….. في كل مرة يتم التطاول فيها على العرب والمسلمين،وتحقير معتقداتهم وديانتهم،أو وصفهم بأقذع الأوصاف،أو تحريض على قتلهم وطردهم من البلاد،فإن ذلك يعتبر حدث في الإطار الفردي والشخصي أو حرية التعبير عن الرأي،أما عندما تصدر أية كلمة أو جملة من قبل أي عربي أو مسلم تجاه اليهود والمس بديانتهم،فهذا يعتبر لا سامية وعنصرية،ودعم ومساندة”للإرهاب” وتعميق ثقافة الكره والحقد بين الشعوب،وينبري الكتاب والصحفيين والمسؤولين الرسميين إسرائيليين وأجانب على أن ما يحث هو جزء من الثقافة والتربية الإسلامية القائمة على “العنف ونفي الآخر”،فعلى سبيل المثال لا الحصر،عندما تصدر أي لفظة أو كلمة أو تصريح من أي عربي أو مسلم بصفته الرسمية أو غير الرسمية،وربما يكون الأمر في إطار الغضب وردة الفعل على مجزرة أو حصار ظالم بحق شعب بأكمله،كما يحصل في فلسطين والعراق،ويقول الموت لليهود،أو خيبر خيبر يا يهود،جيش محمد سوف يعود،أو ينعت اليهود بأبناء القردة والخنازير،أو يصف قادتهم هم والغرب بالقتلة والمجرمين،فهنا تقوم الدنيا ولا تقعد وتسنفر ليس حكومة إسرائيل،بل ومعها كل جوقة الرداحين من الغرب،حول”الإرهاب”الإسلامي،وثقافة العداء والكره،وبأن العرب هم قتلة ومجرمين ولصوص وبدائيين وقذرين ..الخ،أما عندما يتعلق الأمر بأفعال وممارسات تصدر ليس فقط عن أفراد،بل من قبل جهات رسمية ومرجعيات دينية إسرائيلية وغربية،فإن ذلك يعتبر في الإطار الفردي والشخصي،أو تحاول الجهات الرسمية،إيجاد المصوغات والمبررات لذلك العمل أو الفعل،على أساس انه جزء من الديمقراطية وحرية التعبير،فعلى سبيل المثال لا الحصر،عندما أقدم أحد المتطرفين الصهاينة على حرق المسجد الأقصى في آب 1969 ،قيل أن من قام بالعمل مختل عقلياً،وكذلك عندما ارتكب المتطرف “غولدشتاين “مجزرته في الحرم الإبراهيمي،أقيم له نصب تذكاري مكافأة له على عمله البطولي الذي قام به،وعندما أقدم الشهيد علاء أبو دهيم على تنفيذ عمليته في أحد المركز الدينية المتطرفة في القدس،شنت عملية تحريض منظمة من قبل الحكومة الإسرائيلية والقيادات الدينية الإسرائيلية،على السكان العرب المقدسيين،ولم تقتصر الحملة على المس بحقوقهم الاجتماعية والصحية،والدعوة إلى طردهم من مدينة القدس،بل أحد الحاخامات اليهود،طالب بشنق أفراد عائلة أبو دهيم،وآخر دعا إلى قتل مئة عربي مقابل كل يهودي قتل في العملية،ونفس السيناريو تكرر عندما نفذ حسام دويات عمليته في القدس،وفي كل مسلسلات التحريض الرسمية،لم نسمع عن أي مسؤول إسرائيلي،تحدث عن ما يعانيه السكان العرب من الاحتلال،ومدى الظلم والإجحاف والقهر الذي يشعرون به،نتيجة الإجراءات والممارسات الإسرائيلية بحقهم.
