بقلم : منذر ارشيد
الحلقة الثالثة
تلقيت انتقادات وتعليقات كثيرة في بعض المواقع ومنها هجومي
بقلم : منذر ارشيد
الحلقة الثالثة
تلقيت انتقادات وتعليقات كثيرة في بعض المواقع ومنها هجومي على هذا الموضوع وحلقتيه السابقتين
وأقول لهؤلاء الأخوة مهما كانت دوافعكم فالموضوع الذي أنشره ليس تحليل سياسي أو وجه نظرشخصية أو فئوية أو حزبية ” بل هي سرد لوقائع حدثت في تواريخ معينة ومعروفة ولمن عايش تلك الفترة أوقرأ عنها .
فمن يدقق يجد أني أكتب وصف لأحداث حصلت من خلال سرد واقعي من لمعايشة شخصية بحته ” واصفاً الأمور كما حصلت معي شخصياً كما هي ( وليس كما أحب ) أو كما يحب غيري أيضاً
وعليه فأني أنصح من يقرأ أن يتجرد من أي رأي مسبق ولا داعي للإنفعالات الغير منطقية .! ويقرأ ويقارن ما أكتب بما عايشه أو سمع عنه فله أن يصدق أو يُكذب روايتي …المهم عندي أني أكتب ما يريح ضميري ويرضي ربي فقط ” وهذا لا يمنع من أن يكون للناس آراء وحتى إنتقادات ولكن التجروء على كرامة الكاتب هذا شيء مردود على أصحابه بالتأكيد …. لأنه مع غياب الكاتب فالله حاضرٌ دائما وأبدا ً
……………………………………….
في اليوم التالي… وفي المناوبة الليلية ..وإذا بالطاقة تُفتح ويطل خلالها رجل جميل المحيا نضر الوجه ” وبكل هدوء واتزان قال : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وقال : هل أنت فلان ..!! قلت :نعم أنافلان
قال: كيف حالك اليوم ..!! إن شاء الله مرتاح بعد الضرب اللي ضربوك إياه قبل مدة .! أنا شاهدت من بعيد ” الله ينتقم منهم ما بيخافوا ربنا “
إعتقدت أنه جاء يتعرف علي ويجس نبضي ويستدرجني لأمر في نفسه كالعادة
فقلت : ينتقم أو ما ينتقم …. ربنا هو أدرى فيي وفيهم
قال: كمان بدك تعذرهم الحكي عنك كثير وكبير وكأنك هتلر زمانك
قلت : ما دام هيك ليش ما يطخوني ونخلص
قال: لو السلاح مسموح داخل المعتقل ممكن يحدث كثير مشاكل ولكن في تفتيش على كل عسكري بيدخل ما فيها مزح هذه …
قلت : أما مسموح الضرب والتكسير….. لا والله الموت أفضل
قال : إسمع هدي نفسك وما تعصب وانت أول مرة بتشوفني “
أكيد مفكرني جاي أتفرج عليك أو أنكد عليك ..! لا والله أنا مش من هذا النوع ” وما انت محلفني بالله
والله ما في أحد راضي عن تصرفاتهم ” أو بتفكر الدولة بتعرف عنهم هذه الطريقة الهمجية هذه مش طبع الأردنيين
هؤلاء مجموعة حاقدة ” وكمان منبوذين ” إنت أسير حتى لو كنت قاتل ألف واحد وما بطلع لأحد يمسك بسوء ” ورغم أني جديد وما صار إلي اسبوعين ” إنت مش ملاحظ أن الوضع تغير عن ما كان قبل …!
مدير السجن أعطى تعليمات صارمة ونقل الكثيرين بسبب تصرفاتهم السيئة ومنهم اللي ضربوك أنت ما بتعرف شو صار بعدها
أمورر كثيرة تغيرت “صحيح أنا جديد بس عرفت كل شيء
مدير السجن رجل محترم ولا يرضى بالظلم وأصدر تعليمات
( أي خبر عن أي جندي أو ضابط يمس سجين أو يهينه يتقدم المسيء إلى محكمة عسكرية ) “وقال لنا في طابور الصباح :هؤلاء مساجين وفي قانون ومحاكم ” وافهموا أننا هنا مؤتمنين عليهم نحن مثل مستودع فقط ما بيحق لنا نتصرف بأي شخص
قلت : نعم المدير إنسان محترم جداً وأنا قابلته وهو يخاف الله
قال : مثل ما كان عندكم…. كان في ناس يخافوا الله وناس ما بيعرفوه صح أو لا..!
