نقلا عن لسان نبيل عمرو وبمقابلة معه لصحيفة الحياة حول الأوضاع الفلسطينية نقل نبيل عمرو سفير سلطة أوسلو وممثل فتح أوسلو في القاهرة نافيا ما تردد من توبيخ وزراء الخارجية العرب للرئيس الفلسطيني حول قضية المفاوضات مع العدو الصهيوني وأفادت بعض الأنباء بما فيها نبيل عمرو منظر المستشارية للرئيس الفلسطيني الذي قربت ولايته على الإنتهاء ، أن وزراء الخارجية العرب قد نصحوا الرئيس الفلسطيني بالبقاء في منصبه بعد مطلع يناير 2009 ف ، وذكرت بعض الأنباء الأخرى أن الرئيس الفلسطيني ينوي إقالة المجلس التشريعي وتحديد موعد للإنتخابات الرئاسية والتشريعية ولا أدري كيف يمكن أن يقيل الرئيس الفلسطيني المجلس التشريعي مبكرا قبل إنتهاء صلاحياته واستنادا لأي فقرة في الدستور ؟ .. ولكن يبدو أن ما يخطط له الرئيس الفلسطيني ليس بالأمر السهل أو يمكن أن يحقق ما يحلم به من عودة ومن سطوة لقرارات أوسلو على الشعب الفلسطيني بعد تحرر غزة من هذا التيار وعلى العموم ولنرجع مرة أخرى إلى ما قيل في إجتماع وزراء الخارجية العرب للرئيس الفلسطيني وسؤالهم عن جدوى المفاوضات في ظل الإستيطان وعدم إستجابة الطرف الصهيوني للمطالب الأوسلوية .
أجاب الرئيس الفلسطيني أن أي إنجاز يتحقق من خلال المفاوضات ولو انسحاب إسرائيل من حاجز واحد يعتبر إنجاز وانتصار لتيار أوسلو .. شيء غريب وعجيب يأتي على لسان الرئيس الفلسطيني الذي ستنتهي ولايته بعد شهور قليلة وفي نفس السياق وفي مقابلة لليفني وزيرة الخارجية الصهيونية والمرشحة لرئاسة كاديما ولرئاسة الوزراء ، قالت ليفني أنها تحترم عباس وتحترم قريع وهذا ردا على سؤال : هل تؤيد إسرائيل رئاسة قريع للسلطة الوطنية ؟ .. أي أن الجميع لديهم إهتمام بالمحافظة على هذا التيار ليهلك الحرث والنسل في الساحة الفلسطينية .
عباس الذي برر مفاوضاته وخياره الإستراتيجي بالتفاوض ، قال : ” أننا على الأقل نحقق إشتباك سياسي مع الطرف الإسرائيلي ” ، وهنا أتسائل ، متى يمكن أن تحقق قوى حركات التحرر إشتباكا سياسيا مع العدو فعباس لم يبقي لديه من الخيارات لكي يناور بها أو لتكون بدائل في ما يسمى بالإشتباك السياسي وعباس قضى على المقاومة في الضفة الغربية استجابة لإستراتيجيته ولذلك ما هي القوة التي يتمتع بها عباس ومعاونيه لكي يحققوا اشتباكا سياسيا يمكن أن ينجز أو على الأقل يردع ما يسمى بإسرائيل من الإستمرار في حواجزها واجتياحاتها واستيطانها ، وهنا كلام موجه للإخوة وزراء ومعالي وزراء الخارجية العرب وعلى حسب المثل ” إذا كان المتحدث مجنون فعلى المستمع أن يكون عاقلا ” .. فهل اقتنع السادة وزراء الخارجية العرب بفتوى عباس ومبرراته ؟ .. في الثورات العالمية وحركات التحرر لم تقدم تلك الحركات على المفاوضات والإشتباك السياسي كما يسميه عباس إلا بعد إنجازات عظمى من تلك الحركات وذراعاتها العسكرية ، تجبر العدو على الجلوس لتلقي الكدمات السياسية والدبلوماسية على طريق تنازله عن إحتلاله وعدوانه ، هكذا فعلت ممثلة الثورة الفيتنامية في باريس أثناء إجتياح الفيت كونغ لهانوي ، وهكذا فعلت حركة التحرر الجزائري ، وهكذا فعلت حركات التحرر في الوطن العربي عندما أرغم الإستعمار عن منح الإستقلال وإجلاء القواعد عن الأرض العربية كما حدث في اليمن الجنوبي وفي دول المشرق والمغرب ، والمقاومة العراقية التي كبلت العدو ما لم يتكبده في أماكن أخرى لم تسعى حتى الآن لإشتباك سياسي أو لغة الدبلوماسية مع الغزو الأميركي ولأن التقديرات بأن الموازين مازالت غير قادرة على تحقيق إشتباك سياسي ، هكذا هي لغة حركات التحرر أما من يبتدع من عنده مصطلحات وترهات فهي تحريفات وتجنح عن لغة العقل وخطاب التحرير وقوى الرفض لواقع الإحتلال والظلم .