والحال هنا ليس قصراً على الممارسات الإسرائيلية بحق الفلسطينيين،بل هناك تحريض على المستوى العالمي على العرب والمسلمين،وتحديداً بعد أحداث أيلول/ 2001،أو ما سمي بالحرب على”الإرهاب”،حيث أن بعض الجماعات الدينية المتطرفة،وفرت مثل الجو والمناخ بأعمالها الإجرامية،والمتمثلة بالقتل من أجل القتل،بدون وجود هدف ورؤيا واضحتين من القيام بمثل هذه الأعمال،وأصبح كل صحفي مغمور في جريدته أو وسيلة الأعلام التي يعمل بها،يجد أن أفضل الطرق للشهرة،هو السب والتحريض على العرب والمسلمين،كما حصل في الرسومات الكاريكاتيرية المسيئة للرسول،والتي نشرت في صحيفة دنمركية،وأعيد نشرها في أكثر من 17 وسيلة إعلام غربية،والأمر لم يعد قصراً على صحفيين أو أناس مغمورين،بل تعدى ذلك إلى أوساط سياسية وصحفية نافذة،فأكبر الصحفيين والإعلاميين الأمريكان شهرة “نيل بورترز” والمقرب من البيت الأبيض يقول:- “أن المسلمين كالصراصير يصومون في النهار ويأكلون في الليل”،أما عند العودة لفلسطين،فنجد أن هناك نهج وجو عام من التحريض على الفلسطينيين،والحط من قيمتهم كبشر ومن معتقداتهم وشعائرهم الدينية،فالمدعو”يتسحاق فالد”،والذي عينته الحكومة الإسرائيلية بشكل مؤقت رئيس لمجلس محلي باقة-جت،أثناء لقاءه مع عدد من أعضاء لجنة أولياء أمور المدرسة الإعدادية”ب” في المنطقة،عندما طلبوا منه الاستعجال لأنهم صائمون،ويريدون العودة إلى منازلهم قبل موعد الإفطار،قال لهم”أنا لا أعرف لماذا تصومون،إذا كنتم عند الإفطار،تأكلون بشراهة كالخنازير”،في نظرة تقطر حقداً وعنصرية وامتهاناً واستخفافا بشعائر المسلمين،والأمر ليس حكراً على”يتسحاق فالد”،فعضو الكنيست المتطرفة”إسترينا طرطمان” من حزب”إسرائيل بيتنا”،أحد أكثر الأحزاب اليمينية تطرفاً بقيادة”أفيغدور ليبرمان”،والتي تسكن في إحدى المستوطنات في القدس الشرقية،دعت إلى إسكات صوت الآذان ومنعه،وذلك على حد قولها لما يسببه من إزعاج لها وللكثيرين من السكان اليهود،والمسألة هنا ليست لها علاقة بعلو أو خفض صوت الآذان،بل بما يمثله الآذان من وجود إسلامي- عربي في القدس،وهذا هو المقلق لها ولغيرها من أعضاء الحكومة الإسرائيلية.
والمسألة ليست قصراً على المس بمشاعر المسلمين ومعتقداتهم الدينية في فلسطين،بل أن حقائق الأمور تقول هناك الكثير من الغلاة والمتطرفين والمشبعين بالحقد والعنصرية والأفكار التوراتية والايدولوجيا العنصرية،يسعون جاهدين إلى هدم المسجد الأقصى،وإقامة الهيكل المزعوم مكانه،تارة من خلال حفر الأنفاق تحته،أو الحديث الجاري عن احتمال قيام مجموعة من اليهود المتطرفين بقصف المسجد الأقصى بالصواريخ،وهذا كله تمهيداً للسيناريوهات،التي ترسمها الحكومة الإسرائيلية وتسعى لتنفيذها بحق العرب المقدسيين،وهي طردهم وترحيلهم قسراً عن المدينة.
ومثل هذه الممارسات والسياسات الإسرائيلية،يجب أن تكون بمثابة ناقوس خطر،يجب أن يدق أمام كل الجهات الرسمية والشعبية الفلسطينية والعربية،بأن هناك خطر جدي محدق بالمدينة المقدسة،بشراً وحجراً وشجراً،والتصدي لمثل هذه الممارسات والسياسات والإجراءات،يجب أن يخرج عن إطار لغة الشجب والاستنكار والإدانة والندب والتشكي والبكاء،والمواجهة تبدأ من خلال توفير عوامل ومقومات الصمود للمقدسيين في وعلى أرضهم،والقيام بخطوات وتحركات عملية،تمنع إسرائيل من ما تقوم به من خطوات عملية،لتغير الحقائق والوقائع على الأرض.
وما هذه الحملة الإسرائيلية العنصرية ضد الفلسطينيين في أرض فلسطين،إلا تعبير عن عدم نضج إسرائيل لا كمجتمع أو حكومة للسلام،أو تقديم تنازلات تصل إلى الحد الأدنى من الحقوق والثوابت الفلسطينية.
راسم عبيدات
القدس – فلسطين
12/9/2008