قلت: نعم صحيح
قال: الله يرحمك برحمته ويعين أهلك يا بنيي
انت شاب صغير” وكنت أظن إنك كبير ” قديش عمرك ..!! الله يجازي اللي ورطكم يا عمي والله أنتم مساكين….
كنت في حالة ذهول أمام هذا العسكري وهو برتبة نقيب ( ليس ضابط بل أقل من وكيل ) في الخمسينات من عمره وقد عرفني على إسمه من آل القضاه الكرام
تعابير وجهه مريحة للغاية لطيف مؤدب بشكل كبير ” يذكر الله كثيراً خلال حديثه الطيب …..وفوق هذا وذاك (مثقف ثقافة عالية )
قلت : ما أحد ورطنا بشيء نحن اخترنا طريق الثورة كواجب وطني
قال : كيف ما أحد ورطكم أي هي الأردن اسرائيل ..!
فلسطين هناك على الضفة الثانية يا بنيي ” شو اللي أطلعكم منها.!
ألم يكن أفضل تقاتلوا العدو من هناك من الأرض نفسها .. بدل ما تتبهدلوا خاج وطنكم ..!! يعني أنتم عملتم…. على رأي المثل ….
(وين ذانك ..َ !) وأشار إلى أذنه بطريق الألتفاف
قلت : ممكن أسألك سؤآل … الضفة الغربية “كيف صارت مع العدو..!! الستم أنتم كنتم تحكموها ..!!طيب مين اللي تركها وانسحب منها …! نحن برضو ..!!
قال : معك حق ما انت شفت كل الجيوش العربية إنهزمت…. أي هو الأردن لوحده بيقدر على اسرائيل يا عمي ..ّ!!!
قلت : ما دام الجيوش العربية انهزمت… وما قدرت على إسرائيل خلينا نجرب المقاومة” حرام يعني ..!!
قال : لا مش حرام بالعكس حلال وأكبر حلال وربنا أمر بهذا ….
والله أنا أحد الناس إني كنت معاكم بقلبي … وإبن لي كان منضم ليكم في العطلة وظل شهرين في القواعد ……….بس الله يلعن أولاد الحرام خربوها
قلت : يا عمي هي فتنة كبيرة والكل تورط فيها….. يعني أنتم ما تورطتم مثلنا..!
قال: يا بنيي أحنا اصحاب بلد وانتم كنتم ضيوف علينا وكنا نعتبركم إخواننا
والله اننا كنا نساعدكم لما كنتم تقاتلوا إسرائيل “ولكن لما درتوا بنادقكم علينا شونعمل ..!!
قلت: يا أخي يا أبو إيش اسم إبنك .! قال : محسوبك عمك أبو محمد
قلت : يا عم أبو محمد الموضوع كان في عمان وانتهى وخرجت المقاومة من المدن ” واللي صار في جرش وعجلون ما له داعي من الأساس
قال: قيادتكم غشتكم عمو الأتفاق صار يوم خرجتم من عمان الى جرش
ان يكون في تنسيق مع قيادة الجيش ما تبقوا سلطة في قلب سلطة
قلت : في عجلون وجرش ما كان في سلطة ولا كان في شيء كانت فقط قواعد عسكرية
قال : طيب قواعد بس مش كانت تنزل عمليات عبر نهر الأردن ..!!
قلت : برافوا عليك يا ابو محمد هيك كانت القواعد فقط تهاجم العدو
قال: وطيران اسرائيل كيف كان يرد ومين يضرب ..!!
قلت : الأغوار ومواقع الفدائية لأنها كانت تقوم بعمليات مؤثرة مع الجيس الأسرائيلي
قا ل : أنا معك كنتم تقوموا بعمليات بطوليه ولكن….
وين كان مردودها ..!!! كانت اسرائيل تحرق القرية الي تنطلقوا منها في الأغوار.. يعني المزارع والقرى الشمالية مش هيك ..!
وبعدين يا عمي هذا كان يعمل صدامات مع الجيش صح أو لا ..!
ويا ويل الجندي الأردني أن ترككم تعبروا إلى النهر ..ويا ويله إن منعكم ….إن تركوكم ….وهذا كان يحصل القصف يأتينا من فج وعميق “وإن منعكم كنتم تهاجموه وتقولوا عنهم متئآمرين مع العدو وهات خلصنا “
وأضاف ..عمي أنا الي بحكي معك عشت التجربة وكنت أخدم في الأغور يا عمي وأقسم لك أني كنت أخبيء الفدائي عندي في خندقي يوم يكون القصف عليهم وهم خارجين من عملية عسكرية ….
