معركة قتالية حتى يبرز دور أدب المقاومة، بل من الممكن أن يكون هناك حالة من سلام واستقرار اجتماعي، ولكن فى نفس الوقت يكون هناك محاولات اختراق ثقافى تدعو إلى ضرورة قيام أدب وثقافة المقاومة بدورهما فى مقاومه هذا الاختراق، وهو الحال الحاصل الآن علي المستوى العربي والإسلامي بفضل ثقافة وفتاوى النفط القادمة من صحراء التخلف!
* * (3) * *
وأما عن سبل مواجهة هذه الفتن والاختراقات عبر ثقافة المقاومة فإن سبيلها الوحيد هو نشر الوعي ومقاومة دعاة الفتنة الذين هم بالضرورة دعاة استسلام وتحت هذا العنوان “نشر الوعى الثقافى والديني المستنير” تندرج كافة أساليب المواجهة الأخرى من “فضح مخططات العدو” وفضح الموالين له في الداخل وإذكاء روح المقاومة والتركيز على النماذج والشخصيات الايجابية فى مجال المقاومة فى تاريخنا العربى والإسلامي “ونشر ثقافة المقاطعة” وتضطلع وسائل الإعلام بالدور الأكبر لنشر كافة هذه الأساليب. وليس أدل على أهمية دور الثقافة من قيام الكيان الصهيونى نفسه بإنشاء جامعة عالمية عام 1997 بالعاصمة الروسية موسكو لتدريس المنجز التاريخى والدينى والعلمى لليهود وتلقينه لكل قوميات العالم، ثم إصرارهم وبشدة على التطبيع الثقافى مع العالم العربى وحرص قادة الكيان الصهيوني علي بناء العلاقات مع المثقفين والإصرار دائماً علي لقاء الأدباء والمفكرين فى أى دولة عربية يقوم المسئولون الصهاينة بزيارتها، إنها الثقافة وتوظيفها، بيد أن الوعي السياسي المرتبط بثقافة المقاومة يعد أمراً هاماً في مجال مواجهة ثقافة الاستسلام والفتنة، حيث الثقافة هنا تصبح القوة القادرة على صنع الإنسان بكل مفاهيمه وقيمة بل وقدرته المقاومة فى مواجهة الآخر. والمقاومة بالمعنى الشامل تتغلغل فى سلوكيات الحياة اليومية للأفراد وحتى مواجهات الشعوب تبدأ بالوعى بالذات وبالآخر وهى تتجدد فى أطرها وتشكيلاتها بالإضافة إلى فضح مخططات الغرب وإسرائيل وأساليبهم وطرقهم الملتوية فى التسلل إلينا عن طريق وسائل الإعلام المختلفة وتقديم السم فى العسل فنلاحظ أن التكنولوجيا الأمريكية الحديثة التي تقوم بترسيخ قيم تعارض ما نصبوا إليه فى إعلامنا تأكيد على أساطير وخرافات فنرى فى معظم المسلسلات والبرامج الترفيهية مشاهد تعرض ـ علي سبيل المثال ـ تمضية بعض الشباب لأوقاتهم فى ارتياد الملاهى، ويفرد المخرج مشهداً واسعاً وعميقاً فيطول المشهد وهو يعرض راقصات يرقصن أمام الشبان ويصورن ما يجرى تماما فى هذه الملاهى دون ربط كل هذا السفه بأية قضية محترمة ناهيك بالطبع عن قضية المقاومة، بالإضافة إلى إغراق الإعلام بصور القتلى دون إبراز للقضية التي استشهدوا في سبيلها فنلاحظ فى كل إعلامنا (قتل – جرح – دفن، جثث من غير هوية)، كل ذلك وبإلحاح يومي مقصود يستهدف قتل روح المقاومة فى الإنسان العربى لتحقيق مشروعهم الصهيونى. فهل هذا الإعلام يخدم المقاومة أم يخدم العدو؟ لذلك يجب العمل على إنتاج فنون مختلفة (رسم – كتابة – دراما) لتخدم فكرة المقاومة وتعلى من قيمة الاستشهاد وتنشر قيم التسامح وتقبل الآخر وتنبذ العنف والتطرف والإرهاب ومعاداة الآخر بدون سبب. ولعل من أهم الأدوار على الإطلاق العمل علي فضح الموالين للعدو سواء في الداخل أو الخارج وخاصة أعداء الداخل المساندين للعدو من الخارج قد يكونون من أبناء بلدته أو ديانته أو حتى المؤيدين له على المستوى السياسى وهم فى هذه الحالة معروفون جيداً ولمواقفهم ما يبررها أما الموالين له من الداخل فهم الذين يحتاجون إلى التدقيق الجيد منا فليس لمواقفهم تلك ما يبررها سوى الخيانة والعمالة وإن كانوا يقومون بهذا الدور فى مقابل أموال يتلقونها أو مناصب يوكدون بها وفى الغالب يتم اختيارهم من الفئات التى تؤثر كثيراً فى المجتمع من كبار الكتاب والفنانين والمسئولين والمثقفين وأصحاب الأقلام ومن المهم هنا التنبيه إلي خطورة أمثال هؤلاء العملاء الصغار!
* ولأدب وثقافة المقاومة عربياً أهميه كبرى فى إذكاء روح المقاومة والدعوة للجهاد والتغنى بما يتحقق من انتصارات و إذكاء الثقة بالنفس والدعوة إلى الانتماء والتمسك بالهوية والافتخار بأيام الانتصارات الكبرى والإعلاء من شأن القوة والتركيز على النماذج الإيجابية من شخصيات وأحداث تاريخية وإسلامية بالإضافة إلى ضرورة عرض نماذج من المقاومة الوطنية فى مواجهة الاستعمار، كل ذلك بهدف قبر الفتنة المذهبية والسياسية واستبدالها بثقافة المقاومة وآدابها.
(وللحديث بقية000)