مروان ياسين الدليمي
- الفيل ياملك الزمان –
تقديم : فرقة شمشا للتمثيل
تأليف : سعد الله ونوس
اخراج : د. فيصل المقدادي
ترجمها الى السريانيه : فلاح نجيب / ميلاد عبد المسيح
تمثيل : تلان موسى / لاناكامل / رامان رمزي /
كارلوس صباح / ايفل مسيح / ميلاد عبد المسيح
مهيب صباح / مادلين حنا / ميلانيا دلشاد /
رئد عبدو / ديلون كوركيس / روفان موسى
هدير صباح .
اضاءه : راستي بولص / بسام عبد المسيح
موسيقى : ريفا جبار يلدا
ديكور : ميلاد عبد المسيح / راستي بولص
لوحات ديكور : صبا سمير
مكياج : مؤيد فقي
كومبيوتر وتصميم : كوران عبد الجبار
دعايه واعلام : فلاح نجيب عظمت /هوكراندراوس يلدا
مدير المسرح والانتاج : راستي بولص
مكان العرض : مسرح جمعيةالثقافه الكلدانيه
تاريخ العرض : 10 ـ 11ـ 12ـ /9 / 2008
ابتداءًمن العقد السادس من القرن العشرين حدث تحول كبيرفي بنية التجربه المسرحيه العربيه نصاً وعرضا مسرحيا . اذ تجلى ذلك عبر الاشتغال الجمالي في بنية النص الادبي المسرحي في محاولة لتتبع الاشكال الفلكلوريه والتراثيه والطقوس الشعبيه الدينيه المقاربه للشكل المسرحي والقابعه في المورث الشعبي، واستنطاقها في تاسيسات نصيه لتكون منطلقا واطارا لهوية كتابية مسرحيه عربيه . وتجلى ذلك في استثمار شخصية الحكواتي ،ومقامات بديع الزمان .وخيال الظل ، وتشابيه عاشوراء ، واتاح هذا الاشتغال تداول وهيمنة مفاهيم جديده لمشاريع مسرحيه ، كالمسرح الاحتفالي ، ومسرح البساط ، ومسرح السامر ، ومسرح الحكواتي . وانتعشت الظاهره المسرحيه وافرزت عددا من الاسماء في حقل الكتابه المسرحيه مثال: سعدالله ونوس، وعبدالكريم برشيد . .
كذلك مخرجين مؤلفين، اقترحوا عروضا مسرحيه مهادنة لماهو موروث من التراث المسرحي العالمي . نهض منها انجازات دراميه كسرت اشكال الكتابه التقليديه . منطلقة من بؤرة مركزية هي خشبة المسرح بكل فضاءها وخصوصيتها . وفي طليعة هولاء المخرجين المؤلفين ، الطيب الصديقي ،قاسم محمد ، روجيه عساف
عملت هذه الاسماء على مسرحة التراث والاساطير الشعبيه والطقوس الدينيه . الا ان سعدالله ونوس من بين كل هولاء امتلك رؤية نافذة لقراءة الحكاية الموروثة واخراجها برؤية وتركيبة عمقت حدة التناقضات والصراعات الطبقيه . كما كانت كشفا وتعرية لكل اشكال القهر والموت الذي تمارسه موسسات السلطه في مجتمعات العالم العربي . كل ذلك جاء بتخريجات كتابيه تطرح نفسها على شكل لعبة تنكريه . . يقول ونوّس( ان الحكايه وحدها هي التي تخفف العذاب وتداوي الجرح )، لقد راهن ونوس
على اشكال مسرحيه اقل مايقال عنها انها تورط المتفرج في الصاله وتجعله مشاركا في صياغة العرض المسرحي .سواء في مغامرة رأس المملوك جابر ، الملك هو الملك ، وموضوع نقدنا مسرحية : الفيل ياملك الزمان.