أقول لك يا بنيي…. أنا شخصيا ً كنت أفكر إن حكومتنا مش مزبوطة وانها إلها غايات
ولكن صدق أنها مغلوبة على أمرها واسرائيل لو بقيتم لأحتلت كل الشمال خذ مني أنا بحكي لك كلام رسمي وكانت قيادتكم تعرف هذا الشيء
ومطنشين مش سائلين لو احتلت اساائيل الأردن كلها
قلت : يعني انتم قمتم بالواجب…. هيك بدك تقول..!!
قال : أنا ما بدافع عن اللي صار ….والله إلي صار غلط بس صدق أن السبب كان في سوء نوايا عند جماعتكم وبعني القيادة وما كانوا صادقين لا في التنسيق ولا في حتى ترتيب وضع قواعد الفدائيين الي بقوا في الأحراش ……….أقول لك ….وأجري على الله أنتم رحتم ببلاش وتحصيل حاصل وكأنكم فقط حتى تصيروا ضحايا ويشحدوا على اكتافكم
أنا بحكي هيك ويمكن أكون غلطان يا عمي ” بس أنا رجل مؤمن وبخاف الله وما برد على الحكي اللي بينحكى في الجرائد” أنا عايش تقريباً معكم
وقواعدكم كانت في قريتنا وبعرف كثير منكم
يا عمي صار ضغط على الشعب خاصة في الشمال وصدق كانت الناس لا مع سيدي بخير ولا مع ستي بخير
القرى متعاطفه معاكم وأولادهم في الجيش ” يروح الجندي عن أهله يتعرض لخطف أو لضرب او لإهانات من قبل بعض الشباب عندكم
يوصل أهله يلاقي عن والده قائد فدائي أو فدائيين عاديين بيتعللوا عندهم
بتعرف أن في مشكلة صارت بين أب وإبنه وكانوا راح يقتلوا بعض بسبب مشاكلكم ” طيب إنت ما بتعرف إن كان الجندي أخوه مع الفدائية
في كل قرية كان هذا ” والله لوفي عندكم قيادة واعية وبتفهم لكسبتم كل الناس وما قدر أحد يعمل فيكم أي شيء
وأقولك بكل صراحة أنتم السبب في اللي صاروأنا يا عمي بحكي وما بنتظر جائزة من احد …أي هوفي أحد سامعني ..! بحكي ضميري
شعرت بألم كبير من حد يثه لأني أعرف كثير من الأمور التي كنا ننبه منها منذ كانت الثورة في عمان وبقية المدن ولكن لا حياة لمن تنادي .!
قلت : يا أبو محمد قلبت علي المواجع بارك الله بك “بكفي والله إني ما بحتمل أكثر من هيك تأنيب وانا أحد الناس لم أخدم في الأردن طيلة الأربع سنوات الماضية وفقط لأول مرة بحضر قبل أسبوعين “وعلى حظي خربت الدنيا
قال : والله معك حق الجرح والله إنه بالكف “أي مين إحنا ومين إنتم والله إحنا شعب ودين واحد ……..بس الله يلعن اللي كان السبب ….
والمصيبة يا بنييي … بيعملوها الكبار وبيقعوا فيها الكبار “
قديش عمرك ..! أنا ما بعطيك أكثر من عشرين سنة.!
يخرب شرهم عاملينك وكأنك هتلر ….انا شفتك قبل أكم يوم وإنت جاي من المستشفى
وقالوا لي هذا هو السفاح ” قلت في عقلي هذا سفاح ..!!
شفتهم وهم دايحين فيك على باب السجن وكأنهم شايفن شوفه “
نظرت وانا أسال وين هو السفاح وين هو…!!!
قال لي واحد هذا هو قدامك انت مش شايفه ..!!
قلت هذا .! ولكم هذا ولد من وين لوين سفاح …!!
قلت : يعني إنت مش مصدق يا عم أبو محمد ..قسماً بالله أني مظلوم !
قال: إسمع يا بنيي أنا شاهدتك على التلفزيون وما اقتنعت بكل اللي سمعته
انت وغيرك من الي عرضوهم في وسائل الإعلام …..كبش فداء لا أكثر ولا أقل ” وبعد أكم يوم ينهوا موضوعكم وبقولوا للناس خلاص إنتهينا من الشر “….
