د. مصطفى رجب
التأمت جلسة شلتنا الموقرة على مقهى السعادة لليلتين خلتا من شهر رمضان المعظَّم لنحتفل كعادتنا بمقدم هذا الشهر، واحتفالنا السنوي يضم مواعظ دينية حكومية باردة ، ومراجعة للرخص الفقهية المعاصرة في شتى المذاهب ، ومقارنة بين أسعار آخر رمضانين ، وتقييم المسلسلات مقدما قبل مشاهدتها ، كنوع من ممارسة الموضوعية في النقد الفني ، إذ لو قيَّمناها بعد مشاهدتها فقد نتأثر بها ، وهذا لا يليق بنا كنقاد حداثيين !!
وهذا العام بدأت سهرتنا بدايتها التقليدية بأن سرد لنا المعلم خليفة – وشهرته أبوضيف – صاحب المقهى آخر أحلامه ، وكان قد رأى فيما يرى النائم أنه اشترى بطيخة عظيمة بسبعة عشر جنيها ثم وجدها ( قرعة !! ) وما كاد أبو الدهب يشرع في تفسير الحلم الذي يفسره كما الشيخ سيد بأنه دائما ( خير ) ولكن …
وقبل أن يكمل أبو الدهب تفسيره كان موهوب أفندي قد أحدث ضوضاء بقدومه منتفخ الأوداج ، محمرّ الأنف ، صاخبا كعادته ، فقد خرج – كما قال – من امتحانات الكادر بما خرجت به مصر من أوليمبياد بكّين ، وبكى موهوب أفندي وهو يقص علينا أن المراقبين عليه ( وهم من تلاميذه ) قد أحرجوه لأنه كان يغش من امرأة تجاوره ، وقد أساء المراقبون فهم موقفه ، فهو لم يكن يغش وإنما كان يتغزل في المرأة ببراءة شديدة ، وهي لم تمنعه من الغزل ، بل استغلت هذا الموقف العاطفي لتغش منه . واكتشف الملحوس في نهاية الامتحان أنه يجلس في لجنة غير لجنته ، وأنه أجاب امتحانا غير الذي سيق إليه ، ومن ثم فسوف يتجاوزه ( الكادر ) ولا يقف على محطته .
وفجأة قطع موهوب أفندي حكايته والتفت إلى بطيخ أفندي متسائلا : هل لهذه الحكومة صوم مثلنا ؟ وهل صيامها مقبول أم جيد أم ضعيف جدا ؟
قال بطيخ : الذي يظهر لي أن الحكومة لا يصح لها صوم ، فهي تدلي بتصريحات في (عز الظهر) ، والإدلاء بالتصريحات يفسد الصوم في جميع المذاهب المعاصرة . ثم إن الحكومة تبيع البنزين مغشوشا ، وتنقص أعداد المقبولين في الجامعات الحكومية حتى لا تتكبد نفقاتهم من جهة وحتى يهرعوا إلى جامعاتها الخاصة من جهة ثانية . وهذا الصنيع يعده الفقهاء المعاصرون من أكبر الكبائر ، كما أن الحكومة تطفف الكيل والميزان فتنقص عبوات أنابيب الغاز وكل العبوات المغلقة وتنقص وزن الرغيف ،
استنكر المعلم خليفة فتوى بطيخ أفندي وقال إن حكومتنا – حماها الله من الحاقدين – رقيقة و( حنيّنة ) وتفعل كل ما تفعل بحسن نية ، وكفى بها رقّةً أنها تدعم الغاز الذي تبيعه للصهاينة ، أفبعد هذا نتهمها بالقسوة ؟
قال بطيخ : فما بال حكومتنا تمتحن أمثال موهوب أفندي بالأستيكة وقلم الرصاص والرجل بينه وبين نداء عزرائيل أشهر معدودة ؟
صرخ موهوب ضاربا بطيخ أفندي بالشيشة : فال الله ولا فالك يا مفتي الغبرة !! أنا مازلت أمرح في ريعان الشباب ، و ميعة الصبا ، وعنفوان المراهقة . أما امتحانات الكادر فهي أصلا نتيجة دعاء الوالدين ، فما أكثر ما كانت المرحومة تدعو عليّ بقولها : إلهي – وأنت جاهي – ” تكدّر ” عيشة اللي ما يتسمّى زي ما كدّر عيشتنا ، وتبتليه بفضيحة ماعز والغامدية !!
هنا قال المعلم خليفة إنه يؤيد بشدة أن يؤدي المعلمون امتحانا وأكثر ، فهم الذين مرروا حياة الناس بالامتحانات منذ خلق كرومر المدارس في مصر ، فلا مؤاخذة يا موهوب أفندي طبّاخ السم لا بد أن يذوقه و(زي ما تعمل لي يا زمان أعمل لك ) فالتلاميذ وأسرهم ضحايا المعلمين في الامتحانات ، ومن نفس الكأس سقى يسري الجمل جميع معلمي مصر ليعرفوا أن الله حق ، وأن الكادر الذي يطالبون به مشتق من الكَدَر والتكدير .
وبعد أيام سيسلط الله على هذه الحكومة وفودا من الكونغرس الأميركي ، ومن صندوق النكد الدولي ، مهمتها إخضاع هذه الحكومة لامتحانات أشد قسوة فتسألها وفود المفتشين الأمريكان والدوليين عن كل جنيه من أين اكتسبته ؟ وفيم أنفقته ؟ وستذوق الحكومة من ( النكد ) مثلما أذاقت معلميها من ( الكَدَر) .
قال موهوب أفندي : أنا اللي كان صعبان عليَّ الأستاذ فلتس أندراوس ، فهو معلم رياضيات من أيام كمال الدين حسين ، وبينه وبين سن المعاش بضع ساعات ، وجاء على عكازين ليؤدي امتحان الكادر أملا في تحسين راتبه ، ولكنه تعرّض لكارثة إذ ضاعت منه الأستيكة وانكسر سن قلم الرصاص ولم يكن للرجل علم باختراع البرّاية فأخرج من جيبه مطواة (سوستة ) ليبري القلم فأحالوه للتحقيق بحجة مخالفة تعليمات الوزير المشدّدة التي تمنع استخدام المطاوي السوستة في بري أقلام الرصاص وتسمح فقط بالبرّايات ومطاوي قرن الغزال ..!!
وفيما كان أندراوس أفندي ماثلا للتحقيق وفيما كان يجيب على أسئلة المحققين فاجأه وصوله لسن التقاعد فلم يلحق تطبيق الكادر عليه .
قال المعلم خليفة لموهوب أفندي : وماذا ستفعل لو سقطت في الامتحانات يا أستاذ؟
قال موهوب : عليّ الطلاق بالتلاتة لو ما نجحوني لألم عيلتي ونخطف يسري الجمل ذات نفسه ونعلن مطالبنا في البي بي سي .
وما هي مطالبكم ؟
- إعلان وزارة التربية والتعليم منطقة منكوبة
- تطبيق الكادر بدون امتحانات
سأل المعلم : وإذا لم يُستجب لكم ، ماذا ستفعلون بالجمل ؟
قال موهوب : سنذبحه في عيد الضحية ونقسّمه أثلاثا ، ثلت للأستاذ أندراوس وثلث لي أنا وثلث نسد به مضيق هرمز قبل ما تعملها إيران ..!!
===================