حكاية النص : الفيل المدلل الذي يملكه احد المللوك . يتسبب دائما في تدمير ارزاق وحيوات الناس الذين يعيشون في المملكه .مسببا لهم اذىًنفسيا وماديا . احد مواطني المملكه يعقد الهمة ويحرض الناس على مواجهة الملك لعرض مشكلتهم عليه لايقاف هذا القهر الذي يتسبب به الفيل . وماأن يحدث اللقاء مع المللك . يتملك الناس الخوف والرعب من شخص المللك .ليقترح عندها من قاد الشعب الى الثوره الى ان يرتمي باحضان المللك مقترحا عليه تزويج الفيل حتى تنعم المملكه بذرية الفيل . ليلقى هذا المقترح التاييد والفرح منقبل الملك وحاشيته وبالتالي ينعم المللك على من قاد الشعب في البداية للثورة ضد ه، ان يكون احد افراد حاشيته , لينال نصيبه من التكريم والحضة لدى المللك .
جاء هذ النص قراءة واستنطاقا لواقع كرسته هزيمة الخامس من حزيران
كتبها ونوّس عام 1971 ضمن مشروع لمحاكمة بنية السلطه السياسيه
العربيه والتدقيق في شكل العلاقه القمعيه التي تحكم هذه ألسلطه مع المواطن . فكانت حكاية الفيل المستعارة من نتاج المخيلة الجمعية اشارة رمزية الى فساد وقسوة السلطة . مع تاكيد واضح من قبل ونوّس على سلبية
معظم الشخصيات والقوى الاجتماعية والسياسية وخلوها من المبادىء وسقوطها في مستنقع الانتهازية والوصولية والنفاق السياسي ،
ان نصوص سعدالله ونوسّ لاتخلو من ادانة صريحة لقوى المجتمع . ومسؤوليتها الكامله عن كل الدمار الذي يلحق بها نتيجة لتراخيها ولامبالاتها ازاء مايجري ويقع عليها من حيف وظلم .
العرض الذي قدمته فرقة شمشا واخرجه د. فيصل المقدادي، لم يبتعد عن هذه الفكره . في قراءته الفكريه للنص . بل كان مصمما على تأكيدها . وهو هنا يعكس النظرة التي سبق للمؤلف ان طرحها قبل اكثر من ربع قرن دون اية اضافة من قبل المخرج . وهنا سؤال يفرض نفسه : مالذي اراد ان يقوله المخرج بعد ربع قرن على ماكان المؤلف قد قاله ؟
انا اجد ان المخرج لم يقل شيئا طالما أعاد انتاج خطاب المؤلف بكل حيثياته . وكأن الزمن يدور في حلقة مفرغه . !. مالذي يمكن ان يقدمه المخرج اذا لم يكن في موقف المواجه لخطاب ألمؤلف بقراءة جديدة لمخطوطة النص .التي كتبت قبل اكثر من ربع قرن ؟
تلك هي اشكالية هذا العرض الذي توحّد بل انحنى امام مقولات النص وكانها تحيا في صورة من الاكتمال الفكري المقدس . لاينبغي الاقتراب منه ومحاورته. . من هنا فان هذا التاسيس القائم على الركون والانزواء في زمن وخطاب المؤلف .معناه اسقاطاً للدور الانتاجي لسلطة المخرج ابداعيا . وتكريسا لسلطة وخطاب المؤلف . وبالتالي سينعكس هذا ، جماليا على الرؤيه الفنيه للمخرج وهو يتناول نصا مسرحيا ، كتب منذ سنوات عده .
و لن يأتي بشيء جديد عن منظومة المؤلف الدراميه . طالما غابت تلك العلاقه الجدليه مابين المؤلف والمخرج .وهذا ماوقع فيه هذا العرض .
علما ان سعدالله ونوس حينما انغمس في عالم الكتابه المسرحيه لم يتورط بالسقوط في شباك سلطة المرجعيات الفنيه . وهو يبتكر عوالم تجلياته المسرحيه . بل كانت نصوصه ماهي الا مقترحات وابواب مفتوحه لطرق ومسالك ينبغي على منتج العرض ان يجتهد في اختيارها . هذا لان الحريه كانت المتن الذي اشتغلت عليه كل النصوص التي اقترحها ونوّس لخشبة المسرح . فليس غريبا اذا ان يترك ونوّس هامش الحريه واسعا للمخرج بل شرطا اساسيا لكل من يتصدى لاي نص من نصوصه .