“وبرجعوا الكبار بيقعدوا مع بعض ولا كأنه صار شيء
يا عمي هاي السياسة …..ملعون أبو السياسة
قلت : هذا قدرنا وأنا مسلم أمري إلى الله فهو صاحب الأمر
نظر إلي نظرة طويلة وقال: هل أنا سالتك شيء …! قلت : لا
قال بحلف على القرآن إذا أنا سفاح إنت سفاح وإذا أنا مجرم إنت مجرم
قلت كيف هذا ……وليش بتقول هالكلام ..وهل صدقتني !!مش ممكن بكذب عليك ..!1
قال : عموا إنت بعد ما بتعرفني … مع الأيام بتعرف مين عمك أبومحمد .! توكل على الله وخليك معه” وصلي واقرأ قرآن واللي كتب لك ايه ربك بدك تشوفو
قلت : صدق إني أصلي وعمري خمس سنوات ولم أقطع فرض من عمري خمسة عشر عاماً ..
قال أنا مصدقك وصدق انه إنفتح قلبي إلك من لحظة ما شفتك من اسبوع يوم شفتك على باب السجن وهذا شيء مش مني” هذا من ألله ” وبعدين أنا جيت عندكم مباشرة ً وما فتحت عليك ظليت أراقبك من بعيد وكنت أسمعك بتقرأ القرآن ” ماشاء الله على صوتك وقرايتك ” بتصدق كان يقشعر بدني وانا بسمع قرائتك إنت ما شاء الله بتجود تجويد ممتاز
وتابع قائلاً :إنت نسيتني الزيارة اللي جايبها إلك ….. خذ خذ إتناول مني ….
وإذا به يناولني قطف كبير من العنب وحبات تين ” ولا أبالغ إن قلت أن عنقود العنب من أجمل وأحلى ما رأيت…عنب عجلوني لا يختلف عن عنب الخليل
قلت: شكرا لك من أين كل هذا..!!
قال: أعطوني إياه غرفة الضباط المعتقلين
( سمير ناظم ؛ خالد القدومي ؛ وعلي الجعبري ) ضباط استخبارات منتظمين مع فتح )
وقال : أنا لأ آخذ شيء من المساجين ” وحتى هذا حرام “” لأن السجين أسير وأنا كأني بسرقه ” ولكن كنت أفكر بأول زيارة لك أن أحمل لك هدية “وحتى انهم إستغربوا لما طلبت منهم العنب فكانوا راح يعطوني كل اللي عندهم ” فانتقوا أكبر عنقود وأضافوا حبات تين خضاري ” أخذتهن وحطيتهم على الكرسي وما وعيت حالي إلا بفتح زنزانتك يعني سبحان الله من حظك …أقعد وسمي بالرحمن وكل كل يا عمي واتهنى أكيد من شهر ما ذقت شيء مثل هذا ..! وأغلق الطاقة وذهب .
جلست ونظرت إلى الفاكهة أمامي ولم أصدق واعتقدت أني في حلم
وما أن تناولت حبة من العنب وإذا دموعي تنهمر ولم أتمكن من أن أضعها في فمي ودموعي لا تنقطع …ونظرت إلى أعلى وقلت… يا إلاهي يا ربي يا من قلت يخرج الحي من الميت وإن مع العسر يسرا ” وشعرتفي تلك اللحظة أن الزنزانة أصبحت مكاناً رحباً وجميلاً ” من أين جائني هذا الإنسان الطيب وأنا في هذا الجحيم “
بعدعشر دقائق فتح الطاقة… فوجدني على هذا الحال
قال: بشوفك ما أكلت ” وبتبكي كمان ..!!” يا رجل توكل على الله
قلت : يا عمي أبو محمد أنا خايف عليك من أحد يشوفك وتتعرض لمسائلة
قال : يا عمي خاف على حالك “أما انا فمعي مفاتيح القسم ولا احد يدخل إلا إذا فتحت له ……يعني حر …أكُل أكُل ودشرك مني يا عمي
قلت :كيف آكل وزملائي محرومين منه ..!! هل تخدمني بأن تعطيهم من العنب والتين ” فقال : هاي بسيطة ” قل لي أين هم بأي زنزانة
قلت : هم في زنانتين رقم كذا وكذا ..فأغلق الطاقة وذهب دون أن يقول كلمة … وسمعت الأبواب تُفتح