هكذا يمكن أن يقدم الطرف الوطني على الإشتباك السياسي مع العدو ، وهل المفاوضات التي تجري الآن بين مفاوضي أسولو والطرف الصهيوني فعلا تحقق معالم وتفاصيل المصطلح السياسي الذي تلفظ به عباس وهل يعتبر عباس من أمامه مجموعة من الأغبياء بالتأكيد أن الإخوة وزراء الخارجية ليسوا بالأغبياء ليضعوا إصغاء لهذه الأقاويل المحرفة عن برمجية الواقع وتفاعلاته وأحداثه ، القدس قربت على التهويد وما زال الرئيس الفلسطيني يتحدث عن إشتباك سياسي ، كيف يكون إشتباك سياسي بين طرف مفاوض فلسطيني مستقل وغير متأثر بالإحتلال والعدو الصهيوني والطرف المفاوض يظهر بطاقة الـ VIPعلى الحواجز الصهيونية في الضفة الغربية ، كيف للطرف الفلسطيني أن يحقق إشتباك سياسي مع العدو ونص إتفاقية أوسلو تعتبرهم هم إدارة مدنية في ظل الإحتلال ، كيف للطرف الفلسطيني أن يحقق إشتباك سياسي ورئيس المفاوضات يلهث وراء بطاقة زرقاء لإبنته ، وتوقفه الحواجز أكثر من مرة في تنقلاته ويذهب مهرولا عبر الإتصالات ليتصل بكونداليزا رايس أو بشكوى لبوش لتكف الدولة العبرية عن إستفزازاتها .
مازال يأمل الرئيس الفلسطيني بقوة خفية أو قوة ظاهرة لترجع غزة إليه وترجعها لمكرمة الرئيس ومن حول الرئيس .
أثير في الأيام السابقة عن نوايا لإرسال قوات عربية إلى غزة وعباس يلهث وراء هذا الإقتراح ليرجع مملكته ومغتصبيه إلى التحكم في القرارات المصيرية بكاملها للشعب الفلسطيني ، وقبل أن الجامعة العربية تدرس هذا الخيار .
لا أدري كيف للجامعة العربية أن تقفز على الواقع وتتغير تضاريس الخريطة الفلسطينية والعربية في الصراع ، فهل فعلا غزة تحتاج لقوات عربية وعلى أي قاعدة ؟ .. هل للإعتراف وتمرير المواقف لتعترف غزة بما إلتزمت به عصابة أوسلو وفتح أوسلو من قرارات تخص العدو الصهيوني وأمنه واعتراف بوجوده على 82% من أراضي فلسطين ، أم ستدخل القوات العربية لتحفيز عمل المقاومة والصمود ، شيء مخجل وهنا يقع وزراء الخارجية العرب في تناقض مع أنفسهم ، كيف يوبخون عباس أو يلومونه على إستمراره في المفاوضات وقناعتهم بعدم جدواها وكيف يفكرون في إرسال قوات عربية إلى غزة لإرجاع غزة إلى حاضنة أوسلو .
وإذا كان الإخوة الكرام يسنوا أسنانهم ويحركوا رماحهم وأسهمهم ويشهروا سيوفهم ، فكان من الأجدر أن يحركوا كل ذلك من أجل إنقاذ القدس والضفة الغربية من الإجتياحات والتهويد ، فالأجدر أن تفكر الجامعة العربية بإرسال قوات لحماية التراث العربي والإسلامي في الضفة الغربية في نابلس والحرم الإبراهيمي والقدس ، عند ذلك يكون الإخوة العرب قد أشهروا قوتهم وإمكانياتهم في الإتجاه الصحيح نحو تحرير الأرض العربية والمقدسات الإسلامية ، أما من السخافة أن يفكر الإخوة العرب بإرسال قوات إلى غزة لحماية الإتفاقيات المبرمة مع العدو الصهيوني ، ولأن ذلك لن يحل الصراع بل سيزيده تعقيدا ، وسيكون لذلك أبعاد خطرة على الأمن القومي والإقليمي العربي ، لمتغيرات كثيرة تعيشها المنطقة من تطرف وغير تطرف ، والقوات العربية لن تستطيع إرجاع غزة للحاضنة الأوسلوية ، بل سينتج عنها تشعبات أخرى وصراعات أخرى وبوابات أخرى ، الوطن العربي والشعوب العربية في غنى عنها ، وكذلك الشعب الفلسطيني ، فالشعب الفلسطيني لا يهوى المناكفات ولا يهوى تبديل الإحتلال بإحتلال آخر يغذي أجندات أخرى خارجية والشعب الفلسطيني الذي يقدم أبناءه الإبن تلو الإبن على طريق التحرير والشهادة لا يمكن أن يقبل أن تحول طاقاته وفاعلياته وتضحياته في أماكن أخرى غير أماكن الصراع مع العدو الصهيوني .
وكلمة أخيرة نأمل من الذين يفكرون بإرسال قوات عربية إلى غزة أن يوجهوا تلك القوات إلى الضفة الغربي إذا كان بإمكانهم إتخاذ مثل هذا القرار ، وغزة ” مش حيط واطية “ يركبها الجميع ، والأجدر أن يركبوا السور الفاصل الذي ابتلع ثلث أراضي الضفة الغربية ، أما عباس فلن يفيده مزيد من المساعدات والمواقف كما لم تفده المساعدات الماضية فللشعب الفلسطيني الكلمة الأولى والأخيرة .
بقلم / سميح خلف