د. فيصل المقدادي ، وهو ينشىء معمارية عرضه المسرحي اثقل خشبة
العرض بلوحة تشكيلية مرسومة بطريقة واقعيه، وبحرفية اقل مايقال عنها متواضعة جداً، استحوذت على النصف الاعلى ليمين خشبة المسرح ، اعادتنا هذه اللوحه الى بدايات الظاهره المسرحيه في العراق قبل مئة عام وكاننا امام عرض مدرسي . هنا بدا تعامل المخرج مع الجمهور على انه
جمهور ساذج لايفهم الاشارة ولاالرمز . فاثقل عليه بتلك اللوحه الواقعيه ليؤكد له جغرافية المكان !. ومما زاد الامر غرقا في الفوضى الاسلوبية ان يكدس في الجانب الايسر من خشبة المسرح براميل نفط لتكون دلالة على هذه الماده التي كانت سببا في دمار شعوب المنطقه العربيه . الا ان توظيفها وتوزيعها تم بشكل فوضوي ، لم يضف شيئا في تطوير الفعل الدرامي، طالما بقيت بدلالتها الايقونيه ساكنة على الخشبه ، ولم يتم اطلاقها في توظيفات و مدلولات اخرى، بعيدا عن مفاهيمها المعجميه .
ان العرض المسرحي مغامرة بحثية وجماليه للكشف عن منضومة جديدة من اليات الخطاب الفني وابتعاداًوتغريباًللمدلولات عن الثوابت الجمعيه
من هنا فان فضاء الخشبه في هذا العرض تم أسره وتدميره بكتل ومفردات لم ترتبط مع بعضها دراميا (براميل النفط +عرش الملك +لوحة العرض الخلفي التشكيليه ) . هذا أضافة الى ان استثمارها جاء احاديا وبشكل فني مباشر وفاضح ،مع ان القيم الجمالية لاتفصح عن نفسها إلاّعبر وجودها الموحي والمُختَزلَ.
وليست الاضاءه المسرحيه بمعزل عن انفراط منظومة العرض السمعيه والبصريه، اذ سقطت الاضاءه هي الاخرى في مسار الازاحه عن المشاركه في تشكيل المناخ الدرامي وتأسيس توقيعات دلالية دراميه . بل اكتفى حضورها في حدود الكشف عن الشخصيات والمكان .
واقتراباًمن المعالجه الاخراجيه لتطور الاحداث والشخصيات نجد ان المخرج لم يبصرنا من الشغل الاخراجي التمهيدي مع الممثلين قبل ان ينقلبوا على مواقفهم الرافضه لعربدة الفيل وموقف المللك اللامبالي لذلك . اذ جاء تحول الشخصيات وانقلابهم على ذواتهم ومواقفهم سواء من ارتمى بحضن السلطه او من سقط ميتا وهو يعلن مواجهتها . جاء هذا التحول المهم في مسار الشخصيات فجاءةً دون تمهيد وتبرير منطقي، ينبغي لناكمتفرجين ، ان نلمس تمظهره على الخشبه، بوسائل تقنيه عديده توفرها خشبة العرض امام المخرج . وهذا ماجعل مجموعة الشعب فارغة من بعدها الانساني . و لينحرف بالتالي مسارالعرض وجوهر خطابه النقدي القاسي الى عرض هزلي يستدر ضحكات الجمهور . وليذهب سدى ذلك الخطاب النقدي والتحريضي للنص والعرض على حد سواء .
واجد الاشارة ايظا الى ان اسلوب كسر الجدار الرابع والاختراق البريختي التحريضي اليتيم للجمهور من قبل الممثلين في بداية العرض ، لم يجدي نفعا ولم يعد ينسجم مع ماأنتهى اليه العرض من نهاية تشيع الاحساس باللاجدوى والعجز .
ورغم كل ملاحظاتنا هذه ، الا ان المخرج فيصل المقدادي كان موفقافي توزيع الشخوص وتحريكها على رقعة الخشبه ، باشكال وخطوط مكثفة منحت العرض حيوية وايقاعا متدفقا . تظافرت معه جهود الممثلين الشباب . الذين ارتقت قدراتهم بشكل ملموس بفضل الجرعات الاكاديميه التي منحهم اياها د. فيصل المقدادي اثناء فترة التدريب على العرض، لما يمتلكه من خبرة اكاديمية في تدريب الممثل والتي تراكمت جراء سنوات طويلة قضاها في تدريس مادة التمثيل في كلية الفنون الجميله . .
مروان ياسين الدليمي