وبعد لحظات فتح باب زنزانتي وإذا بإخواني جميعهم يدخلون عندي محمد لطفي وعمار ونزيه وابو حديد وعزمي …..لم أصدق ” تعانقنا والبهجة على وجه الجميع كأننا أطلق سراحنا
قال أبومحمد : إنتظروا خمس دقائق حتى أرجع ” ذهب وعاد بخبز وجبن وزيتون
قال : كلوا وانبسطوا… خلينا نكسب أجر وثواب فيكم انتم أسرى “
كانت ليلة لم نعرف فيها النوم حتى طلع النهار وتحدثنا خلالها ” كلٌ عن مشاعره وما جرى مع كل واحد من أول الأحداث وأين كانواوكيف تم إعتقالهم ….. يتجادل أبو حديد مع عزمي بسبب أن كل واحد منهما يقول عن الآخر أنه هو السبب في وجوده في الزنازانة (إعترافات متبادلة)
عمار هذا الفتى الشجاع يضحك ويقول ما أجمل منظركم وأنتم معلقين على المشنقه وكل واحد فيكم يتهم الآخر إنت السبب ….وبتطلع أرواحكم وإنتم ما حدا عارف مين السبب ……..ويضحك كعادته
محمد لطفي ( أبو لطفي ) كان مسؤول سجن الثورة في اشتفينا
وكان إنسان لطيف جدا ً” ولم يُعرف عنه القسوة أو حتى الغضب
سبحان الله فهو يشبه صاحبنا ابو محمد في هدوئة ولكن خفة دمه كانت عجيبة …صاحب نكته ودعابة
كان محمد لطفي أكثر حكمة وتعقل من الجميع وهوأكبر مني ربما بسبع سنوات …وكان جارنا في جنين
قال ابو لطفي : إسمعوا تا أقول لكم أنتم الإثنين معاتيه وعلى راي المثل
( في القبوروبتصارعوا) كلو عنب واسكتوا احسن ما أطعمك ….خ ) بلاش نكد نحن جايين ننبسط مع أخونا اللي ممكن تكون آخر مرة ” وبعدين على إيش خايفين… ولكم أكثر من القرد الله ما ماسخ
تفاجأت بقول ابو لطفي محمد …بتعرفوا ياجماعة إن نحن فقط الموجودين
من كل الفدائيين يعني إحنا أبطال الفلم كله …أي شوبدكم أحسن من هيك
وأكلنا جميعا وكانت وجبة فريده لم نتاولها منذ شهر
قال أبو لطفي ….إنتم ملاحظين انه من أول يوم في رمضان ما في تحقيقات ولاصراخ ” يظهر أنهم أخذو إجازة رمضانية ” على الله تهدأ النفوس بعد هالشقاء
وعلى فكرة نحن الوحيدين من الفدائية موجودين هنا “ومش عارف وين راحوا بالآلآف الذين كانوا معنا في المفرق ..!!
قلت : لامش صحيح لأن الغرف اللي خلفنا مليئة وكنا نسمع التحقيقات
قال: صحيح ولكن كل اللي بالغرف عسكريين من الجيش المتهمين أنهم كانوا مع الفدائية
جاء النقيب أبو محمد وقال…… أتمنى أنكم ارتحتم وانبسطم …..
بدي أسلم مناوبتي وبكل أدب قال : تفضلوا على زنزانتكم …
إستلم منه جندي مثل العادة ما عنده أي رحمة كل شيء على النظام وما في فوضى إنسانية ورغم أنه كبير في السن مثل أبو محمد وابو حسن
وأسنانه الأمامية طايره من فمه (لتركيب طقم أسنان) إلا أنه كان يشخط وينخط ويصرخ كثيراً يعني ( نحن هنا) ولكن على الأقل ليس مثل فئة الشباب اللي يدهم والضرب وألسنتهم والشتم
بعد يومين جاء الشاويش أبو حسين وأول ما وصل فتح الطاقة وبروحه المرحة وصوته المحبب
قال: بتعرف أني جايب الك هديتن كبار… كبار… كل هدية تنطح الثانية
قلت : يا ساتر يا رب هد يتين مرة واحده ..!!
قال إسمع إنا ما بكذب عليك ولا بمزح والله واحدة هدية معاي وبجيبتي والثاني بشارة كبيرة
قلت : إحكي يا رجل قول وخلصني
قال : توعدني إنك تحليني ..!!
قلت : شو أحليك أي أنا معي شيء أو بقدر أجيب شيء حتى أحليك..!
