يقال أن الملك عبدا لله الثاني وفور جلوسه على عرش المملكة الأردنية، قام بزيارات مفاجئة للدوائر والمؤسسات الحكومية التي تقدم الخدمة للمواطنين.. وانه زارها متخفيا أحيانا ودون تنسيق مسبق مع إداراتها أحيانا أخرى، وذلك حتى يقف على حقيقة أوضاعها، وكي يعرف– كملك مسئول– مدى رضا الناس عنها، وبالتالي عن نظام حكمه.. واكتشف من خلال زياراته حينها كما هائلا من المشاكل وسوء الأداء والنواقص، جعلته يتخذ قرارات حازمة وقاسية ضد المهملين والمقصرين والفاسدين..
اضرب هذا المثل عن دولة عربية شقيقة– من المؤكد أن إمكانياتها ليست اكبر من إمكانياتنا، فكلانا يعيش– إلى حد كبير– على ما تقدمه المؤسسات الدولية والدول المانحة من أموال.. أي أن كلانا يعاني من شح الإمكانيات.. ومن المؤكد انه ومع هذا الشح بالإمكانيات فان إدارة حكيمة لتلك الأموال، ووضع سلم أولويات لعملية الإنفاق– يركز على مصالح الفئات الشعبية– بالإضافة إلى الالتزام بمعايير– العدالة والنزاهة والشفافية– سيجعل المواطن اقل تذمرا من أداء حكومته.. ويتضح الآن بجلاء أن هناك حاجة ماسة لوقوف حكومتنا الفلسطينية أمام مسئولياتها، ومراجعة مدى نجاعة سياساتها وأداء جهازها الوظيفي، بهدف الوصول إلى أسباب تنامي التذمر لدى المواطنين، ومعرفة عوامل تراجع ثقتهم بها.. فهل يبادر دولة رئيس وزرائنا الدكتور سلام فياض بالقيام بزيارات مفاجئة لمؤسساتنا الحكومية– بدون تحضيرات مسبقة وبدون إعلام مسئولي تلك الدوائر والمؤسسات بمواعيد زياراته..؟؟.
وعلى سبيل المثال لا الحصر لماذا لا يقوم دولة الرئيس يوما بزيارة احد المستشفيات الحكومية متخفيا بهيئة مواطن عادي..؟؟ ويعاين أقسام الطوارئ فيه والمختبرات وسرائر المرضى، وكذلك وجبات الطعام..؟؟ حينها من المؤكد انه سيكتشف الاكتظاظ الهائل للمرضى– من الفئات الشعبية التي لا تستطيع الحصول على الخدمات الطبية في مشافي الاستثمار.. وسيلاحظ أن إجراء عملية جراحية يتطلب حجزا لموعد قد يموت المريض قبل وصوله.. وسيلاحظ أن عددا كبيرا من أصناف الأدوية الغالية الثمن مفقود من صيدليات المستشفيات ( ويطلب الأطباء من ذوي المرضى تأمينها على حسابهم الخاص ).. وسيكتشف أن عدد كبيرا من الفحوص المخبرية ( المرتفعة التكلفة ) غير متوفرة في مختبرات الحكومة، ومثلها صور الأشعة الطبقية.. وسيرى بأم عينه كيف يقوم ذوي المريض بحمل أكياس الدم بأيديهم وينقلوها بسيارات عادية على نفقتهم من بنوك الدم إلى مريضهم النزيل في المستشفى الحكومي.. وان بحث دولته أكثر وقام بتشغيل أجهزة مباحثه– سيكتشف أن هناك عددا من الأطباء يدفعون المرضى دفعا لزيارتهم في عياداتهم الخاصة، ويقوموا بإقناعهم مستغلين حاجتهم لنقل مرضاهم إلى مشافي الاستثمار كي يجروا لهم العمليات هناك وينهبوا كل ما في جيوبهم من أموال..
دولة الرئيس..
إننا نعلم أن حكومتك فعلت الكثير من الأمور الايجابية .. لكن الأكثر من ذلك والأخطر هو ما لم تفعله.. ولدينا نحن المواطنين مخاوف كثيرة تتعزز يوما بعد يوم، تقول بان الخلل يكمن أولا في السياسة لا في الممارسة.. فالواضح لنا أن القطاعات العامة التي تقدم الخدمات الهامة والضرورية للمواطنين تتراجع في أدائها– كما ونوعا– وبشكل متسارع، الأمر الذي يؤدي إلى وضع المواطن أمام واقع جديد، يكون فيه مضطرا لشراء مختلف الخدمات التي من المفترض بل ومن الواجب أن تقدمها الحكومة إليه إما مجانيا أو بأثمان تستطيع الأغلبية في مجتمعنا دفعها، وهذا يعني أننا نسير نحو واقع يترك فيه من ليس لديه القدرة على شراء الخدمات لمصيره المحتوم.. وإذا ما كانت الخدمة المطلوبة هي العلاج، فان المواطن الفقير والمعدم سيكون على موعد دائم مع الموت.. وهذا يعني أن حكومتنا تتخلى عن مسئولياتها تجاه فقراء شعبها الذين تقول الإحصائيات أنهم أصبحوا أكثر من 60% من الشعب.