قال: التحلاية موجوده ” بس إنت إوعدني ول عليك ما أبخلك
قال إسمع يا سيدي تا أسولفك هالسولافة …..وما تقاطعني
من أكم يوم روحت على البلد
ولما نزلت في عجلون لقيت ناس مجتمعين على شخص والشخص بيسولف لهم عن قصة صارت معه
قربت منهم وسألت شو الحكاية ..!
قالوا هذا كان مخطوف عند الفدائية في قاعدة ( اشتفينا )
بتعرف ما اهتميت في الموضوع إلا عند ما ذكر اسمك .”
قلت : له إسمي وشو اللي جاب إسمي ..!
قال مش إنت قلت لي أنك ساعدت جندي أردني وفكيته من الموت “!
بيني وبينك أنا فكرت إنك بتكذب علي “
أخذته على جنب وقلت له ..انت صار معك كذ وكذا … مثل ما إنت سولفت
قال لي الجندي والله كأنك كنت موجود ” من وين لك هالمعلومات..!! فاخبرته أني حارس في السجن وأنك تحت حراستي
هل تعلم أنه ما تركني إلا بعد ما وصاني عليك وقال لي إنك محترم “وسولف لي كيف خلصته من الموت ” ولولاك كان فطس
وأخبرني ان أبلغك أنه مستعد يفديك حتى بروحه “
وقال لي أقول لك انه راح يشهد في المحكمة معك
قلت : للأسف هو الي جاب لي اللبلاء لأن لا أحد يعرفني من كل اللي أحضروهم للتعرف في المفرق وهو لف ومن بين ألف واحد أخرجني
قال : صحيح أخبرني أنه كان قصده يخدمك ” وقال لهم هذا الذي أنقذ حياتي
قلت: أنا انقذت حياته وهو ضيع حياتي
قال طيب : ما بترف شو الهدية الثانية
قلت : بكفي خلص الهدية الأولى بتكفي
قال : شايف بقول لكأنت بخيل وما بدك تحليني .! خذ يا عمي
هاي باكيت راحة (حلقوم ) هذا من أخوك علي
قلت مين علي : قال ول شو نسيت علي الجندي يا زلمة وهي بكيت بسكوت ” أختهم ووضعتهم على أرض الزنزانة “وإذابه يخرج صابونة ويقول : وهاي صابونة لوكس بتضوي ضوي برضو من صاحبك هدية إلك حتى تتحمم فيها أما الليفة ما ارضيت أجيبها خوف ما تناولني فيها بوكس ……..
فتح علي الزنزانة وذهبت إلى إخواني وقدمت لهم بكيت الراحة والبسكويت واكتملت فرحتي بعد دخولي إلى الحمام وفركت جسمي المنتن بصابونة اللوكس التي لأول مرة أحصل عليها حتى رأيت الماء ينزل على الأرض بلون بني
عدت إلى زنزانتي وانا بنفسية رائعةجداً وبعدان اغلق باب الزنزانة علي
سألت الشاويش أبو حسين عن أبو محمد وسألته هل يعرفه ..!!
فقال : بعرفه ..!!! شو بعرفه هذا من خوالي وإبن بلدي ” هو قال لكم أن إسمه أبو محمد مش هيك ..!! بس بتعرف شو بيقولوا له في البلد بينادوا ( الحاج نور ) بتعرف ليش ..!!
لأنه فعلاً نور …هذا من أطهر خلق الله ” بتعرف إنه بيجو عليه من القرى
يقرأ عليهم قرآن ….هذا بركة …بركة ….مش حا يا الله
وقبل أن يستودعني نظر إلي وقال : مش قلت لك إنك بخيل “
قلت : طيب ليش يا أبو حسين يا رجل عمري ما كنت بخيل ..!!
قال اين التحلاية..! إنت ما حليتني “
فقل: يا إلاهي ..وصرخت وينكم يا إخوان وأعطوه عمكم أبو حسين من الراحة “
فصرخ أبو لطفي وقال .. الله يرحم راحتك يا حبيبي والله لو إنك راحة لبلعوها …..سلامة تسلمك ” وأضاف بيسألوني عن الصابونة ..!
قال الشاويش أبو حسينلويش بدهم الصابونة ..! شو بدهم يتحمموا…!!
قال أبو لطفي … لا ما بدهم يتحمموا ” بدهم يبلعوها حتى يغسلوا مصارينهم
بعد الراحة …ضحكنا وانصرف أبو حسين وهو يقول…
الله لا يوجسلكم ….بدكم تلحقوا على الصابونة “
………………………………………………
((زيارة صعقتني وكدت أن أصاب بجلطة ))
إلى اللقاء …منذر ارشيد